نتنياهو لم يكن قادرا على تجاهل ضغوط بايدن وقطر طالبت بخلية أزمة لإنجاز صفقة الأسرى

إبراهيم درويش
حجم الخط
0

لندن – “القدس العربي”:

قالت صحيفة “ديلي تلغراف” إن فترة وقف إطلاق النار المتفق عليها و”تحرير الرهائن” كانت من أصعب ملامح المفاوضات بين إسرائيل وحماس، لكن حكومة بنيامين نتنياهو لم تستطع تجاهل دبلوماسية بايدن والولايات المتحدة. وفي تقرير أعده جيمس كريسب وروزينا صبور قالا إن المكالمات من البيت الأبيض لم تتوقف طوال نهاية الأسبوع، فقد أصدر جو بايدن تعليماته إلى فريقه للتأكد من معرفة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن الولايات المتحدة تريد وقف إطلاق النار “لتحرير الرهائن”. وكان الرئيس الأمريكي “يعطي أوامر شخصية “ساعة بعد ساعة” من أجل التوصل إلى اتفاق تبادل الأسرى وتوقف في عمليات القصف الإسرائيلي على غزة”.

وتمسك نتنياهو بموقفه أن وقف إطلاق النار سيعطي حماس فرصة لإعادة تجميع قوتها، لكن أمريكا حذرته من أن يخسر الموقف الأخلاقي مع زيادة أعداد الضحايا الفلسطينيين. ومن الصعب تجاهل الضغط من أشد المدافعين عنك ومن حلفائك، وكان بايدن حريصا على تأمين بعض “الرهائن الأمريكيين التسعة” الذين يعتقد أنهم لدى حماس. لكن نتنياهو كان تحت ضغط العائلات الإسرائيلية التي تريد عودة أبنائها من غزة.

 وفي النهاية وافق الرجل الذي كان يعرف بـ”مستر أمن” على هدنة ولكن لعدة أيام لتبادل الأسرى والسماح بوصول المواد الإنسانية إلى القطاع. وكان الاتفاق على وشك الانتهاء ليلة الثلاثاء حيث قدمه نتنياهو للكنيست. وقالت الصحيفة إن الرئيس بايدن كان له دور فعال في تأمين الصفقة وإنها جيدة لإسرائيل و”بثمن منخفض”.

وبدا أن الرقصة الدبلوماسية للإفراج عن بعض “الرهائن الـ 240” كان خارج التصور، وتوقفت المحادثات أكثر من مرة، ومع انتظار العالم حابسا أنفاسه للصفقة ليلة الثلاثاء كان المفاوضون حذرين، فربما فشلت الصفقة في اللحظة الأخيرة. وانتظر المفاوضون ساعات طويلة قبل حصول الاختراق، وهم يعرفون أن أي تصعيد في القطاع قد يعرقل الدبلوماسية عالية المخاطر.

وقال بايدن “نحن الآن قريبون جدا، قريبون جدا” و”ربما استطعنا جلب بعض الرهائن إلى الوطن قريبا جدا” و”لكنني لا أريد الخوض في التفاصيل حتى ينتهي”. وفي الوقت الذي كان يتحدث فيه بايدن، كان نتنياهو يقوم بالخطوات الضرورية للصفقة. وعقد 3 اجتماعات مع حكومة الحرب والحكومة الأمنية والحكومة، وقالت مصادر عارفة بالتفاصيل إن إسرائيل وحماس توصلتا وضد كل الاحتمالات الحادة إلى اتفاق مبدئي.

ومن المتوقع إطلاق “50 رهينة” إسرائيلية مقابل أكثر من 100 سجين فلسطيني، وطالبت حماس بهدنة لخمسة أيام، لكن إسرائيل وافقت على ثلاثة. لكن المحادثات الطويلة في قطر كانت حيوية، حيث كانت مدة توقف القتال نقطة خلافية حتى التوصل لاختراق. وكانت الهدنة قادمة وطال انتظارها، ففي بداية الشهر التقى المفاوضون القطريون قادة حماس السياسيين في قطر. وعقد مدير الموساد ديفيد بارينا ومدير سي آي إيه ويليام بيرنز محادثات مع رئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني. وتم التوافق على ورقة من ست صفحات اشتملت على شروط الاتفاق، لكن مبادئ رئيسية فيها لم تكن حلت ليلة الإثنين. وخلف الأضواء كان الوسطاء ينقلون المقترحات والمقترحات المضادة بين الفريقين الإسرائيلي وحماس واللذين لم يلتقيا أبدا.

 ومارست أمريكا دورا مهما في المفاوضات حيث عمل بايدن ساعة بعد ساعة وكان يتدخل شخصيا حالة رأى أن هناك ضرورة لعمل هذا. وكانت هناك خلافات حول عدد الأسرى الذين سيفرج عنهم من غزة ومن السجون الإسرائيلية، وتوقفت المحادثات عدة مرات، وبخاصة بعد هجوم إسرائيل على مستشفى الشفاء.

وواجه الوسطاء القطريون في حديثهم مع القيادة السياسية لحماس في قطر صمتا من يحيى السنوار. ولكنه قرر أن يتلقى مكالمة في نهاية الأسبوع وبمطالب جديدة للمفاوضين القطريين. ووافق على الإفراج عن “50 رهينة” مقابل 150 سجينة وطفلا، وطالب بحد إسرائيل رقابتها بالدرون إلى ست ساعات في اليوم ودخول 400 شاحنة يوميا إلى القطاع، وهو ما رفضته إسرائيل متعللة بالأسباب الأمنية.

وعندما قال منسق شؤون الشرق الأوسط في البيت الأبيض، بريت ماكغيرك إنه لو تم التوصل لاتفاق فستتدفق المساعدات الإنسانية لغزة، ثار غضب الدول المشاركة في المفاوضات وتلقى توبيخا من وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي الذي قال إن الدعم يجب أن يصل باتفاق أو بدون اتفاق. وقال مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض “لا تدعم الولايات المتحدة شروطا على نقل المساعدات الإنسانية إلى غزة، ولم نقم ولن نفعل”، حسب ما قالت أدرين واتسون، المتحدثة باسمه.

ولعبت الضغوط المحلية دورا في إسكات المدافع، ففي إسرائيل تظاهر آلاف الإسرائيليين بمن فيهم عائلات الضحايا من تل أبيب إلى القدس وطالبوا نتنياهو بتأمين الإفراج عن الرهائن، حتى بثمن وقف إطلاق النار. ودعم ثلثا المشاركين في استطلاع إسرائيلي تبادل السجناء.

وأشارت صحيفة “التايمز” إلى أن قطر عرضت المساعدة على الولايات المتحدة وإسرائيل للإفراج عن الرهائن. وقال مسؤول أمريكي “عبرت قطر بوضوح ومنذ البداية أن أخذ الرهائن هو عمل شائن تماما، لكن التعامل مع حماس سيكون عملية معقدة”.

وبناء على طلب قطري تم إنشاء خلية للعمل سرا على “أزمة الرهائن” وتكونت من مدير الموساد بارينا ومدير سي آي إيه بيرنز ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان ومدير المخابرات المصرية عباس كامل.

وتم تأمين الإفراج في 20 تشرين الأول/أكتوبر عن رهينتين أمريكيتين جوديث وناتالي رعنان، وهو ما أعطى ثقة بقطر وقدرتها على تحقيق نتائج، حسب المسؤول الأمريكي. ووصلت المفاوضات مرحلة حرجة في نهاية تشرين الأول/أكتوبر عندما قام بايدن بإجراء سلسلة من المكالمات مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني.

وبدأت المفاوضات الفنية حول تأمين ممر إنساني ووقف إطلاق النار والإفراج عن “الرهائن”. وفي 12 تشرين الثاني/ نوفمبر اتصل بايدن بالزعيم القطري مخبرا إياه “الوضع الذي وصلنا إليه ليس كافيا”، وبعد ضغط قطري أعلنت حماس عن قائمة من “50 رهينة” بمن فيهم أطفال وأمهاتهم. ولكن المحادثات توقفت بعد يومين، وبعد ساعات من اتفاق بايدن ونتنياهو على إطار عام للصفقة، قطعت حماس الاتصالات وتوقفت عن المحادثات حسب المسؤول الأمريكي. وبعد 3 أيام عادت الاتصالات بضغوط قطرية ومصرية، وعندها بدأت الخطوط العامة للاتفاق تتضح وأن صفقة في الطريق، كما يقول المسؤول. وأكدت حماس أنها لا تستطيع تحديد مكان النساء والأطفال في مناطق غزة بدون وقف إطلاق النار.

مصير العمليات

وتساءل أنشيل بيفر بتقرير في “التايمز” عن الطريقة التي سيؤثر فيها اتفاق وقف إطلاق النار على عمليات إسرائيل، مشيرا إلى أن المحادثات المكثفة لوقف إطلاق النار وعلى مدى الأسابيع الثلاثة الماضية، تعرقلت بسبب غياب الثقة الكاملة بين الطرفين. وبسبب العداء المتبادل بين إسرائيل وحماس، فقد وقع الأمر على قطر، الدولة الخليجية لكي تقوم بدور الوسيط، فيما لعبت الولايات المتحدة ومصر دورا في المحادثات.

وحتى المحادثات كانت صعبة بالنسبة لقيادة حماس في الخارج، والتي لم تكن قادرة على اتخاذ قرارات بدون موافقة زعيم الحركة الحقيقي في غزة، يحيى السنوار، الذي تعتقد إسرائيل أنه متخف في مكان ما جنوب القطاع، وهو الشخص الوحيد الذي بيده قرار الإفراج عن “الرهائن” لدى حركته. والآن وقد حاصرت القوات الإسرائيلية مدينة غزة وهي في طريقها لتدمير البنى التابعة للحركة، ستكون خان يونس، مدينة السنوار، في المرحلة المقبلة. وبالنسبة لزعيم حماس، فـ”الرهائن، ليسوا مجرد ورقة مقايضة ولكن استراتيجية نجاة”.

ويعلق الكاتب أنه حتى لو تم الإفراج عن “الرهائن” لدى حماس مقابل إطلاق سراح 150 سجينة وطفلا فلسطينيا في السجون الإسرائيلية، فلا يوجد أي منظور لنهاية الحرب. وستظل الألوية الأربعة التي يبلغ تعدداها آلاف الجنود في مكانها أثناء فترة إطلاق النار، هذا إن تم الالتزام به. وستكون الفترة مريحة لسكان غزة الذين يواجهون كارثة إنسانية ويسمح فيها بدخول المواد الإنسانية.

لكن إسرائيل تقول إن الهدف الرئيسي لوقف إطلاق النار مع حماس، هو منح جنودها فترة راحة وليس السكان. فعلى مدى ستة أسابيع “اختبأ آلاف المقاتلين التابعين للحركة في شبكة الأنفاق الواسعة، حيث كان بعضهم يخرج لمهاجمة القوات الإسرائيلية”. ويعلق بيفر أن الهدنة ستعطي حماس فترة لإعادة تجميع قواتها وتقييم الخسائر التي يعتقد أنها بالآلاف. وربما منحت فرصة للحركة لإعادة نقاط الاتصالات التي خربتها الهجمات الإسرائيلية والتحضير للجولة المقبلة من الحرب.

و”لو خرجوا من الأنفاق، فإننا سنشاهد مواجهات عسكرية يبدأها واحد من الطرفين. وهناك مشكلة أخرى تتعلق بعودة سكان مدينة غزة الذين أجبرتهم القوات الإسرائيلية على مغادرتها، فماذا لو حاولوا العودة إليها أثناء وقف إطلاق النار، وكيف سيمنعهم الجيش الإسرائيلي. وماذا عن الرهائن الباقين لدى حماس؟ فلو حصلت إسرائيل على معلومات عن مكانهم، فهل ستتردد في القيام بعملية إنقاذ؟ وكيف سينهي الطرفان فترة وقف إطلاق النار؟ فجنرالات إسرائيل يرغبون بالعودة إلى مهمة تدمير حماس، أما قيادة الحركة في الخارج، فقد أمنت الهدنة التي تستطيع تمديدها للإفراج عن مزيد من الرهائن”.

لكن الجنرالات لن يقبلوا وتحت أي ظرف بوضع تملي فيه حماس شروط الحرب في غزة، ولهذا يتشككون بالتعامل معها في المقام الأول. ويواجه قادة إسرائيل مشكلة في تحقيق هدف تدمير حماس وتأمين الإفراج عن “الرهائن”، وستعقد الهدنة من المهمة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية