رغم عدم وجود ما يبرر أي ابتسامة، بسبب حال الأمة الرديء ابتسم الدكتور مصطفى البرغوثي، بسخرية ملموسة بعد ما سألته الزميلة مذيعة الأخبار في «الجزيرة» عن خطاب نتنياهو في الأمم المتحدة، حيث قاعة تخلو من الوفود والزعماء وبضعة مصفقين مستأجرين على الشرفة، مثل «النائحة»، التي تظهر في المسلسلات المصرية لتلطم على الفقيد على قاعدة عادل إمام «الساعة بخمسة جنيه والحسابة بتحسب».
قالها البرغوثي ببساطة وذكاء «نتنياهو أراد أن يظهر مثل تشرشل، لكنه لعب دور غوبلز».
الإضافة ذكرتني بصديقنا الراحل ميشال حجازين – رحمه الله – عندما قال «سيدي.. أنت تكذب، ثم تكذب ثم تكذب».
نتنياهو، بوق نازي بامتياز، وفيما طاقم من قناة «الجزيرة» يغطي خطابه كان لا بد من تأمل مسألتين.
إصرار غوبلز الإسرائيلي العنيد على ذكر وترديد أسماء عربية من بين جنود جيشه القتلى أو الأسرى في الحرب على غزة. هنا مشهد جنائزي ونواح لعوب، حيث المجرم يكاد يذرف الدموع، وهو يردد تلك الأسماء العربية، موحيا بالتأثر! فيما كانت طائراته – الأمريكية دوما – تقصف بيروت ومواطنيها المدنيين بـ85 طنا من المتفجرات المخصصة لاختراق التحصينات، كما أقرت القناة الإسرائيلية التي تحمل الرقم 13.
المسألة الثانية هي تلك المتعلقة بسؤال افتراضي: على أي أساس يعرض نتنياهو خرائطه نفسها، التي تصل بحر العرب والمحيط الهندي بسواحل فلسطين المسروقة؟!
على أحدهم من «الربع إياهم» أن يبلغ دجال إسرائيل أن فلسطين في القلب والوجدان والعقيدة والدين، ولا ضرورة لوضعها في خرائط اليمين الإسرائيلي اعتمادا على «يمين عربي واهم وعاجز» يتصور أن «مشاريع السلام» ممكنة بعد كل هذا الدم البريء المهدور.
هنا حصرا لا بد من التصفيق لما سمعناه، دون كاميرات للمفكر منير شفيق، قبل ساعات من استضافة «الجزيرة» له، حيث العودة الجذرية لفكرة «نحن وليس هم»، بدلا من ترويج نظرية «نحن أو هم».
الملكة رانيا… ماذا قالت؟
في معادلة «نحن وهم» قالها شفيق باحترام: «يمكنهم الرحيل إلى أحضان الدول، التي تحبهم ويحبونها وتشبههم ويشبهونها». تذاكر السفر سيدفعها بالضرورة هنا من يخاطبهم «غوبلز»، وهو يوزع أوهام «السلام الاقتصادي».
وفي الواقع قالت الملكة رانيا العبد الله عندما سألتها مذيعة «إي بي سي» شيئا مماثلا يستوجب التصفيق أيضا «لو قتلت إسرائيل كل المقاتلين معا.. هل ستتوقف المقاومة»؟
لا أحد راشد عاقل بالغ عقليا يريد الإجابة في الغرب على «سؤال الملكة»، التي تمثل بلدا يؤمن بالسلام ومحتواه الاعتدال وشعبا مسالما.
وبما أن القرينة تدفع أختها نسأل: ما الذي ستفعله إسرائيل بهذا الكم الهائل في محيطها من «المهزومين والمكسورين والجواسيس»؟!
سمعت أحدهم يقول: إدارة التفاوض مع «المنتصر» أسهل بكثير من متابعة المهزوم، وسمعت آخر مؤخرا يسألني: فكرك.. كيف سيدير الكيان فائض الاختراق الأمني على الساحة اللبنانية؟!
مشكلة إسرائيل هي أنها «بشعة وكاذبة»، ولا يوجد في احتلالها أي إشعاع حضاري وعقلاني واستعمارها «احتلالي استئصالي»، وهي بالتالي «مشروع غير منجز» وجد بصدفة تاريخية اخترعتها هوليوود حتى وإن بقي الزملاء في قناة «الحدث» مثلا مهتمين بتلبيس دم الشهيد حسن نصر ألله للإيرانيين، قبل الطائرات الأمريكية وإسرائيل.
حفرة في كل مدينة
قلناها سابقا ونعيدها: الحفرة التي رصدناه في جباليا بعمق 17 مترا شاهدناها للتو في الضاحية الجنوبية لبيروت العربية. لا يوجد ما يمنع بعد من دفن الأهرام أو «الساحة الخضراء» في بغداد أو «المدرج الروماني» في عمان أو ميناء «هانيبال» بحفرة مماثلة وبقرار من غوبلز الإسرائيلي، يصادق عليه «شقيقه» الأمريكي الأكثر كذبا، حيث شاهدنا مجددا على شاشة «سي إن إن» جون كيري، ما غيره، وهو يقول «نحن ملتزمون بأمن إسرائيل».
قناة «فرانس 24» نشرت النبأ بالبنط العريض: بايدن قال: «وقف إطلاق النار الآن». تلك عبارة سمعناها عشرات المرات، فيما زاد عدد «حفرات الموت» في المدن العربية، كلما قالها.
الولايات المتحدة «أهانت وأذلت» النظام الرسمي العربي برمته، ومع فائض الدم والهزيمة وارتفاع الأسعار، على الجميع ترقب الآتي جراء استمرار مقاولات الحفر وارتفاع استثنائي في منسوب فائض المهزومين والغضب.
السودان في حفرة مماثلة والعراق وسوريا في حفرة مرعبة والحبل على الجرار.
تكنيك الاحتلال واضح وبسيط: «حفرة مثل تلك التي دفنت النساء والأطفال في جباليا» يمكن التأسيس لها في كل مدينة عربية «لا تخضع»، بحيث تتحقق نبوءة صديقنا جواد العناني «ما يريده الأمريكيون منا أن نشكر اليمين الإسرائيلي لأنه لم يقصفنا بعد»!
فائض الضحايا والمعذبين والمهزومين والمكسورين، مقابل إبعاد الصين وروسيا عن المنطقة وسواحل المتوسط يتراكم، وأحد خبراء المقاولات قال بمفارقة عجيبة «حتى تمضي قدما في أي بناء أو مشروع، عليك أن تزيل الركام»، وهذا يتطلب نقله بأمان وتوفير مكان لاستقباله بصورة مهنية، مما يحيلنا إلى سؤال فني في علم المقاولات: الركام الذي يخلفه الإسرائيلي.. أين سينقل وكيف ومتى؟!
سؤال يمكن أن نحيله لمقاولي الباطن «بتوع التعايش» والدولتين والسلام والطريق الهندي.
٭ مدير مكتب «القدس العربي» في عمان