المعطيات اليومية التي تنشرها وزارة الصحة تعكس توجهاً واضحاً. نسبة فحوصات كورونا الإيجابية في حالة انخفاض منذ أسبوع، من 15 في المئة في الذروة إلى 10 في المئة الآن. وعدد المصابين المشخصين اليومي ينخفض، وإن كان هذا العدد مرتبطاً أيضاً بتقليص معين في عدد الفحوصات. 10 في المئة إيجابية ما زالت حتى الآن رقماً عالياً ومقلقاً، حسب معايير منظمة الصحة العالمية. ولكنها الآن تبدو كعلامات أولية لوقف التفشي الواسع. وثمة انخفاض قليل حتى في نسبة المرضى الذين هم في حالة صعبة، وهو رقم تغييرات تبدأ فيه دائماً بعد مرحلة التغييرات في الإصابة العامة.
جاءت التغييرات في أعقاب تقييد النشاطات الاقتصادية حتى قبل رأس السنة. ومن الصعب معرفة إلى أي مستوى كان إسهام الإغلاق الشامل الذي أعلن عنه في رأس السنة حاسماً. انخفاض مستوى العدوى بارز في أوساط الجمهور بشكل عام وفي الوسط العربي. ولكن لا توجد أي دلائل في أوساط الجمهور الأصولي على وقف الإصابة. ويشيد جهاز الصحة باستيقاظ الجمهور العربي وبمساعدة رؤساء البلديات والمجالس. وقد توقف الهيجان الذي ميز موسم حفلات الزفاف، وارتفع مستوى الامتثال للتعليمات بشكل كبير، وكذلك التنسيق بين البلديات والوزارات الحكومية وقيادة الجبهة الداخلية.
التطورات الإيجابية تدفع قدماً باعادة مناقشة قيود الإغلاق الجارفة. ووزارة المالية تطالب برفع عدد من القيود بالسرعة الممكنة من الأسبوع القادم، بالأساس في أماكن العمل التي لا تستقبل الجمهور. أيضاً في جهاز الصحة هناك دعم معين لذلك.
ويتبع رئيس الحكومة نتنياهو خطاً معاكساً؛ فهو يريد أن يواصل الإغلاق في محاولة لخفض عدد المصابين اليومي من 5 آلاف إلى ألفين أو أقل من ذلك. ولنتنياهو اعتبارات أخرى لا يعترف بها بشكل علني، وهي التخفيف عن معظم الجمهور والانتقال إلى برنامج “الإشارة الضوئية” الذي نادى به مسؤول كورونا البروفيسور روني غمزو، والذي سيسرع المواجهة مع الأصوليين الذين توجد معظم بلداتهم في القائمة الحمراء؛ واتباع التسهيلات سيجبره على أن يرفع القيود عن المظاهرات ضده.
في النقاش الذي جرى أمس في وزارة المالية، وجه الوزير إسرائيل كاتس الانتقاد لخطوات الإغلاق. وقد كان حذراً من ذكر نتنياهو، لكن الأخير لم يسكت، ومن مكتبه صدر: “الإغلاق ضروري، رئيس الحكومة لم يخضع لضغوطات من داخل الحكومة أو من خارجها”.
في كل النقاش برز غياب تفكير منظم على المدى البعيد. وتدريجياً تتبلور استراتيجية خروج، لكنها لا تشمل في هذه المرحلة برنامجاً منظماً لاستئناف التعليم في المدارس، باستثناء رياض الأطفال والصفوف الدنيا. ليس واضحاً أيضاً ما هي الحلول لفصل الشتاء، لنفترض أن الدولة نجحت أخيراً في تطبيق التعليمات بالصلاة في منطقة مفتوحة. سيصبح من الصعب جداً تطبيق هذا بدءاً من تشرين الثاني المقبل فصاعدا في فترة هطول الأمطار ودرجة الحرارة المنخفضة نسبياً.
بضع كلمات دفاع عن الوزيرة غيلا غملئيل: “هذا غير حقيقي. ومن بين إجمالي الخروقات الموثقة لتعليمات كورونا من قبل منتخبي الجمهور وموظفين كبار وشخصيات مشهورة، فإن سلوك غملئيل استثنائي في السوء، لا لأنها ابتعدت نحو 150 كم عن بيتها في وقت الإغلاق، بل ضللت وكذبت (على وزارة الصحة ووسائل الإعلام). وبكونها مريضة أيضاً، أفشلت جهود قطع سلسلة العدوى، التي كان يمكن أن تكون أسرع لولا سلوكها.
ولكن غملئيل حبة كرز على كريمامليئة بالأسماء من الأيام الأخيرة، من بينها زوجة رئيس الحكومة، ورئيس الشاباك، وعضو كنيست من “يوجد مستقبل” وحتى ابن المرشح الصاعد لرئاسة الحكومة، ابن الـ 15 سنة، جميعهم ضُبطوا بخروقات يتعلق جزء منها باستضافة في الخيمة. وكل هذا يدل على أن الشخصيات الكبيرة والمشهورة تعتقد بأنها معفية من نظام المحظورات ومن العقوبات التي فرضت على المواطنين العاديين. هذا الاستخفاف الفظ يعكس الانغلاق وحتى الغطرسة – الافتراض الخاطئ لهم بأنه بالامكان في عهد الشبكات الاجتماعية إخفاء الاستخفاف بالقواعد دون أن يضبطوا.
كل خارقي القواعد يحظون بوابل من الهجمات والشتائم عبر “تويتر”، وبدرجة كبيرة أيضاً في وسائل الإعلام. صحافيون مصدومون يطالبون بالتكفير عن الذنب وباستقالات جماعية (من حسن الحظ على الأقل في حالة الفتى في “بيت بينيت”، تم أخيراً إظهار الصبر والقليل من التناسب). ولكن من الجدير القول بأن ليس كل الشخصيات الرفيعة والمشهورة التي ضبطت مساوية لغملئيل، ولا جميعهم تبولوا من على خشبة القفز التي على الارتفاع نفسه.
عندما تم كشف الخروقات الأولى من قبل رئيس الحكومة والرئيس، كان هذا بداية الموجة الأولى للفيروس، في الوقت الذي كان فيه الإغلاق مشدداً، وكان امتثال المواطنين كاملاً. آمن الجمهور الإسرائيلي بصدق بتسطيح المنحنى، واعتقد أنه إذا أصغينا إلى نتنياهو وبار سيمنطوف كل مساء فسنتجاوز بسلام الوباء. عائلات أبقت الأجداد والجدات وحدهم عشية العيد لأن التفكير كان بأن التجند الكامل سيوقف الفيروس بسرعة. وعندما تبين أن الشخصيات الرفيعة رتبوا لأنفسهم تسهيلات كبيرة، ازداد غضب الجمهور.
أما الإغلاق الثاني فقصة أخرى؛ تجاهل الشخصيات الرفيعة للتعليمات يعكس ما يعتقده الكثيرون منهم حقاً: أن المحظورات مشددة جداً وليس فيها منطق موحد، ومشكوك فيه إذا كانت ستدفع بمكافحة الفيروس قدماً. وعندما تبقي الشرطة البلدات والأحياء الأصولية منطقة مستقلة ذاتياً بالفعل، ليس فيها إنفاذ للقانون باستثناء جولات شكلية عنيفة، فإن باقي الجمهور سيستخف بجزء من هذه التعليمات. الشخصيات الرفيعة تسمح لنفسها بالمزيد – مع ذلك، عندما يتم ضبطهم تنفجر فضيحة.
هكذا ينشأ لدينا واقع تاريخي معين في ظل الوباء، خطورته شديدة جداً بحد ذاتها: ذات يوم، قمنا بتصوير لاعب كرة القدم عيران زهافي وهو يثير ضجة بين الساعة الثانية والرابعة. وفي يوم آخر، ضبطنا نداف ارغمان وهو مع أولاده الكبار في العريشة خلافاً للتعليمات. ونطالب اليوم برأس رئيس الشاباك، وفي الغد سنقوم بإقالة عضوة كنيست. سيكون الأساس شيئاً ما يغذي ماكينة الغضب الورعة. حملة الصيد اليومية هذه تحرف الانشغال بالأساس – إخفاق الحكومة في معالجة كورونا ومحاولتها غير الديمقراطية لوقف الاحتجاج ضدها.
وبدلاً من رقصة الشياطين، التي تخدم نتنياهو بالمناسبة لأنه يخلق الشعور بأن الجميع فاسدون بدرجة متساوية، كان من الأفضل البحث عن كيفية التسهيل في الإغلاق الشامل. يفضل التركيز على تعليمات حقيقية يمكن تطبيقها، بالأساس على سياسات مرتبطة بالحقائق. هذا يشمل، مثلاً، معالجة أوسع في المدن الحمراء دون منح إعفاء لأسباب سياسية للقيادة الأصولية (التي كان الكثير يفضلون كما يبدو تطبيق القواعد في بلداتهم لتقليص تفشي العدوى). والمنع الجارف للقاءات العائلية في العيد بكل الصيغ هو منع يصوت الجمهور عليه بالأرجل.
أ. هو رجل هايتيك من تل أبيب، ركب أمس على دراجة كهربائية في طريقه إلى حديقة عامة قرب بيته. في زاوية الشارع كانت هناك وقفة احتجاج لعشرة أشخاص بالغين وأولاد وفي أيديهم أعلام سوداء ولافتات ضد نتنياهو. عندما توقف أ. على الإشارة الضوئية وقفت إلى جانبه أيضاً سيارة فيها أربعة شباب صغار. ركاب السيارة أمطروا المتظاهرين بالشتائم: “يساريون، أولاد زانية، خونة، ليحرقوا في جهنم”.
أ. ربما، خلافاً للعقل السوي، لم يضبط نفسه وتدخل. توجه إلى سائق السيارة الذي قاد هجوم الشتائم وسأله أن يخجل من التحدث بهذه الطريقة. “هنا أولاد يسمعون”، لفت انتباهه. السائق رداً على ذلك أوقف الهجوم على المتظاهرين ووجه له نظرة طويلة. بدأ الركاب في المقعد الخلفي يفتحون أبواب السيارة، بما يبدو وكأنه استعداد للهجوم.
في حياته العسكرية، أ. هو ضابط في الاحتياط، مر عليه الكثير من التجارب العملياتية، حتى أن لديه وساماً. وليس بالشخص الذي يهرب من المواجهة. ولكنه أعمل عقله سريعاً في هذه الحالة: “واحد وهم أربعة”. ضوء الإشارة الضوئية تغير وانطلق من هناك على الدراجة. ما شاهده في زاوية الشارع لم يبق لديه أي مجال للشك: “سينتهي هذا بالقتل. الأجواء في الشارع تجاه المتظاهرين عنيفة ومعادية. لن يكون هنا شيء مخطط له مثل يغئال عمير أو يونا ابروشمي، بل انطلاقة محددة لكراهية مجنونة نتيجة التحريض. كان القتل يشع من عيونهم. ولو بقيت هناك لثانية أخرى كنت سأنهي هذا الحدث في المستشفى”.
بقلم: عاموس هرئيل
هآرتس 8/10/2020