الناصرة ـ «القدس العربي»: بعدما أن حذّر قبل أيام من أن نتنياهو يقود إسرائيل نحو الهاوية، عاد جنرال إسرائيلي في الاحتياط ليحذّر مجددا من ذلك بمقال نشرته صحيفة «معاريف» الجمعة تحت عنوان «وهمُ النصر المطلق..الكذبة الأكبر في تاريخ الجيش وإسرائيل». الجنرال يتسحاك بريك الذي توقع منذ سنوات وقوع حدث كـ «طوفان الأقصى» في السابع من أكتوبر ويعرف بلقب «نبي الغضب الإسرائيلي» يقول في آخر مقال له، إن دولة إسرائيل تتفكك في جميع المجالات: الأمن، والاقتصاد، والمجتمع، والتعليم، والطب، وعلاقاتنا الدولية، وتتحول إلى «زومبي» – إنسان من دون روح، غير متكافلة، وتتصرف بشكل أوتوماتيكي، مشددا على أن وقف الحرب في غزة الآن يمكن أن يوقف تدهور الدولة ولا سبيل آخر لذلك. ويمضي في قرعه الجرس: «يجب علينا أخذ مهلة، وإعادة الرهائن، وتجهيز الجيش للحرب الإقليمية الكبيرة التي تُعتبر تهديداً وجودياً حقيقياً لبقائنا على هذه الأرض. الجيش والجبهة الداخلية غير جاهزَين بتاتاً. يجب إعادة ترميم الاقتصاد الإسرائيلي وعلاقاتنا الدولية، وإعادة النازحين إلى منازلهم، وإعادة التكاتف في المجتمع، وإنقاذ الدولة من الانهيار».
ويؤكد ما يقوله بعض زملائه أن استمرار القتال الذي فقد هدفه منذ وقت في قطاع غزة، هو الطريق الأفضل لضمان استمرار تفكُّك الدولة. لافتا لوجوب «ترك الأوهام، والمصالح الضيقة، والسياسات الصغيرة، والإيغو الكبيرة، وأيضاً الخلافات الداخلية، بدلاً من اللجوء إلى الحوار. علينا جميعاً أن نقوم وننقذ دولتنا من دمارها لأننا لا نملك دولة أُخرى؛ هذا لا يزال ممكناً. يتعين علينا الحفاظ على إنجازاتنا العسكرية حتى الآن في قطاع غزة، لن نحقق أفضل منها. العكس هو الصحيح، كلما استمر القتال في غزة، كلما غرقنا بشكل أعمق. تفكيك الكتائب الأربع المتبقية في رفح وتفكيك حماس كلياً هما الكذبة الأكبر في تاريخ حروب إسرائيل، والتي يبيعنا إياها المستويان السياسي والعسكري».
ويبدي بريك أسفه لأن أغلبية الجمهور الإسرائيلي تقع في هذه المصيدة، وتصدق هذه الأكاذيب التي يتم نشرها لكسب الوقت من أجل البقاء السياسي والعسكري، والتمسك بما هو موجود أطول وقت ممكن. ويضيف في هذا المضمار:»مؤخراً فقط، أعلن الأمريكيون أن خطة دخول الجيش إلى مخيمات رفح غير لائقة، وستؤدي إلى أكبر مجاعة في القرن، لذلك، لن يوافقوا على الدخول. الآن، نحن على حافة الهاوية، وإذا بقينا واقفين من دون أي فعل وصدّقنا الأكاذيب التي تبثها قياداتنا، فلن تقوم لنا قائمة، ولن يكون أمامنا طريق عودة، وسنخسر الدولة 2000 سنة أُخرى». ويقول إنه كما أشار سابقاً، فإن قرارا واحدا من دون حسابات ملية من نتنياهو، أو غالانت وهرتسي هليفي، سيشعل الشرق الأوسط، لأنني لا أعتمد على رأي هؤلاء الثلاثة، ولديّ شعور بأنهم اتخذوا هذا القرار: نحن بين يدي أشخاص غير عقلانيين، دفعوا إسرائيل إلى ما جرى في 7/10 ويمكن أن يدفعوها إلى خراب الهيكل الثالث. هذه المجموعة تلعب بالنار على حساب مواطني إسرائيل».
نتنياهو والجيش يقودوننا نهو الهاوية
في مقال نشرته صحيفة «هآرتس» يوم الثلاثاء الماضي حذر بريك مما هو موجود ومما هو آت، ويقول إن إسرائيل موجودة قبالة مفترق طرق حاسم وأن رئيس حكومتها نتنياهو يقوم بدفعهم نحو الهاوية فيما تنقاد القيادات السياسية والعسكرية خلفه كالخراف. ويرى الجنرال في الاحتياط أن إسرائيل موجودة اليوم مقابل مفترق طرق حاسم و«نتائج أفعالها أو إخفاقاتها ستحدّد مصيرها الوجودي..إما للبقاء وإما للفناء، وللأسف الاتجاه في غير صالحنا». وطرح بريك مقترحا لتفادي الهاوية بالقول: «بدون أن ينهض الإسرائيليون والعمل على نحو تغيير واستبدال المستويين السياسي والعسكري نحن لن نبقى هنا. الشعار إسقاط حماس بشكل مطلق الذي يدير القادة الفاسدون الحرب في ظله سيؤدي لفقدان المخطوفين ومكاسبنا العسكرية داخل القطاع مع خسائر اقتصادية ودبلوماسية وأمنية.
بعد 30-50 سنة سيتغلب الفلسطينيون علينا بكل الأحوال».
يشار أن مؤرخّا إسرائيليا بارزا كان قد حذر من مستقبل أسود ينتظر إسرائيل ومن أن نتنياهو يقودها للظلمة. في حديث لملحق صحيفة «هآرتس» عام 2019 قال المؤرخ الإسرائيلي بروفيسور بيني موريس إن إسرائيل مكان ستغرب شمسه وسيشهد انحلالا أو غوصا بالوحل ويتحول اليهود فيها لأقلية ملاحقة وسيهرب من سيستطيع إلى الولايات المتحدة.
كما يقلل من خطورة المد القومي العنصري في إسرائيل لكنه يبدي تحفظه من تديّنها وحول مستقبل إسرائيل كدولة يهودية أعرب موريس عن توقعات متشائمة، ويشير للميزان الديموغرافي ويقول إن البلاد تتجه لتكون دولة واحدة مع أغلبية عربية، ويضيف «تدعو ذاتها دولة يهودية لكن الحالة القائمة التي نسيطر على شعب محتل بدون حقوق لا يمكن أن تدوم في القرن الـ 21 وفي اللحظة التي سيصبح لديهم حقوق لن تبقى إسرائيل دولة يهودية وهي ستغطس وتغرب شمسها كدولة شرق أوسطية مع أغلبية عربية». لافتا إلى أن العنف بين الفئات السكانية سيزداد تباعا وسيطالب العرب بعودة اللاجئين ويبقى اليهود أقلية صغيرة وسط بحر فلسطيني تلاحق أو تتعرض للذبح كما كان عندما عاشوا في دول عربية. من يستطيع الهرب من اليهود للغرب سيفعل».
متى سيتم ذلك حسب تقديرك؟
«ينظر الفلسطينيون على كل شيء برؤية شاملة وطويلة الأمد تاريخية وهم يرون الآن سبعة ملايين يهودي محاطين بمئات ملايين العرب فلا يجدون سببا للتنازل، لأن هذه حالة لن تطول وهم ملزمون بالانتصار. بعد 30 أو 50 عاما سيتغلبون علينا بكل الأحوال».
التاريخ سيذكر نتنياهو كأسوأ
زعيم لإسرائيل كما ترامب في أمريكا
وأوضح المؤرخ بيني موريس مع الناقد الأدبي أورن موريس في مقال مطول مشترك نشرته «هآرتس» في ذات العام أنه ليس لديهما أي شك في أن بنيامين نتنياهو سيتم تسجيله في التاريخ باعتباره أسوأ زعيم لإسرائيل لأجيال تمامًا مثلما سيتم تسجيل دونالد ترامب على أنه أسوأ رئيس للولايات المتحدة على الإطلاق. ويؤكدان أنه هذا ليس لأن معظم كتاب التاريخ اليوم وربما في المستقبل «صغار» كما يتهمهم اليمين ولكن بسبب معايير موضوعية.
مقولة نتنياهو الأب
ويتابعان «واحد من مئات المؤرخين- وبالذات مؤرخ يميني جدا- قال كلمته مبكرا أثناء ولاية نتنياهو الأولى هو بن تسيون نتنياهو والد رئيس حكومة الاحتلال الحالي في مقابلة نشرتها «هآرتس» في 18.09.1998 إن ابنه ربما ملائم لإشغال وزارة الخارجية أكثر من رئاسة الحكومة، أي أنه ملائم كناطق أكثر منه كقائد، وقد صدق بذلك، فهو متحدث لبق ربما الخطيب الأفضل في إسرائيل منذ أيام وزير الخارجية الراحل آبا إيفن». ويريان أن نتنياهو الأب بتصريحه هذا قد تعرض بذلك للمشكلة بشخصية نتنياهو الابن: لا مضمونا حقيقيا في قيادة نتنياهو ومن المشكوك به إذا كان يعرف هو بنفسه إلى أين ذاهب، ومخطط الضمّ الذي انفعلنا منه هو مجرد مثال. ويؤكدان أن نتنياهو مشغول بذاته وبمحاكمته وبإعادة انتحابه وليس بما يشغل الإسرائيليين، ويقولان إنه من السهل التعرف على ذلك من خلال النظر لإدارة الدولة في عدة مجالات: هل يستطيع الشباب اليوم بعد عشر سنوات من الإصلاحات اقتناء شقة للسكن؟ هل نستطيع أن نثق بالمدارس التي يتعلم فيها أبناؤنا؟ هل يمكن الاعتماد فعلا على وزارة الصحة في معالجة الشيوخ والمرضى؟ إن الإدارة الفاشلة لأزمة كورونا ليس شاذا بل يكشف الإخفاق في قيادة نتنياهو على مرأى من كل العالم.
سيتقلب في قبره
ويضيف بيني موريس: «لم يذكر بن تسيون نتنياهو أسبابه للتصريحات المذكورة أعلاه ومن المفترض أنه لا يريد إيذاء ابنه ومركزه كرئيس للوزراء في فترة ولايته الأولى. لكن لا يساورني شك في أنه سيتقلب في قبره لو توقع سلوك ابنه خلال فترة ولايته الثانية كرئيس للوزراء التي بدأت عام 2009 وامتدت حتى 2020.