يعلم المبعوث الأمريكي الإسرائيلي آموس هوكشتاين أنه يؤسس مجددا لـ«حمل كاذب» وسط الجماهير العربية «الصديقة»، وهو يتحدث لكاميرا مراسلة «الجزيرة» في واشنطن عن «وفد أمريكي عملياتي» سيتوجه لبيروت ويقيم في منطقتين لمراقبة «وقف إطلاق النار» ضد لبنان الشقيق.
بلاد الأرز وفيروز ضحية جديدة للوهم الدجال
بعد حديث هوكشتاين بساعات قليلة تكشف «بي بي سي» أن «آلية مراقبة الوضع اللبناني» سيترأسها جنرال أمريكي، مع مختصين عملياتيين وظيفتهم تحديد احتياجات الجيش اللبناني للقيام بوظيفته الجديدة.
لاحقا، وصباح السبت تكشف «الجزيرة» نبأ وصول الجنرال جاسبر جيفرز لكي «يراقب الوضع».
شعبنا في لبنان بصدد «نسخة جديدة تخصه» من الجنرال الشهير «دايتون»، لكن الفارق أن «جيفرز باشا» مختص بـ»العمليات الخاصة» وشاشات لبنان التلفزيونية لم يخطر بذهنها طرح السؤال التالي: لماذا يتسلم رجل عمليات خاصة وظيفته الاختراق والهجوم والاستخبارات مهمة مراقبة حدود وطنية؟!
ما علينا، هل تذكرون «دايتون ما غيره»، الذي أخفق في الضفة الغربية وتشرد صبيته وتنازعوا لاحقا؟
ما لا تقوله الفضائية الفلسطينية الرسمية، وهي تزف لنا نبأ التعميم الرئاسي الجديد تحت الاحتلال أن «تدريبات دايتون» هي السبب المباشر في ولادة «طبقة كمبرادور» فلسطيني نجح في تحويل التخاصم مع حركة حماس إلى «عقيدة بيروقراطية».
كمبرادور بيروت
لبنان اليوم، وفقا لشاشة «الجزيرة» أمام «دايتون» جديد سيدرب الجيش اللبناني على كيفية القيام بواجبه الوطني، مع فارق بسيط التعقيدات في لبنان أوسع وأكبر وأخطر منها في الضفة الغربية.
لذلك سيبدأ جيفرز على الأرجح بعد تحديد احتياجات الجيش اللبناني ببناء طبقة كمبرادور «تحالف السلطة والمال» بنسخة لبنانية في بلد مليء أصلا بتجار الحرب والكمبرادورات فيه أكثر من التراكتورات الخاصة بحراثة الأرض والزراعة.
قريبا جدا ستشبه بيروت رام الله، حيث وجود وسطاء وسماسرة عطاءات ومقاولات مع «الوكيل الأمريكي» للاحتلال إلى جانب ساندويتشات شاورما وفلافل لذيذة تصبح عنوانا للفخر الوطني والزهو القومي.
لاحقا ستدخل بيروت في «قن الدجاج الأمريكي» ما غيره، حيث مرحلة «أغنية لبنانية» على مقاس «هز الكتف بحنية» وفجأة على شاشة «أم بي سي» مقطع مصور عن رزمة جنرالات يقرفصون حول آلية تتبع اليونفيل بهدف «إصلاح البناشر».
أبعدوا كلمة» انتحار»
في الأردن التداعيات «أقل حدة» والشعب عالق تماما ما بين مقولة الدولة «لن ننتحر» ومقولة قوى الشارع.. «سينحرنا الإسرائيلي».
بين المقولتين حوار وطني مفقود، ولو بهدف التوصيف والتعريف وعد رئيس مجلس الأعيان دولة السيد فيصل الفايز، كاتب هذه السطور بالمبادرة به مباشرة بعد مداخلته المهمة – أي الفايز- على منبر قناة «المشهد» لصالح الزميل طوني خليفة.
المقاربة التي سجلها حديث الفايز المتلفز لخليفة مهمة، ولا بد من التوقف عندها: لا أحد.. إطلاقا يملك الحق بدعوة الأردنيين للانتحار أو حتى المجازفة بمستقبلهم، ذلك خط أحمر لا يمكن تبرير أي محاولة لانتهاكه.
والسؤال يصبح ساذجا عندما يصاغ باللهجة التالية: «ماذا سنفعل إذا هاجمتنا إسرائيل؟».
الإجابة عند النشامى واضحة وبلا لف ودوران: الأردنيون بكل مكوناتهم ومؤسساتهم وجيشهم سيقاتلون حتما وسيندم المعتدي.
الأهم ثمة وطن بكامل البهاء في المسافة الفاصلة اليوم بين من يقول «لن ننتحر» ومن يقول «الإسرائيلي سينحرنا»، وإذا كان تعريف الأولى واضح سياسيا المطلوب شرح وتوضيح الثانية بأن تتحدث السلطة مع الناس أولا.
وثانيا، وهو الأهم أن تدرك السلطة ورجالها بأن الأردني عندما يخرج للشارع ويدعم المقاومة «خائف وقلق» وليس «يناكف أو يشكك أو يتأثر بأجندات خارجية».
لذلك ومع الاحترام لكل المناورات والأغاني التي تظهر على شاشتي «المملكة» والتلفزيون الرسمي لا بد من حكومة تستطيع التحدث مع الأردنيين ويثقون بها لكي تخبرهم عن الحسابات والأرقام والحيثيات حتى لا يغرق الجميع بنقاشات طرشان.
إقناع الناس تماما بمقولة «لن ننتحر من أجل أي قضية» يتطلب مناقشتهم بصراحة بالأسباب التي تدفعهم للاعتقاد بأن «الإسرائيلي سينحرهم لاحقا».
من تجرأ مشكورا على مصارحة الأردنيين بالأولى عليه واجب الإصغاء لهم في الثانية، لأن «مجازر الإبادة في غزة» مسحت أرشيف الشعب الخاص بوهم السلام ومكاسب التطبيع والضمانات الأمريكية والغربية.
وحتى نقف عند كلمة سواء تشبه بلادنا، علينا إبعاد مفردة «الانتحار» من القاموس أصلا والمنتج أكثر أن نقول: «وجدنا لنبقى» و»الأردن للأردنيين وفلسطين للفلسطينيين مهما طال الزمن».
يمكن أن نضيف:» نحن أقوى من أن ينحرنا أحد وأكثر خبرة وضراوة وعمقا من أن نندفع نحو الانتحار».
كل المطلوب ببساطة أن نجلس لنتفق معا على أقصر الطرق لضمان التداعيات والنتائج، ثم نقرأ معا «الدولة والشعب» الأعمق في مشهد «أهل الجنوب» في لبنان، وهم يمارسون «العودة» مقابل «صمود» فقط.. هل وصلت الرسالة؟
مدير مكتب «القدس العربي» في عمان