عاموس هرئيل
تظهر في الفترة الأخيرة موجة تفاؤل من التطورات حول صفقة مخطوفين قادمة بين إسرائيل وحماس. ازدياد الجهود للدفع قدما بالمفاوضات يرتبط أيضاً كما يبدو بسيناريوهات أخرى -تهديد الجيش الإسرائيلي باحتلال رفح واختلاف الآراء في الحكومة وإمكانية إصدار أوامر اعتقال دولية ضد مسؤولين كبار في إسرائيل- لكن للأسف، لا بشرى بوجود اختراقة في المفاوضات. ثمة خطر واضح من انتهاء الأحداث الأخيرة كجولات لمفاوضات سابقة، وأن التنبؤات المتفائلة ستتحطم أمام الفجوة في مواقف الطرفين.
مجلس الحرب والكابنت السياسي – الأمني في إسرائيل، اجتمع مؤخراً لمناقشة أفكار جديدة حول صفقة المخطوفين. أعلنت حماس أمس بأنها تسلمت اقتراحاً إسرائيلياً محدثاً لتحرير المخطوفين ووقف إطلاق النار، وأنها تفحص تفاصيله. وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، سيصل إلى إسرائيل لمناقشة المفاوضات حول الصفقة وخطة الجيش الإسرائيلي للعمل في رفح. النقاشات حول مصير المخطوفين تستهل نشرات الأخبار مرة أخرى، في حين أن مصر التي تقود جهود الوساطة، تطلق توقعات متفائلة حول عقد صفقة في القريب. نشرت حماس أمس فيلم فيديو ظهر فيه مخطوفان، هما كيت سيغال وعومري ميران، إلى جانب إطلاق إشارة ثمينة على حياتهما لعائلتيهما. طلب الاثنان من الحكومة إنهاء سريعا للصفقة لإطلاق سراحهما. وقالت مصادر إسرائيلية إن الكابنت مستعد الآن لإظهار مرونة أكثر.
لكننا شاهدنا هذا الفيلم، ونذكّر بعدة مرات انهارت فيها صفقة المخطوفين بعد الأولى التي كانت في بداية كانون الأول الماضي. وعندما تم طرح اقتراحات وساطة ظهرت أنها معقولة، لم تنجح الأمور. أولاً، يبدو أن حماس لم تشعر في حينه بالضغط بهذه القوة، التي تجبرها على التنازل (لكن الضغط الآن بات أضعف مقارنة مع ذلك). ثانياً، وجدت إسرائيل صعوبة في الموافقة على صفقة تشمل وقفاً شاملاً لإطلاق النار وانسحاب الجيش الإسرائيلي من القطاع مقابل إعادة جميع المخطوفين، لأن رئيس الحكومة نتنياهو، كان سيضطر بهذا إلى الاعتراف بانتهاء الحرب دون تحقيق أي من أهدافها الرئيسية – تفكيك سلطة حماس وقدراتها العسكرية. لقد وضع السنوار صعوبات لكن ليس وحده؛ فنتنياهو أيضاً وضع صعوبات أمام المفاوضين بصورة جعلت الطرفين يعلقان في جولات محادثات متواصلة في القاهرة والدوحة وباريس دون تحقيق اتفاق.
في موقع “واي نت” تم أول أمس اقتباس مصادر سياسية إسرائيلية، قالت إن نتنياهو مستعد الآن لصفقة “إنسانية” – نبضة أولى تشمل إطلاق سراح النساء وكبار السن والمرضى والجرحى المحتجزين لدى حماس مقابل إطلاق سراح سجناء فلسطينيين، لكن بدون تعهد بإنهاء الحرب. يبدو أن إسرائيل مستعدة أيضاً لتقليص عدد المحررين في هذه النبضة إلى 33 بدلاً من 40 كما طلبت في السابق.
لكنه موقف ما زال متعلقاً بما ستطلبه حماس في المقابل – الذي ووجه من قبل بمعارضة شديدة من وزراء اليمين المتطرف بن غفير وسموتريتش وعدد من وزراء الليكود. فهؤلاء يصممون على منع أي تنازل، ويريدون الاستمرار في الحرب. من يؤيدون الصفقة، على رأسهم وزراء المعسكر الرسمي غانتس وآيزنكوت، يأملون بأن يؤدي ضغط الجمهور إلى التنازل والمصادقة على النبضة الأولى. وإذا لم يحدث تقدم في الفترة القريبة القادمة، فمن المرجح أننا سنصل إلى نقطة يعلن فيها آيزنكوت، ثم غانتس، عن انسحابهما من الحكومة.
تداعيات دراماتيكية
في هذه الأثناء، تتطور لدى القيادة السياسية والأمنية في إسرائيل مشكلة أخرى، أكثر شخصية. ففي هذا الأسبوع، ربما يصدر المدعي العام في المحكمة الدولية، كريم خان، أوامر اعتقال ضد شخصيات إسرائيلية رفيعة على خلفية الحرب في غزة. ويتم بذل جهود أمريكية كبيرة، بمساعدة دول غربية أخرى، من أجل إقناع كريم خان بتأخير قراره (الولايات المتحدة نفسها لم توقع على الميثاق الذي بحسبه أقيمت محكمة الجنايات الدولية، لذلك هي نفسها لا تعتبر جزءاً من قراراتها). نتنياهو، كما يبدو، على قناعة بأنها خطوة قد تحدث وتوجه ضده بشكل محدد، إلى جانب شخصيات رفيعة أخرى في المستوى السياسي وربما في جهاز الأمن. في نهاية الأسبوع الماضي، نشر رئيس الحكومة بياناً جاء فيه أنه ينوي النضال ضد ذلك.
إن إصدار أوامر الاعتقال ستلزم الدول الأعضاء في المحكمة، 120 دولة، باعتقال الشخصيات الإسرائيلية الرفيعة إذا وصلت إلى أراضيها وتسليمها للمحكمة. واتُخذ إجراء مشابه ضد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على خلفية الحرب في أوكرانيا. الادعاءات تجاه إسرائيل التي يتم فحص الأمر بحسبها، تتعلق بالاشتباه بارتكاب جرائم حرب، لكن ليس الادعاء بشأن إبادة شعب. هذا إجراء منفصل وموجه للدولة وليس للأفراد، وقد يستغرق سنوات. القضية الجديدة في لاهاي قد يكون لها تداعيات دراماتيكية لسنوات طويلة، وتصفها جهات سياسية وأمنية في إسرائيل بأنها أشبه بهزة أرضية محتملة.
من غير الواضح الآن إذا كان المدعي العام خان، المواطن البريطاني، سيقرر اتخاذ هذا الإجراء، وما إذا كان ذلك سيحدث بالتأكيد في هذا الأسبوع. ولكن المشكلات من ناحية إسرائيل في الساحة الدولية بعيدة عن اقتصارها على ذلك. نشر الصحافي توماس فريدمان أول أمس في “نيويورك تايمز” بأن الإدارة الأمريكية تفحص فرض قيود على التصدير الأمني الإسرائيلي إذا شنت عملية واسعة في رفح، التي ستنطوي على قتل عدد كبير من المدنيين الفلسطينيين رغم معارضة الإدارة الأمريكية. في المقابل، يبدو أن الإدارة الأمريكية الآن تراجعت عن نية فرض عقوبات على كتيبة “نيتساح يهودا” التابعة لـ “الناحل” الحريدي، التي نشر عنها في منتصف الشهر.
الضغط الجماهيري
استقالة رئيس “أمان”، الجنرال أهارون حاليفا، شملت دعوة لتشكيل لجنة تحقيق رسمية. البروفيسور رعنان سولتسيانو كينان، الخبير في السياسة العامة في الجامعة العبرية، كتب رسالة الدكتوراه حول لجان التحقيق. في الوثيقة التي كتبها الأسبوع الماضي لصالح معهد “زولات”، قال إن “هجوم 7 أكتوبر تنطبق عليه المعايير التي تبرر تشكيل لجنة تحقيق بسبب أزمة الثقة التي وجدت بخصوص الدور الرئيسي للدولة – الدفاع عن حياة مواطنيها. ولأن المسؤولين عن الفشل الذي مكن من حدوث الهجوم يشملون كل القيادة السياسية والأمنية، فالمطلوب هو تحقيق مستقل من ناحية مؤسساتية”، وهذا حسب قوله، طلب ستلبيه لجنة تحقيق رسمية.
وأضاف سولتسيانو كينان بأنه من الواضح وجود احتمالية ضعيفة لموافقة الحكومة الحالية على ذلك، إزاء رفض نتنياهو للاعتراف بالمسؤولية عن الإخفاقات. ويعتقد بوجود “ضرورة لطلب من قبل الجمهور لتشكيل لجنة تحقيق رسمية والحفاظ على مستوى بروز مرتفع لهذا الموضوع على جدول الأعمال”، لأنه ثبت في السابق أن هذه عوامل تساهم في التوصل إلى قرار حول تشكيل هذه اللجنة.
“إن الطريقة الرئيسية لتطبيق استقلالية التحقيق تأتي من قبل جسم تحقيق يحظى باستقلالية مؤسساتية وشخصية عالية”، وأضاف. “وليس من خلال مؤسسات سياسية أو مؤسسات تخضع لها. الافتراض هو أنه في ظروف أزمة الثقة بمؤسسات الحكم، فالجهة المستقلة وغير المرتبطة بالمؤسسات السياسية هي الوحيدة التي ستحصل على ثقة الجمهور، ويمكنها ترميم شرعية مؤسسات الدولة على المدى البعيد”.
وقدر أن “مستوى اهتمام الجمهور بالإخفاقات التي أدت إلى هجوم 7 أكتوبر مرتفع جداً”. ومع الانتقال إلى مواجهة بقوة أدنى في شباط – آذار، خصوصاً مع غياب صفقة لتحرير المخطوفين، فإن ضغط الجمهور يزداد، ومعه احتمالية تشكيل لجنة تحقيق.
هآرتس 28/4/2024