نصر الله بين خطابي “التضامن” و”جبهة الدعم”.. وإيران في قمة الـ31 بنداً: ماذا عن الحرب الإقليمية؟

حجم الخط
0

 تسفي برئيل

“انتبهوا لما يقوله الميدان وليس ما نقوله نحن”، هكذا اقترح رئيس “حزب الله” حسن نصر الله، على سامعيه في إسرائيل والشرق الأوسط وواشنطن في إجمال خطابه المطول والمليء بالبلاغة الفائقة كالعادة، والذي شمل عدة لدغات موجهة لإسرائيل. بعد أسبوع على الخطاب السابق، الأول منذ اندلاع الحرب، يظهر أن نصر الله قد استوعب الانتقاد الذي وجه إليه بشأن النطاق المحدود لعمليات “حزب الله” ضد إسرائيل والالتزام الضئيل بـ “وحدة الساحات” وحول توقعات حماس التي تم تخييبها.

في هذه المرة من موقعه كمحلل، كرّس فصلاً طويلاً للمفهوم الجديد الذي اعتبره “جبهة الدعم”. أثنى بكلمات دافئة على قرار الحوثيين إطلاق الصواريخ والمسيرات على إسرائيل، في حين أن الإنجاز السياسي الأهم له هو أنه للمرة الأولى تقوم “دولة وليس حركة مقاومة” بالمشاركة فعلياً في المعركة ضد إسرائيل. سوريا “رغم وضعها الصعب” شريكة في سماحها لقوات حزبه بالعمل من أراضيها ضد إسرائيل، والمليشيات الشيعية في العراق التي تهاجم الأهداف الأمريكية توضح من هو العدو الحقيقي. وبالطبع، إيران “التي لم تكن المقاومة لتعيش بدونها”، التي تسلح وتمول وتزود المقاومة. “ذات يوم كنا نخفي ذلك، لكننا الآن نتحدث عن ذلك بوضوح”، قال وكأنه حطم طابو خطيراً. ولكنه شرح بأن “إيران لا تقرر بالطبع بدلاً من حركات المقاومة”.

كل هؤلاء معاً يخلقون حسب قوله “جبهة الدعم” هذه، وهو مفهوم أكثر قليلاً من مفهوم “تضامن” الذي استخدمه في الخطاب السابق. ولكنه ليس تدخلاً عسكرياً كاملاً حتى الآن. وأمس لم يستطع الفلسطينيون في غزة الحصول على التزام أو حتى أن يتولد لديهم انطباع بأن حسن نصر الله ينوي تغيير المعادلة التي وضعها حتى الآن، والتي تقول إن حزبه سيعمل وسيرد على أي مس بالمدنيين في لبنان. حسن نصر الله، الذي ظهر وكأن عليه تقديم تقرير سليم للجنة رقابة، دخل إلى تفصيل شديد عندما قال للمرة الأولى بأنه أدخل إلى الساحة صاروخ البركان؛ “عدنا إلى استخدام قذائف الكاتيوشا والحوامات والمسيرات التابعة لـ ”حزب الله” تدخل يومياً إلى داخل أراضي إسرائيل و”تنهك منظومة الدفاع الإسرائيلية”؛ واقتبس مدير مستشفى في شمال إسرائيل، الذي قال بأنه وصل إليه نحو 350 مصاباً “هذا فقط في مستشفى واحد”. ولكن في نهاية صفحة “الأكسل” التي استهدفت صياغة معنى مصطلح “الميدان سيتكلم”، أوضح نصر الله بأن الانتصار في هذه المعركة سيتم تحقيقه بشكل متراكم، بالنقاط، وليس في هجوم واحد كبير؛ لأن أنظمة الظلام تتحطم مع مرور الوقت.

الخميس، في محادثة هاتفية مع نظيره القطري محمد بن عبد الرحمن، حذر وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، من أنه “لا مناص من الحرب على خلفية كثافة هجمات إسرائيل على غزة وتوسيع نطاقها”. فُسرت أقواله بأن إيران قد تنضم للمعركة بشكل مباشر. بعد فترة قصيرة، جاء التعديل من قبل السفير الإيراني في الأمم المتحدة، الذي أوضح في مقابلة مع “سي.ان.ان” بأن إيران لن تكون هي التي توسع الحرب. “سيكون التوسيع ببساطة أمراً لا يمكن تجنبه”.

في هذه الأثناء، يبدو أن هذا هو التوجيه الذي يوجه “حزب الله”. المواجهة بين إسرائيل و”حزب الله” يجب أن تحافظ على “حدود قطاع آمنة” بحيث لا تجبر إيران على الدخول بنفسها إلى المعركة، الأمر الذي قد يضعها في مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة. هذا خط حدود دقيق وهش، يلزم إسرائيل و”حزب الله” بإدارة منظومة ردود متبادلة ودقيقة ومحسوبة، لأن إيران ليست هي التي تقف متأهبة على رؤوس الأصابع من أجل أن تبقى في موقف علني وكأنها لا تملي خطوات “حزب الله” أو حماس، بل واشنطن أيضاً تطمح إلى البقاء في حدود “جبهة الدعم”، وهي تمسك يد إسرائيل بقوة كي لا تجرها إلى مواجهة إقليمية.

تهديد إيران التقليدي الذي قد يشعل حرباً إقليمية، تسعى السعودية إلى وقفه. المشهد الخطابي الذي جرى أمس في الرياض تحت عنوان “القمة العربية والإسلامية الطارئة”، التي شارك فيها معظم الدول العربية والإسلامية، له دور مهم للدفع قدماً بتهديد إيران. يرى الفلسطينيون أن هذا لقاء آخر عديم الفائدة، عقد العشرات مثله في السابق وتعرض لانتقاد لشديد بسبب “العجز العربي”. حقيقة عقد هذه القمة بعد شهر على بداية الحرب يمكن أن تدل على الفجوة بين التضامن العلني والاستعداد لاتخاذ خطوات عملية. لكن لا جديد فيه. في البداية، تم التخطيط لعقد قمتين منفصلتين، واحدة لدول الجامعة العربية وأخرى لدول منظمة التعاون الإسلامي. في خطوة حكيمة، قرر ولي العهد السعودي دمجهما في قمة واحدة، شارك فيها منذ استئناف العلاقات بين إيران والسعودية رئيس إيران إبراهيم رئيسي. كان خطابه كما هو متوقع مليئاً بالإدانات لإسرائيل والولايات المتحدة، وشمل طلبات بعيدة المدى، مثل فرض المقاطعة على إسرائيل، وتسليح المقاومة، لكن الرعاية السعودية والموقف الذي طرحه ولي العهد محمد بن سلمان في خطابه القصير، من شأنهما الآن إلزام إيران التي تبذل جهوداً دبلوماسية كثيفة لترميم علاقاتها مع الدول العربية في المنطقة.

القرار الذي اتخذته القمة يشمل 31 بنداً، من بينها المطالبة بوقف فوري لإطلاق النار، ووقف إرسال السلاح لإسرائيل، والطلب من مجلس الأمن إدانة تدمير المستشفيات في القطاع، ورفع الحصار عن غزة، وفتح قنوات للمساعدات الإنسانية، والتوجه إلى المجتمع الدولي للعمل على وقف الحرب، وإطلاق سراح السجناء والمعتقلين والمدنيين، وبنود كثيرة تتعلق بمعالجة دولية قانونية لـ”جرائم الحرب” التي تنفذها إسرائيل.

في ختام القرار، تم اتخاذ بندين مهمين عن الحل السياسي المستقبلي؛ البند 28 يؤكد أن م.ت.ف هي الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، وأنه يجب على كل الفصائل الفلسطينية الأخرى الاتحاد في إطارها. في حين أن البند 30 يطالب بعقد مؤتمر دولي للسلام في “أسرع وقت”.

الخلاصة أنه لا حماس ولا أي حركة مقاومة أخرى تمثل الفلسطينيين. صحيح أن هذا لا يعتبر بنداً جديداً، فقد اتخذ وصودق عليه قبل خمسين سنة، ولكن عندما تدير حماس حرباً ضد إسرائيل، فإن هذا البند يغير معناه عندما يتجاهل وجود حماس.

على أي حال، محمد بن سلمان ورئيس مصر وملك الأردن وحاكم قطر، نجحوا في منع إصدار أي قرار عملي مهم، سواء مقاطعة إسرائيل، أو عدم مرور الطائرات الإسرائيلية في سماء الدول العربية، أو دعوة الدول العربية ودول أخرى لقطع علاقاتها مع إسرائيل. وهي الطلبات التي تمت مناقشتها في لقاء وزراء الخارجية قبل عقد القمة. هذه الطلبات تحاول التوفيق ليس فقط بين الأقطاب العربية والإسلامية، بل أيضاً بين ما يمكن للولايات المتحدة الموافقة عليه وبين المواقف الصقورية التي أسمعها بعض زعماء الدول العربية. سيتعين على إيران التقرير إذا كانت ستكتفي بما هو مشترك، والذي تم إنجازه في القمة بروحية بن سلمان، أم العمل بشكل مستقل، بالتحديد بعد أن سجلت إنجازاً سياسياً عندما تم استضافتها في هذا المنتدى العربي، وليس فقط الإسلامي.

هآرتس 12/11/2023

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية