عمان- «القدس العربي»: قد لا تكون مجرد صدفة سياسية تلك التي جمعت بالتوقيت اللقاء الشهير والجديد بين وزيري خارجية الأردن وإسرائيل، بالتزامن مع جرعة إضافية من التواصل مع مصر والسعودية بعد أبو ظبي والبحرين. لم يبلغ وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي -الذي يصارع في أجندة ذاتية خلف الكواليس للبقاء في موقعه قبل تقديم النسخة الثانية من الحكومة التي يعمل معها الرأي العام- بأي مستجد نتج عن اللقاء في منطقة العبور بين الضفتين مع نظيره الإسرائيلي غابي أشكنازي.
لا ترتاح الدبلوماسية الأردنية عموماً لـ أشكنازي. ومن اللحظة التي تصرفت فيها حكومة بنيامين نتنياهو بطريقة أغضبت عمان مع حادثة السفارة في ضاحية الرابية، اقتصرت الاتصالات الدبلوماسية مع تل أبيب على المراسلات الرسمية فقط التي يقوم بها طاقم السفارة الأردنية في تل أبيب.
يفسر خبراء عميقون جدول أعمال لقاء الصفدي – أشكنازي مباشرة بعد استقبال الرئيس الفلسطيني محمود عباس في عمان، بأنه محاولة أردنية مؤهلة قيد النجاح لإبعاد شبح زيارة كان يرغب بالقيام بها إلى العاصمة الأردنية نتنياهو نفسه.
كما ذكرت «القدس العربي» في تقرير سابق لها، سأل الأردنيون المؤسسات الإسرائيلية وأشخاصاً في الإدارة الأمريكية الديمقراطية الجديدة: ..ما الذي يريده نتنياهو منا ولماذا يضغط لزيارة عمان؟
الجنرال غانتس على الضفة الغربية وانتعاش ذاكرة «صفقة الغاز» بتوقيع بايدن
يبدو أن الوزير الصفدي كلف بالاستكشاف ومحاولة تحصيل مشروع إجابة، الأمر الذي يبرر لقاء منطقة التماس بين الضفتين الشرقية والغربية في الأغوار مع أشكنازي، فالأخير موصوف بأنه بالنسبة للقرار الأردني لاعب يحاول الإبقاء على مسافة واحدة لأكبر قدر ممكن بين نتنياهو وبديله المفترض بيني غانتس.
بالنسبة لعمان أيضاً، أشكنازي أطلق في المنامة وبعد ساعات قليلة من اللقاء مع الصفدي، تصريحاً هرمت المؤسسة الأردنية وهي تنتظره، عندما تحدث عن التراجع عن مشروع «الضم» والدعوة إلى الاستثمار في عملية سلام تستفيد من التطبيع الخليجي والعربي مع إسرائيل.
عادل الجبير، الوزير السعودي المكلف بملف الإدارة الأمريكية الجديدة، كان يبلغ للتو الأصدقاء له في الأردن بأن بلاده، حقاً لا قولاً، ستكون تماماً آخر من يطبع مع الإسرائيليين، ناصحاً بأن لا تخشى عمان التسريبات والتكهنات الإعلامية في هذا السياق. وليس سراً أن التواصل الأردني ترتفع نسبته مع طاقم ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، بالتوازي مع ارتفاع منسوب التنسيق الذي يشمل الجانب المصري ومجموعة الرئيس عباس ومقابلة الصفدي وجهاً لوجه مع أشكنازي كان يفترض أن تجيب على السؤال التالي: هل نتحمس ونستقبل نتنياهو في عمان أم العقبة، أم نعمل على خط البديل لنرى الجنرال غانتس؟
يبدو أن الطاقم الذي يدير الأمور أردنياً في الشأن الإسرائيلي والفلسطيني أميل لانتظار خارطة نوايا الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن، والطاقم الذي سيختاره لإدارة الخارجية الأمريكية. تلك خارطة قد تنطوي على إشارات، برأي عضو مجلس الأعيان الأردني والوزير السابق وخبير ملف اللجوء وجيه العزايزة، إلى أن بايدن حتى يستثمر في الوقت والمسار الإقليمي سيبحث – بتقدير العزايزة، كما سمعته «القدس العربي» – عن مقاربة تظهر قدراً من التباين الإجرائي مع إدارة سلفه دونالد ترامب، حيث ملامح علنية لخطاب بايدن والديمقراطيين يقدر عزايزة بأن على الطرف الفلسطيني والعربي الاستثمار فيها، وحيث أزمة في العمق الإسرائيلي لا ينبغي -برأي المفكر السياسي عدنان أبو عودة- الرهان عليها كثيراً؛ لأن عدم قياد دولة فلسطينية حتى ضمن معطيات خيار الدولتين هو أيديولوجيا تحكم موقف الإسرائيليين. وحيث التضليل والخداع والمكر قائم في كل الأحوال.
وهنا قد تصبح الخارطة أوضح بالنسبة لعمان، وهي تستشعر لتبلغ العمق الإسرائيلي بأن تقلُّص فرص نتنياهو في واجهة المشهد يمكنه أن يعيد بعض الحرارة لمستويات التنسيق والاتصال بعدما دفنت نتائج الانتخابات الأمريكية الرئاسية طاقم ترامب «الجاهل» في قضايا المنطقة والصراع وتكويناته الاجتماعية، على حد تعبير أبو عودة.
الجنرال غانتس موجود على الضفة الأخرى في قياسات الاستشعار الأردني. والحلقات التي كان يقيمها الوزير الصفدي وغيره من كبار المسؤولين الأردنيين مع قنوات فلسطينية أمريكية مقربة من الأغلبية الجمهورية الموالية لإسرائيل في واشنطن، تعطلت قليلاً أو «تفرملت». وبما أن الجنرال غانتس يتحفز على الضفة الأخرى ويوجه رسائل للجوار العربي، تتصور عمان بأن التواصل مع أشكنازي وغيره قد يكون مفيداً. وخلافاً لمحور أبو ظبي – المنامة، لا تفكر عمان بطريقة «مساعدة نتنياهو أو إيجاد حلول لمشكلاته اليوم» كما كان يحصل في الماضي.
في عمق المطبخ الدبلوماسي الأردني تأكيد على مسألتين. الأولى هي أن منح فرصة الاستثمار بالجنرال غانتس أفضل من اللعب مع الثعلب الماكر نتنياهو مجدداً. والمسألة الثانية أن سقف الصبر والتريث يحتاج إلى الانتظار حتى شباط المقبل، فأسهم الأردن عند الرئيس بايدن تحديداً يمكن اللعب بها، فالصداقة مع الرجل قديمة، وقدرات الأردنيين في التفاعل مع الديمقراطيين أقدم، والأهم أن الرئيس بايدن هو الشخص الذي باعته عمان قبل عدة سنوات عندما زار صفقة الغاز الإسرائيلي واجتهدت في احتواء كل المعارضة الداخلية لها.
والانطباع بالتالي أن بادين يقدر للأردنيين ذلك، وأن تمرير صفقة الغاز الإسرائيلي المسروق، على حد تعبير القطب البرلماني صالح العرموطي، كان بمثابة هدية حصل عليها بايدن من عمان، والأهم… بمثابة دليل أمام الديمقراطيين على أن الأردن مخلص لعميلة السلام وليس ضد إسرائيل، خلافاً لما حاول الليكود ونتنياهو ترويجه منذ قرر الملك الأردني عبد الله الثاني عدم تجديد عقد تأجير منطقة الباقورة واستعادتها تماماً، خلافاً لكل الوساطات والضغوط بتوقيع نتنياهو.