بيروت – «القدس العربي»: بذل الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله في حديثه الاعلامي الأخير الكثير من الجهد لترميم الشقوق التي أصابت العلاقة بين حزبه والتيار الوطني الحر ورئيس الجمهورية العماد ميشال عون.
شقوق جاءت نتيجة الحرب الكلامية بين أنصار حزب الله وشخصيات معبرة عن مواقفه ومعهم قيادة وجمهور حركة أمل الضلع الاخر من الثنائية الشيعية، وبين قيادات وجمهور التيار الوطني الحر، واستهدفت بشكل أساسي رئيس التيار وزير الخارجية جبران باسيل صهر الرئيس والأقرب اليه.
نصرالله قدم شرحاً مسهباً حول تعددية الآراء داخل الحزب وقاعدته الشعبية تجاه الكثير من المواقف والتي تعود الى احترام حرية الرأي والتعبير، وان هذه المنهجية لا تؤثر على المواقف الاستراتيجية بين الحزب وحلفائه، وان اي تفاهمات او توافقات قد تحصل بين الحزب واي من الاحزاب او الاطراف الاخرى، لا تعني مصادرة مواقف ذاك الحزب او تلك الجهة، وان المهم هو الالتزام بالمبادئ الاستراتيجية التي تحكم هذا التفاهم.
وعلى الرغم من هذا الشرح المسهب، الا ان نصرالله لم يستطع ان ينفي وجود اختلاف بين حزبه والتيار الوطني الحر، والذي تفجر على خلفية الأزمة الحكومية وآلية التشكيل التي يتمسك بها باسيل في الحصول على الثلث المعطل من خلال التفرد بتحديد حصة رئيس الجمهورية في الحكومة (خمسة وزراء) واعتبارها جزءًا من حصة كتلته النيابية (ستة وزراء) . وهو موقف يشكل تحدياً للحزب الذي لا يرغب في تشكيل حكومة يكون قرار استمرارها او ذهابها او تحديد توجهاتها في يد طرف واحد من خلال الحصول على الثلث المعطل، في حال كانت الحكومة مؤلفة من ثلاثين وزيرًا.
إرهاصات وعد
نصرالله حاول في حديثه المطول أن يقدم صورة ايجابية ومقربة عن علاقته مع رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، الا انه كان حاسماً وبكلمة واحدة ان يرسم نهاية لمراهنة باسيل في الحصول على إرهاصات وعد من حزب الله وزعيمه تعزز طموحاته في الوصول الى رئاسة الجمهورية بعد الرئيس عون. وقد جاءت الضربة القاضية من خلال تأكيد نصرالله على ان موقفه وموقف الحزب من زعيم تيار المردة سليمان فرنجية «مازال كما هو ومازال فرنجية يحظى بالمكانة نفسها». وهو موقف يعزز التزام الحزب وزعيمه بالموقف والوعد الأخلاقي الذي قطعه لفرنجية عندما رفض التسوية التي اقترحته رئيساً للجمهورية على حساب الجنرال عون قبل ثلاث سنوات، بانه سيكون مرشح الحزب للرئاسة ما بعد عون، وهو ما ترجمه فرنجية بالابتعاد عن السباق الرئاسي لصالح عون على الرغم من المعركة الكلامية التي تفجرت بين الطرفين، واستطاع حزب الله ضبط إيقاعها في حينه.
ما قدمه نصرالله لحليفه جبران باسيل انه لا يمكن ان يمارس القمع بوجه الاصوات التي تنتقد او تطلق مواقف قاسية ضده او ضد سياسات التيار، الا انه لن يتردد في بذل الجهد من اجل التخفيف منها والحد من تداعياتها السلبية على العلاقة الثنائية، وهو موقف بحد ذاته يعتبر رسالة واضحة لجبران بانه غير قادر على فرض ارادته او رغباته على الحزب وجره الى النقطة او المنطقة التي يريدها وتساعده على ترجمة طموحاته السياسية. وبالتالي بات من الواضح بان الحزب وقيادته لن يتراجع في الالتزام الاخلاقي والسياسي الذي التزمت به مع سليمان فرنجيه بايصاله الى رئاسة الجمهورية، ولن تخضع ايضا للابتزاز الذي قد يمارسه باسيل من اجل اجبار الحزب على تغيير مواقفه وتبني طموحاته، او على الاقل منحه صفة المقرر في مجلس الوزراء من خلال الحصول على الثلث المعطل في التشكيلة المرتقبة.
واذا كانت رسالة نصرالله واضحة فيما يتعلق بالآليات الداخلية لحزب الله في التعامل مع جبران باسيل والتيار الوطني الحر، وخصوصية العلاقة مع رئيس الجمهورية، الا انه ايضاً لم يقدم التزاماً واضحاً بالضغط على حليفه في الثنائية الشيعية حركة امل وزعيمها نبيه بري من اجل وضع حد نهائي للتراشق التاريخي بين الطرفين، ان كان على خلفية موقف بري من وصول عون الى رئاسة الجمهورية او التوترات التي تحدث بين بري وفريقه مع باسيل وفريقه على خلفيات متعددة سياسية وادارية ومالية.
ضبط الإيقاع
وإذا ما استطاع نصرالله ضبط الإيقاع الداخلي في حزب الله تجاه باسيل والتيار الوطني، فانه لن يعمد الى الطلب من حليفه بري وحركة امل الالتزام بهذه التهدئة او ضبط الايقاع في التراشق، وهو موقف محكوم ببراغماتية عالية، لان نصرالله سيكون بحاجة الى حركة امل في التصويب على التيار وزعيمه من اجل تصويب المسارات والمواقف في حال تجاوز باسيل حدود تحمل الحزب، ما يحمل على الاعتقاد بوجود تقاسم للادوار بين نصرالله وبري من اجل التحكم بايقاع الحراك السياسي على الساحة اللبنانية عموما ومع التيار الوطني الحر خصوصاً.
الاحتضان الواضح الذي قدمه نصرالله لجبران باسيل وتياره، لا يعني عدم وجود محددات لهذا الاحتضان، ولعل ابرز هذه المحددات تتلخص بالتالي:
– التأكيد على حرص حزب الله لاستمرار التحالف بين الحزب والتيار الوطني الحر، وعدم وجود أي موقف سلبي من زعيم التيار جبران باسيل لكن في حدود الممكن وعدم تقديم وعود بقمع الاصوات المنتقدة داخل الحزب والضغط على الأحزاب الأخرى خصوصاً حركة أمل بوقف الكيدية او التراشق مع باسيل وتياره.
– الحرص التام على الفصل بين رئاسة الجمهورية والرئيس ميشال عون من جهة وبين التيار الوطني ورئيسه جبران باسيل من جهة أخرى، بمعنى استمرار المساحة التي تسمح بانتقاد باسيل والهجوم عليه من داخل الحزب وحركة أمل، وتحييد رئيس الجمهورية او عدم الربط بينه وبين باسيل في المعركة السياسية. وهو ما برز من خلال حرص رئيس المجلس النيابي نبيه بري في رفض الربط بين المواقف الانتقادية التي أطلقها عضو كلتة بري النيابية أنور الخليل والتي طالت رئيس الجمهورية وموقف بري والكتلته، ما يكشف عن وجود تفاهم بين طرفي الثنائية الشيعية على ترسيخ مبدأ ابعاد الرئيس عن أي معركة سياسية مع التيار الوطني الحر توفيراً لازمات هما بغنى عنها في هذه المرحلة.
سياسة التوازانات التي يقودها نصرالله على الساحة اللبنانية في هذه المرحلة خاصة داخل القوى المتحالفة معه، قد تكلف الحزب الكثير على صعيد قواعده الشعبية، إلا انها تعكس وجود حالة من الترقب لدى الحزب للتطورات الإقليمية خاصة على الساحة السورية، وبالتالي فانه يسعى إلى تفكيك أي الغام قد تعترض الانسجام بين حلفائه، بانتظار المستجدات الدولية والتفرغ للتعامل معها.