علّقت في عدة مقالات في «القدس العربي» منذ مطلع العام محذراً من تفجر الوضع الإقليمي انطلاقاً من فلسطين وصولاً لإيران من حكومة أقصى اليمين الإسرائيلية المتطرفة، بقيادة نتنياهو العائد في حكومته السادسة للانتقام، والمرتهن لتحالفه مع عتاة اليمين. آخرها مقال الأسبوع الماضي «محاباة إدارة بايدن تغرقه في رمالها المتحركة» تنفيذاً لبرنامج حكومة نتنياهو السادسة من عتاة الإرهابيين وساكني المستوطنات-ودفعهم لتفجير انتفاضة في الداخل المحتل، وتصعيد إقليمي مع إيران، سيدفع المنطقة لحافة الهاوية.
كرر نتنياهو في مقابلة حصرية مع شبكة «سي إن إن» أهداف حكومته السادسة:
1 ـ منع إيران بشتى الطرق من امتلاك السلاح النووي.
2 ـ توسيع وزيادة عدد الدول المطبعة مع إسرائيل.
3 ـ تحسين وضع الاقتصاد الإسرائيلي لكسب شعبية.
تنسف حكومته المتطرفة حل الدولتين، ما يقوض مقاربة واستراتيجية الحكومات الأمريكية، كما استغرب نتنياهو اهتمام العالم بالتفاوض. بينما خطته توسيع الاستيطان، والتطبيع مع الدول العربية وخاصة مع السعودية. (تكرر السعودية رفض أي خطوة للتطبيع). وبعدها سيلتفت للتفاوض مع الفلسطينيين (من منطلق قوة وبفرض الأمر الواقع)! وهو ما لمح إليه وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن في زيارته للقدس-»تعمل الولايات المتحدة على توسيع دائرة الأمن والسلام بين إسرائيل ودول المنطقة»! بوضع العربة قبل الحصان!
كما يسعى نتنياهو لتقويض نظام فصل السلطات بتقديم تحالفه مشروع قانون يعطي الكنيست بتصويت الأغلبية البسيطة (61 نائبا) تؤمنه حكومته يلغي أحكام المحكمة العليا-بهدف إنقاذه في حال أدين في المحاكمة المستمرة ضده بتهم خيانة الأمانة والنصب والاحتيال! ما يسقط أكذوبة إسرائيل الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط! حتى أمريكا فقد عاتبه وانتقده أنتوني بلينكين!
لم يتأخر نتنياهو وتحالفه اليهودي الصهيوني برئاسة بن غفير وزير الأمن الداخلي، وسيمورتش زعيم حزب الصهيونية الدينية المتطرف، وزير المالية ومسؤول الاستيطان وعشرة من وزرائه المتطرفين، يقيمون في مستوطنات غير شرعية من تفجير الصاعق ودفع الأمور لحافة الانفجار بسياسات عنصرية وعقاب جماعي تعوّد عليه الفلسطينيون من إغلاق المعابر وإذلال الفلسطينيين وقتلهم على الحواجز- وتصعيد مسلسل القتل- قتلت إسرائيل 35 فلسطينياً منذ مطلع عام 2023، يضافون لقتل 220 فلسطينيا بدم بارد وبلا حسيب ولا رقيب عام 2022! كما تفرض إسرائيل سياسة العقاب الجماعي التي لا تردع الفلسطينيين، بهدم منازل أهالي منفذي العمليات ضدها، وحتى طردهم من القدس. وهي جريمة أدانتها ووصفتها منظمة هيومن رايتس ووتش بالعقاب الجماعي غير مبرر، وترقى لجريمة حرب.
إن استمرار استراتيجية وخطة حكومة نتنياهو بالتصعيد والمواجهة في الداخل الفلسطيني سيدفع المنطقة للانفجار! وعندها ستحصد إدارة بايدن وحلفاؤها نتاج زرعهم
وتعمد إسرائيل لمصادرة الضرائب المستحقة للفلسطينيين، حيث أمر سيمورتش بمصادرة حوالي 32 مليون دولار مستحقة من عوائد الضرائب تحصلها إسرائيل للسلطة الفلسطينية. أتت بعد يومين من زيارة وزير الخارجية الأمريكي، في صفعة وإهانة لإدارة بايدن ووزير خارجيته بعد زيارته للقدس والضفة الغربية ومصر للتهدئة بعد تصعيد إسرائيلي في عملية جنين أدت لقتل 10 فلسطينيين باقتحام مخيم جنين، ورد خيري علقم21 عاماً، بعملية القدس قتل فيها 7 إسرائليين، ثأرا لتمادي قمع الصهاينة، وانتقاما لطعن وقتل صهيوني جده عام 1998. ردت إسرائيل كعادتها بتدمير منزل ذويه وطردهم! ما دفع السلطة الفلسطينية العاجزة لوقف التنسيق الأمني مع إسرائيل. كان هدف زيارة بلينكين إعادة التنسيق الأمني!
في المقلب الآخر، وعشية زيارة وزير الخارجية الأمريكي بلينكين للمنطقة- صعدت إسرائيل بشنها هجوماً بمسيرات، قيل إنها من داخل إيران، على مصنع ومستودع أسلحة تابع للحرس الثوري الإيراني في مدينة أصفهان وسط إيران. وهذا ليس الهجوم الإسرائيلي الأول، وبرغم عدم اعتراف إسرائيل بشن الهجوم المستفز، إلا أن أمريكا تنصلت من الهجوم، وأشارت حسب صحيفة «وول ستريت جورنال» أن إسرائيل شنت الهجوم، كما اتهمت إيران إسرائيل بشن الاعتداء وتوعدت بالرد. ما يرفع منسوب التوتر عالياً في المنطقة لحافة الهاوية.
وتنفيذاً لخطط وأولويات حكومة نتنياهو- بتوسيع دائرة التطبيع وزيادة عدد الدول العربية والمسلمة المطبعة معها، أُعلن الخميس الماضي وبشكل مفاجئ عن زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي الجديد- إيلي كوهين للخرطوم واجتماعه مع رئيس مجلس السيادة السوداني عبدالفتاح البرهان قائد الانقلاب العسكري! وتم الاتفاق على توقيع اتفاقية سلام بين إسرائيل والسودان! وصرح وزير الخارجية الإسرائيلي في مؤتمر صحافي «أن زيارة تاريخية للسودان ستفتح للسودان الأبواب أمام الولايات المتحدة ودول غربية أخرى» كما افتتح رئيس تشاد سفارة بلاده في تل أبيب وأشاد بدور الموساد بالتطبيع! تصديقاً لمقولة أن أقصر الطرق لواشنطن يمر عبر إسرائيل!
المؤلم أن الخرطوم عاصمة السودان استضافت القمة العربية عام 1967-بعد النكسة والشهيرة باللاءات الثلاث لا صلح، لا تفاوض ولا اعتراف بإسرائيل! استقبلت وزير الخارجية الإسرائيلي الذي فاخر بعد عودته من «زيارة تاريخية» بنعم ثلاث مرات، نعم للسلام-نعم للمفاوضات، ونعم للاعتراف بإسرائيل! ومبشّراً أنه قدم مسودة اتفاق للسلام بين إسرائيل والسودان، وأن اتفاق السلام مع السودان سيوقع بعد تشكيل حكومة مدنية هذا العام!
فيما نددت قوى سودانية ومقاومة ورافضة للتطبيع مع إسرائيل بخطوة البرهان، مؤكدة أن «القيادة العسكرية الانتقالية لا تملك حق توقيع اتفاق سلام مع إسرائيل، ولن تجني من التطبيع سوى السراب. وعلى القيادة العسكرية وقف العبث بأمن البلاد»!
إن استمرار استراتيجية وخطة حكومة نتنياهو بالتصعيد والمواجهة في الداخل الفلسطيني، وإقليميا في مواجهة إيران بسياسة استفزازية، وتردد وعجز لجم إدارة بايدن الغارقة في صراعات داخلية مع الجمهوريين، والمنشغلة دولياً بالتصدي لتحدي الصين بزيادة قواعدها العسكرية، آخرها في الفلبين، وتداعيات قمر التجسس الصيني، والمشتبكة بحرب استنزاف وبالوكالة ضد روسيا على أوكرانيا- سيدفع المنطقة للانفجار! وعندها ستحصد إدارة بايدن وحلفاؤها نتاج زرعهم!
أستاذ في قسم العلوم السياسية ـ جامعة الكويت