نصر الله يدير “دولة الأزمة”.. وسياسة ترامب: لبنان بـ”حزب الله” مصيره ليبيا واليمن

حجم الخط
0

أصدر رئيس كلية الهندسة في الجامعة اللبنانية، هذا الأسبوع، تعليمات لجميع المحاضرين في القسم بأن عليهم طباعة أسئلة امتحاناتهم على ورقة واحدة فقط “لنقص أوراق التصوير بحجم A4“. أما المحاضر الذي سيقدم امتحانه على أكثر من ورقة واحدة فعليه تصويره على نفقته الخاصة. جامعة صيدا وجدت حلاً آخر: يستخدم المحاضرون أوراقاً مستعملة من سلة القمامة يطبعون عليها الامتحانات.

نقابة المستشفيات الخاصة في لبنان أبلغت الحكومة هذا الأسبوع بأنهم سيغلقون خلال ثلاثة أسابيع الأبواب أمام المرضى، باستثناء المرضى المعرضين للخطر على حياتهم ومرضى غسيل الكلى والمرضى الذين يتلقون العلاج الكيميائي. “نواجه انتحاراً جماعياً”، قال رئيس نقابة المستشفيات في رسالة للحكومة. ديون الماضي فقدت أكثر من نصف القيمة بسبب ارتفاع سعر الدولار، ليصل مؤخراً إلى أكثر من 9 آلاف ليرة لبنانية مقابل السعر الرسمي القديم الذي بلغ 1507 ليرة للدولار. في أعقاب انخفاض سعر الليرة، اقترحت الحكومة أن تبيع الدولار للمستشفيات حسب السعر القديم، لكن بنسبة 15 – 20 في المئة من مجمل احتياجاتها. وسيكون على المستشفيات استكمال الباقي من صناديقها.

في المستشفى المركزي المسمى باسم رفيق الحريري، الذي يعالج مرضى كورونا، ثمة انقطاع متكرر للكهرباء، وأمر مدير المستشفى بعدم تشغيل المكيفات في مكاتب الإدارة. وعلى صفحات الفيسوك تنشر كل يوم مئات العروض لصفقات مقايضة بين المواطنين الذين يعرضون خدمات مختلفة مقابل المواد الغذائية. نساء يعملن بالخياطة ونجارون وسباكون، يقومون بتفصيل أنواع العمل التي هم على استعداد لتنفيذها، وإلى جانبها البضائع المقابلة التي يطلبونها.

كلما اشتدت الأزمة الاقتصادية يزداد الغضب العام على حزب الله الذي يتولى حقيبة الصحة، والذي اعتبر المسؤول عن فقدان السيطرة على مكافحة كورونا. والأهم من ذلك، يظهر حزب الله كمن يضر بفرص لبنان في الحصول على المساعدات الاقتصادية والقروض التي يطلبها من صندوق النقد الدولي. يطمح لبنان بالحصول على قرض بمبلغ 20 مليار دولار وتحرير أموال التبرعات التي تبلغ 11 مليار دولار، التي وعد بها لبنان في مؤتمر الدول المانحة الذي انعقد في 2018.

المفاوضات الأخيرة مع صندوق النقد الدولي فشلت وانتهت بالصراخ بعدما تبين أن الصندوق، بتأثير من أمريكا، وضع شروطاً قاسية لمنح القرض. وهذه الشروط لا تشمل فقط إصلاحات اقتصادية عميقة، بل تطالب بإبعاد حزب الله عن الحكومة. مسألة المساعدة تتسبب في الحقيقة بخلافات في وجهات النظر بين دول أوروبا المستعدة لإيجاد طرق لمنع انهيار مطلق للبنان، وبين الإدارة الأمريكية التي يبدو وكأنها قررت تحييد حزب الله كجزء من سياسة كبح النفوذ الإيراني حتى لو بثمن دمار الدولة.

في الشهر الماضي، دخل قانون العقوبات على سوريا الذي يمنع التعاون بكل أشكاله مع النظام السوري، إلى حيز التنفيذ. لبنان الذي يشكل دولة عبور للبضائع إلى سوريا ومنها، هو إحدى الدول التي يمكن أن تتضرر بصورة شديدة من هذه العقوبات، وقدم في السابق طلباً لإعفائه من العقوبات. ولكن الإدارة الأمريكية أوضحت بأنه “لن تعفى أي دولة، ولو كانت صديقة”. والإدارة الأمريكية تفحص الآن طرقاً لمنع قوات اليونفيل من شراء سلع في مدن جنوب لبنان التي يسيطر فيها حزب الله، كي تغلق طريقاً أخرى للتمويل الذي يصل إلى حزب الله.

ظهر الضغط على نصر الله في خطاب ألقاه الثلاثاء الماضي. “لسنا عقبة أمام المساعدات الأمريكية للبنان. وهناك من يقولون إن الغرب هو أسطوانة الأوكسجين بالنسبة لنا. لا نطالب بالتنصل من الغرب، ولكن إذا أوقفوا المساعدات فماذا يمكننا أن نفعل؟”، قال. وقد تطرق نصر الله إلى موقف سابق له بحسبه عارض وبصورة قاطعة التوجه إلى صندوق النقد الدولي لأنه فهم أن هذا القرض يعني المزيد من الخنق لحزبه. بعد ذلك غير موقفه ووافق على التوجه إلى صندوق النقد الدولي شريطة أن لا يضع شروطاً سياسية للمساعدات.

وهو الآن لا يضع شروطاً، لكنه يقترح بدائل. حسب أقواله، تعدّ الصين قناة مساعدة إيجابية. “إذا أرادت الصين الاستثمار في لبنان، فهذا لا يعني أننا نريد تحويل لبنان إلى دولة شيوعية”. وهو يطالب بعدم استبعاد المساعدات الإيرانية، لأن ذلك لا يعني أننا نريد تطبيق النموذج الإيراني في لبنان… ولا نستطيع تقليده لأن إيران دولة ذات قدرة على أن توفر لنفسها معظم احتياجاتها الزراعية والصناعية. لذلك، استطاعت الصمود أمام العقوبات والحروب خلال أربعين سنة”.

ولكن لشراء النفط من إيران والسماح للناقلات الإيرانية بالوصول إلى موانئ لبنان، كما أن إيران تبيع نفطاً لفنزويلا، هذه احتمالية يجب فحصها، حسب رأي حزب الله. وأوضح نصر الله بأن منظمته تجري مفاوضات مع إيران في محاولة لترتيب بيع النفط مقابل الدفع بالليرة اللبنانية وليس بالدولار. ولتنفيذ الصفقة بدون اتهام لبنان بخرق العقوبات على إيران، سيكون على الناقلات الإيرانية الرسو في موانئ سوريا وأن تفرغ الحمولة فيها، ومن هناك تنقل براً عبر إلى لبنان.

ولكن ثمة مشكلة أخرى، وهي أن نقل النفط الإيراني عبر الحدود السورية إلى لبنان قد يعتبر خرقاً لقانون العقوبات على سوريا، فيضع لبنان في مسار تصادم آخر مع الإدارة الأمريكية. ويبدو أن حزب الله يمكنه تجاوز هذه العقبة إذا قرر استيراد النفط السوري بنفسه؛ أي السيطرة على المعابر الحدودية بين لبنان وسوريا، وتجنيد صهاريج نفط والتحول إلى مستورد، لكن هذه تبقى احتمالية نظرية، لأنها تعني خرقاً صارخاً لسيادة الدولة وتحويل لبنان بشكل رسمي إلى دولة حزب الله. ولكن إذا لم يتمكن لبنان من الحصول قريباً على قرض بالدولارات، فقد تضطر الحكومة نفسها إلى خرق قانون العقوبات كي تستطيع توفير النفط المطلوب لها ولو كان ذلك من أجل الاحتياجات الأساسية.

       المشكلة الأمريكية

السؤال هو ما الذي تستطيع واشنطن فعله إزاء تطور كهذا. سياسة الرئيس الأمريكي ترامب التي تستهدف إبعاد حزب الله عن الحكومة، واضحة جداً. وأوضحت ذلك السفيرة الأمريكية في لبنان، التي اتهمت -في مقابلة مع قناة “الحدث” التلفزيونية- حزب الله بالمس باستقرار لبنان ومنع إعادة إعماره اقتصادياً. كان هذا تصريحاً استثنائياً أثار عاصفة كبيرة في لبنان. وفي أعقابه منعت محكمة مدينة صور جميع وسائل الإعلام من إجراء مقابلات مع أو أن تنشر تصريحات السفيرة الأمريكية.

القاضي نفسه استقال بعد أن أصدر قرار الحكم. ووزير الخارجية اللبناني استدعى السفيرة لـ “ترقيع” الأمور. والأمر الذي أغضب نصر الله بشكل خاص هو أقوال السفيرة التي بحسبها “الولايات المتحدة ستؤيد أي حكومة إصلاحية لن تكون تحت سيطرة حزب الله. حكومة لبنان يجب أن تكون مكونة من ذوي اختصاص، فحكومة حسان دياب حتى الآن لم تنجح في إجراء الإصلاحات المطلوبة”. لا يمكن أن يكون هناك تعبير أكثر حدة ووضوح من هذا لتحديد أهداف واشنطن في لبنان.

وثمة مفارقة.. فرغم هذا الموقف المتشدد، التقى قائد المنطقة الوسطى في الجيش الأمريكي، الأربعاء، مع القيادة في لبنان، وتباحث معها حول التعاون العسكري. وفي اليوم نفسه عاد قاسم تاج الدين إلى لبنان، الممول لحزب الله، بعد قضائه ثلاث سنوات سجناً من الخمس سنوات التي حكم عليه فيها بتهمة خرق العقوبات ومساعدة حزب الله. وسمعت تقديرات في لبنان تقول بأن إطلاق سراح تاج الدين المبكر جزء من صفقة لتبادل الأسرى مع لبنان. وإذا كان حقاً هذا هو السبب، فيبدو أن واشنطن تجري مفاوضات مع إيران من خلال حزب الله، عندما يكون هذا يخدم مصالحها.

رد نصر الله المتسامح، الذي لم يوفر توجيه الانتقاد للولايات المتحدة وسفيرتها في لبنان، وفي الوقت نفسه يوضح بأنه لن يعارض المساعدات من الغرب.. هذا الرد قد يدل على ضائقة حزب الله. هذه الضائقة جعلت حزب الله يقترح حلاً أصيلاً على شكل “جهاد زراعي وصناعي”. “الآن ندخل المعركة الزراعية والصناعية. علينا الحضور إلى هذه الساحة الجديدة. علينا جميعاً العودة لنكون مزارعين كي ننقذ لبنان. وعلينا زراعة كل قطعة أرض مناسبة، حتى في المدن. عندما نأكل ما نزرعه ونرتدي الملابس التي ننتجها فسنتحول إلى شعب ذي سيادة”.

هذه الديماغوجيا الجديدة لا تقنع اللبنانيين الذين راحوا يستهزئون بالأيديولوجيا الزراعية الجديدة لحسن نصر الله. المزارعون اللبنانيون لا يمكنهم تصدير منتوجاتهم، والصناعة اللبنانية الصغيرة ليس لها ما يكفي من الوقود والكهرباء من أجل البقاء. وفي موازاة ذلك، ليس هناك أموال كي توفر الحكومة للمزارعين البذور والأشتال، أو الدولارات لشراء المواد الخام والمعدات.

ولكن ليس حزب الله وحده الذي يعاني مشكلة، فواشنطن تستخدم في الحقيقة مكبس العقوبات، لكن لا تملك حلاً لنتائجها. مظاهرات الشوارع، والغضب المتزايد، والمطالبة بإقالة الحكومة، والفقر الخانق، كل ذلك يهدد بفوضى شعبية من الصعب، إذا لم يكن من المستحيل، السيطرة عليها. ولا تستطيع أي جهة سياسية إبعاد حزب الله عن الحكومة. والنتيجة هي أن الدولة ستعود هي الحكومة نفسها أو يعاد استنساخها إذا ما قررت الاستقالة عندما تجد نفسها في معركة عسكرية دموية لتفريق المظاهرات وفرض حظر التجول واعتقال من يخلون بالنظام.

بدون ضخ كثيف للأموال قريباً، سيتحول لبنان إلى دولة فاشلة، تشبه ليبيا أو اليمن. الولايات المتحدة التي توقفت عن المطالبة بتغيير النظام في إيران كأحد شروط رفع العقوبات، ستضطر كما يبدو إلى مواصلة التعايش مع حزب الله في الحكومة – أو أنها ستتسبب بضياع لبنان.

بقلمتسفي برئيل

 هآرتس 10/7/2020

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية