دمشق- «القدس العربي»: اعترفت وسائل إعلام روسية بمقتل أكثر من 40 جندياً لقوات النظام السوري، خلال المواجهات العنيفة التي اندلعت في محيط قرية الحماميات الإستراتيجية، وتلتها في ريف حماة، بالرغم من مساندة القوات الخاصة الروسية، التي تحملت أعباء استعادة ما خسره النظام بالتعاون مع ميليشيات محلية وأجنبية، وذلك في وقت يواصل فيه الضامنون الدوليون دعم حلفائهم المحليين من فصائل المعارضة قوات النظام، ما ينذر بمعارك أعتى على تخوم إدلب شمال غربي سوريا.
وذكرت المصادر الروسية أن المواجهات بين قوات النظام وفصائل مسلحة، أسفرت عن مقتل 82 عنصراً من الجانبين، بينهم 40 مقاتلاً من هيئة تحرير الشام الإسلامية، التي تراجعت عن التلة المهمة بعد هجمات عنيفة، شنها الحلف الروسي السوري، بالتزامن مع إمطاره منطقة خفض التصعيد شمال غربي سوريا، ومدينة إدلب وأرياف المحافظات الأربع، حماة وحلب واللاذقية – بمئات الغارات.
وأحصى فريق «الخوذ البيضاء» قصف ريفي إدلب وحماة، الأحد، بأكثر من 80 غارة وضربة وصاروخاً، موقعاً عشرات القتلى والجرحى في صفوف المدنيين، حيث قتل وأصيب خلال الأربع وعشرين ساعة الفائتة أكثر من 35 مدنياً.
قوات روسية خاصة
وأكد الفريق مقتل 8 مدنيين بينهم طفل وامرأة حامل مع جنينها، وإنقاذ طفلين وامرأتين من تحت الأنقاض على قيد الحياة، بينما أصيب أكثر من 24 شخصاً بجروح متفاوتة بينهم سبعة أطفال وثلاث نساء، خلال الأربع وعشرين ساعة الفائتة، وذلك في قصف مكثف على مدينة خان شيخون بأربع غارات جوية بصواريخ ارتجاجية استهدفت مزرعة غربي المدينة، وقرية كفريا شمالي إدلب بغارة جوية بثلاثة صواريخ دفعة واحدة، في حين تمكنت فرق الدفاع المدني السوري من إنقاذ طفلين وامرأتين من تحت الركام.
مصادر لـ «القدس العربي»: قوات خاصة روسية ساهمت في استعادة تلة الحماميات الاستراتيجية في ريف حماة
وشنّ الطيران الحربي والمروحي 31 غارة جوية استهدفت بالصواريخ الارتجاجية والفراغية والبراميل المتفجرة كلاً من ربع الجور شمالي خان شيخون، وكنصفرة ومعرتحرمة وكفرومة ومعرة النعمان وقرية طبيش شمالي خان شيخون، وخان السبل ومدينة خان شيخون وكفريا خلفت هذه الغارات فضلاً عن القتلى والجرحى أضراراً مادية جسيمة ودماراً واسعاً في المنازل والممتلكات.
المرصد السوري لحقوق الإنسان، أكد بدوره استهداف محطة مياه في إدلب وإخراجها عن الخدمة، لافتاً إلى أن سلاح الجو الروسي، قصف محطة ضخ المياه في معرة النعمان وخزان المياه المغذي للمدينة، فأخرجوها عن الخدمة، وذلك في إطار السياسة الممنهجة من قبل الروس والنظام باستهداف المرافق الحيوية والمنشآت العامة.
وقال إن عدد الغارات التي نفذتها طائرات روسية وسورية، يوم الأحد، بلغ 48 غارة في كل مدينة معرة النعمان جنوب إدلب، وكفرزيتا واللطامنة وتل ملح والجبي في ريفي حماة الشمالي والشمالي الغربي، إضافة إلى مدن خان شيخون وأطرافها ومحيط العامرية وكفرسجنة ومعرة حرمة وأطراف بسنقول، والأربعين ومورك والجبين. وبالمقابل، لفت إلى مقتل 3 عناصر من قوات النظام والمسلحين الموالين لها جراء استهدافات فصائل المعارضة على مواقع لهم شمال غرب حماة.
وكنتيجة لتعثر التوصل إلى أي اتفاق بين روسيا وتركيا حيال إدلب، تتواصل المواجهات المشتعلة بين فصائل المعارضة التي تبدي استماتة في الدفاع عن مناطقها بدعم تركي، وبين قوات النظام السوري التي تسعى إلى قضم الأجزاء الهامة من المنطقة، بإشراف روسي، فيما يتزامن ذلك مع دفع أنقرة المزيد من التعزيزات إلى نقطة المراقبة العسكرية في قرية «شير مغار» بريف حماة الغربي.
وقال مصادر متطابقة، إن الجيش التركي أرسل رتلاً عسكرياً مؤلفاً من نحو 20 مصفحة عسكرية عبر معبر خربة الجوز في ريف اللاذقية، مروراً بسهل الغاب بريف حماة الغربي، إلى نقطة المراقبة في قرية شيرمغار بجبل شحشبو شمال غرب حماة.
وتُقدّم روسيا -وهي ثاني أقوى دولة في العالم- كامل الدعم العسكري لقوات النظام السوري، الذي يشمل المشاركة في التخطيط والتنفيذ، من أجل تعزيز قدرته للسيطرة على كل شبر من منطقة خفض التصعيد في محافظة إدلب ومحيطها. ورغم كل ذلك، أخفق النظام وروسيا أمام قوات المعارضة المدعومة من أنقرة، والتي هي حسب خبراء «دولة إقليمية لا تقارن قوتها مع روسيا» إذ إنها تقدم الدعم اللوجستي والحماية السياسية والعسكرية فقط، لفصائل المعارضة، ويتمثل ذلك بعدم سحب مراكز المراقبة، دون أن تشارك قواتها البرية وقوتها النارية في العمليات العسكرية، لكن رغم ذلك نجح الثوار في إيقاف النظام وحققت الفصائل نتائج كبيرة على الأرض وقدّمت أساليب قتالية نوعية في الدفاع والوقاية والهجوم.
ورطة روسية
وحول الدعم الضخم المقدم لقوات النظام السوري وانتزاعه السيطرة على المناطق التي فقدها خلال الأيام الفائتة، يقول الباحث السياسي عبد الوهاب عاصي، إن استعادة السيطرة على مناطق هامة شمال غرب حماة، كان من قبل القوات الخاصة الروسية، فهي من استعاد المنطقة ومعها مجموعات تابعة لإيران مثل حزب الله وقوات الدفاع المحلي، لافتاً إلى أنها «ثمرة ما كانت لتحصل عليها لولا التغطية النارية الكثيفة».
وأضاف لـ «القدس العربي» أن روسيا جعلت من مجموعات قوات النظام السوري «إسفنجة امتصاص» للكثافة النارية والتحصينات الدفاعية التي وضعتها ونفذتها فصائل المعارضة أثناء صد محاولات استعادة السيطرة على التلّة، حيث وقعت أكثر من 4 مجموعات تابعة للنظام في كمائن وأهداف الثوار. أما تلّة الحماميات، فقد فقدت أهميتها الحيوية بعد كمية القصف الذي تعرّضت له، حيث سويت على الأرض كل الأبنية والتحصينات الدفاعية التي أقامها النظام السوري خلال السنوات السابقة، ولم يعد بالإمكان جعل هذا المرتفع كنقطة استناد عسكرية إلّا في حال إعادة بناء التحصينات داخلها وفي محيطها وهذا يحتاج إلى تجميد التصعيد أو إيقاف هجمات فصائل المعارضة على خطوط التماس.
وأشار إلى أن قوات النظام السوري لم تعد قادرة على الحفاظ على مواقعها ليس فقط بوجود التغطية النارية الروسية بل إلى جانب ضرورة وجود قوات برية روسية وإيرانية، وحتى ذلك هو غير كافٍ لضمان استمرار سيطرته.
ويُظهر تقرير ميداني روسي عن معركة الحماميات شمال غرب حماة، الاعتماد الكبير والواضح على الإحداثيات المسبقة التي تقدّمها مجموعات ميدانية وطائرات الاستطلاع، والتي بناءً عليها يتم قصف مواقع تمركز الثوار وخطوط الإمداد والانسحاب، إلا أن عاصي رأى أن البيانات التي تقوم مجموعات النظام بتزويدها لروسيا لا تحمل دقة كبيرة، في حين تُشكّل طائرات الاستطلاع الخطر الأكبر، ولا بد من تجاوز هذه الثغرة عبر بعض الخطوات التقليدية، على اعتبار أنه يصعب على الثوار امتلاك التقنيات العسكرية المناسبة لمواجهة طيران الاستطلاع، لافتاً إلى أن التجاوز يمكن أن يكون عبر الاعتماد على أساليب تمويه ميدانية ناجحة للأجسام الثابتة والمتحركة، بشكل يجعل من الصعب تمييزها عن الجغرافية الأساسية للمنطقة، ومحاولة نشر شبكة من الأجسام الوهمية وهذا يشمل خطوط إمداد وانسحاب، بشكل يحاكي الأجسام الحقيقية، أي العمل على تشويش المعلومات والبيانات التي قام طيران الاستطلاع بجمعها وعدم الاعتماد علـى الـطرق البـرية نفسـها.
ولفت إلى أن المعارضة السياسية أو العسكرية لو استطاعت إقناع تركيا أو الولايات المتحدة بجدوى تزويدهم بمعدات ذات تقنية مناسبة لمواجهة سلاح الاستطلاع، ستكون روسيا بورطة جديدة ومأزق آخر في العملية العسكرية التي قامت هي بفتحها والاستمرار بها.
إلى ذلك، قال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن رتلاً عسكرياً جديداً تابعاً للقوات التركية يتألف من 15 آلية وعربة تحمل معدات عسكرية ولوجستية دخل، الأحد، عبر معبر خربة الجوز الحدودي بريف إدلب، برفقة سيارات تابعة للفصائل المقاتلة، وتوجه شرقاً إلى نقطة المراقبة التركية في اشتبرق، وذلك بعد يومين من دخول رتل مشابه، والقوات التركية عمدت إلى إدخال رتل عسكري جديد نحو الأراضي السورية وذلك بعد منتصف ليل الأربعاء – الخميس عبر معبر كفرلوسين الحدودي شمال إدلب، حيث يتألف الرتل من 20 آلية عسكرية بالإضافة لوجود مجنزرات برفقة سيارات عسكرية للفصائل واتجهت نحو نقاط المراقبة التابعة لها في المنطقة.