الناصرة-“القدس العربي”:بعدما هبط غبار الانتخابات البرلمانية على أرض الواقع بشكل نهائي تبين أن معسكر اليمين واليمين المتطرف 65 تغلب على معسكر المركز واليسار والأحزاب العربية 55 بفارق عشرة مقاعد. ولذا شرع رئيس إسرائيل رؤوفين ريفلين كما هو معتاد في إجراءات إلقاء مهمة تشكيل الحكومة على مندوب الحزب الأكبر بنيامين نتنياهو الذي ينعته بعض المعلقين بـ “ملك إسرائيل” الخامس لأنه يتجه لتشكيل حكومته الخامسة وليكون أول رئيس حكومة في الدولة اليهودية يشغل رئاسة خمس حكومات. ويبدو أن نتنياهو سيترك بصمة بارزة جدا في سجل إسرائيل من نواح أخرى منها وأبرزها استعداده لتحطيم حراس العتبة وأجهزة الكبح والرقابة والحراسة على الديمقراطية كالمحاكم والنيابة العامة والإعلام في محاولة للنجاة من المقاضاة في تهم الفساد. وحسب تسريبات محلية متزايدة يتجه نتنياهو لعقد صفقة مع ائتلافه الجديد تقضي بضم مناطق من الضفة الغربية المحتلة مقابل موافقة أحزاب اليمين على تحصينه بواحدة من الطرق المتاحة لمنع مقاضاته بتهم فساد. ويستدل من النتائج النهائية للانتخابات العامة، أن اليمين المتشدد سياسيا ودينيا والمدعوم من المهاجرين الروس والمستوطنين والمتدينين الأصوليين “الحريديم” قد دهس النخب الإسرائيلية القديمة ونجح بإلحاق هزيمة نكراء بها. وينعكس ذلك في سقوط حزب “العمل” لحضيض انتخابي غير مسبوق بفوزه بستة مقاعد فقط بعدما كان الحزب الأكبر الذي أسّس إسرائيل. وهكذا بالنسبة للحزب الصهيوني اليساري “ميرتس” الذي كاد ألا يعبر نسبة الحسم لولا دعمه من قبل أوساط فلسطينية في أراضي 48 على خلفية ترشيحه عربيين في الموقعين الرابع والخامس وهما موقعان مهمان علما أنه فاز بأربعة مقاعد وكاد يفوز بالخامس. وتظهر النتائج النهائية للانتخابات وبعد فرز أصوات السجناء والمرضى والبحارة والدبلوماسيين أن “الليكود” فاز بـ 37 مقعدا يليه حزب “أزرق-أبيض” بـ 35 مقعدا. كما تراجع كل من “كولانو” و”ميرتس” من 5 مقاعد، حسب النتائج الأولية التي نشرت سابقًا، وحصولهما على 4 مقاعد لكل منها من أصل 120. أما المفاجأة الانتخابية الأكبر فتتمثل بسقوط حزب “اليمين الجديد” بقيادة وزير التعليم نفتالي بينيت ووزيرة القضاء أييلت شاكيد لعدم تجاوزه نسبة الحسم بعدما انشق عن الحزب الأم “البيت اليهودي” الذي اندمج مع أحزاب يمينية صغيرة ونجا من السقوط حيث فازت معا بخمسة مقاعد وبعضها يدعو للترحيل والتهويد علانية. وأوضح البيان الصادر عن رئيس لجنة الانتخابات المركزية للكنيست الحادية والعشرين، القاضي حنان ميلتسر، أن النتائج المذكورة غير رسمية لكنها نهائية، على أن يتم الإعلان عن النتائج الرسمية في السابع عشر من نيسان/أبريل الجاري. وحسب البيان الصادر عن اللجنة، فإن عدد أصحاب حق الاقتراع هذه المرة 6,335,387 وأن عدد الذين مارسوا حق الاقتراع هو 4,335,320 فيما وصل عدد الأصوات اللاغية أو المغلفات الفارغة إلى 30,756 صوتا، والأصوات الصحيحة إلى 4,304,564 صوتا.

وأعلن رئيس إسرائيل، رؤوفين ريفيلن أنه سيشرع غدا الإثنين، بالمشاورات النيابية مع ممثلي الكتل البرلمانية، بالتنسيق مع رئيس لجنة الانتخابات المركزية، تمهيدا لتكليف الشخصية صاحبة الحظوظ الأوفر بتشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة رغم أن رئيس حزب “يسرائيل بيتنا” يحاول ابتزازه بتصريحاته بأنه مستعد للذهاب للمعارضة أيضا. ويمنح القانون رئيس الحكومة المكلف، مهلة زمنية مدتها 28 يوما لتشكيل حكومته، مع إمكانية التمديد مدة أسبوعين، في حال تعذر تشكيل الحكومة في المدة الأولى، على أن يتم تكليف عضو كنيست آخر صاحب الكتلة الثانية أو الشخص الذي حظي بتوصية أكبر عدد من الكتل البرلمانية الناجحة ويمنح فترة 28 يومًا لتشكيل الحكومة، وفي حال فشله، تتم الدعوة لانتخابات جديدة. وأكد ريفيلن أنه سيبدأ جلساته التشاورية مع الكتل البرلمانية من غد الإثنين بهدف الاستماع لتوصيات الكتل البرلمانية حول هوية الشخص الذي يفضلون تكليفه لتشكيل الحكومة. منوها أنه سيفحص ما إذا كانت هناك حاجة لإجراء جولة ثانية من التشاورات بعد صدور النتائج النهائية الرسمية للانتخابات. وفي هذا السياق، أصدر ريفيلن قرارا يقضي بنقل لقاءاته مع قادة الكتل البرلمانية المختلفة على الهواء مباشرة، بدعوى تعزيز الشفافية في عملية التحضير لتشكيل الحكومة الإسرائيلية المقبلة، على أن يعقد مؤتمر صحافي عقب كل اجتماع يعلن من خلاله برفقة رئيس الكتلة التي اجتمع بها، ما تم التوصل إليه في مخرجات اللقاء في مقر إقامة الرئيس. وأشار ريفيلن الذي تربطه علاقات موتورة على المستوى الشخصي مع نتنياهو إلى أن جلسات الاستماع ستبث على الهواء مباشرة عبر الإنترنت.

وبعد انتقادات متزايدة لاستنكافه عن القيام بتهنئة نتنياهو هاتف رئيس تحالف “أزرق-أبيض” بيني غانتس نتنياهو وبارك له فوزه الانتخابي. وقال نتنياهو خلال المكالمة “سنعيد إسرائيل إلى الهدوء الذي كانت عليه (قبيل الحملة الانتخابية).

شكر وعرفان

وما زال الشارع العربي في إسرائيل مشغولا بتراجع الأحزاب العربية من 13 مقعدا إلى عشرة مقاعد فقط بعدما تم تفكيك القائمة المشتركة وخوض هذه الأحزاب الانتخابات في قائمتين تحالفيتين.

وتقدم تحالف الموحدة والتجمع بجزيل الشكر والعرفان للمواطنين العرب على دعمهم له وعملهم لإنجاحه في المعركة الانتخابية، وعبر عن تقديره العميق لثقة الناس مؤكدا أنه ملتزم بكل ما جاء في حملته الانتخابية، وأنه سيقوم بمراجعة شاملة لأساليب وأدوات العمل البرلماني والجماهيري والسياسي، باتجاه تطويره تلبيةً طموحات ومصالح الشعب. وحاز تحالف الموحّدة والتجمّع 143 ألف صوت وأربعة مقاعد مع فائض أصوات يقارب ثلث مقعد، مكن قائمة الجبهة والتغيير تبعًا لاتفاقية فائض الأصوات من الحصول على المقعد السادس وهذا ما ينفيه التحالف المنافس (الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة والحركة العربية للتغيير).

 وقال تحالف الموحدة والتجمع إن الانتخابات أسفرت عن فوز اليمين الإسرائيلي المتطرف، حيث تلوح في الأفق حكومة إسرائيلية جديدة، غالبا ما ستكون أكثر تطرفا وعنصرية. وتابع “لقد استفاد نتنياهو من غياب أي بديل لسياسته ومن محاولات تقليده وتكرار مواقفه من قبل منافسيه، مما عزز من قوة الليكود والأحزاب المرتبطة به”.

موضحا أنه وتبعا لتنامي العنصرية وقوة اليمين المتطرف، تزداد التحديات شراسة أمام مجتمعنا العربي الفلسطيني في الداخل وأمام قواه وقياداته السياسية، مما يستوجب عليهم جميعًا وكل على حدة، أن يقوم تحالف الموحدة والتجمع بمراجعة نقدية للأداء السياسي ولإعادة بناء ثقة بين السياسة والناس، وبيننا كأحزاب وبين الناس. مؤكدا الحاجة للخروج باستراتيجية فعّالة لمواجهة التحديات والمخاطر، كالتصعيد في هدم البيوت ومشاريع تهويد النقب وقانون القومية وصفقة القرن ومخططات اليمين المتطرف، الذي يتسلم مفاتيح السلطة في إسرائيل ويعمل على ضم مناطق واسعة في الضفة الغربية المحتلة ويخطط لتقسيم الزمان والمكان في المسجد الأقصى المبارك، ويقوم بتشديد الحصار على غزة مهددا بحرب جديدة عليها وسن قوانين عنصرية جديدة تهدف الى محاصرة الوجود العربي الفلسطيني في الداخل. منوها إلى انخفاض نسبة التصويت عندنا هذه المرة لـ 52 في المئة، في حين كانت المشاركة في الانتخابات السابقة 64 في المئة، مما يعني عزوف ما يقارب 110 آلاف صوت وأكثر من ثلاثة مقاعد بالإضافة إلى مضاعفة التصويت للأحزاب الصهيونية، الأمر الذي أدى إلى حصولها على 4 مقاعد كاملة من الأصوات العربية.

تقييم التجربة

ويرى التحالف أن هناك أسبابا كثيرة لنسبة التصويت المنخفضة عند العرب منها استثمار المؤسسة الإسرائيلية الكبير في إحداث شرخ بين المواطنين العرب وبين قياداتهم الوطنية، لكنّ هذا الانخفاض تحديدا يعود إلى غضب الناس من تفكيك القائمة المشتركة، والذي وجد تعبيره بالامتناع عن التصويت. وتابع بروح نقدية “جميع تلك الأمور تتطلب مراجعة صريحة وجدية، ومن حق الناس أن ترى نفسها شريكة في العملية السياسية. نحن نحمل هموم الناس وندرك أننا لا نستطيع ذلك دون بناء شراكة حقيقية مع الناس، فمهمة القيادة ليست النضال بدلا عن الناس بل النضال معهم”. وقال رئيس التحالف الدكتور منصور عباس لـ “القدس العربي” إنّ تحالف الموحدة والتجمّع هو استمرار للقائمة المشتركة، وسيعمل على مواصلة نهج الوحدة والعمل المشترك على كل الصعد، بناء على قواعد وطنية واضحة. وتابع “انتهت المعركة الانتخابية، وعلينا جميعًا أن نشمّر عن سواعدنا، ونشحذ عقولنا وندفع بكل قوانا للدفاع عن حقوقنا وعن أراضينا وبيوتنا ومستقبلنا في وجه حكومة معادية مقبلة أكثر عنصرية وأكثر فاشية”.