لا تزال الطبيعة الفنية الصامتة رغم صمتها الظاهري، تتحرك في الوجدان وتملأ الحياة حركة وتحتل مركزها الأول في الحضور، على الرغم من ظهور مدارس فنية كثيرة وتغير الذائقة، فأغلب المطابخ، وصالات الاستقبال وقاعات الجلوس، منذ زمن، وحتى اليوم، لا تخلو منها.
إن وجودها، لا يقف على تلك اللحظة التي رأيتها فيها، إنما على التفاصيل الدقيقة التي تضمنها نسيج اللوحة، من خلال تدرجات الألوان الباهرة وتقنيات الإضاءة المميزة وحجم الأشياء التي حملتها وعددها كذلك. فالبعد الفني الذي يسكن تلك اللوحة ليس أمراً عادياً، إنها تحمل نوعا من الهدوء والرونق في الوقت ذاته، فعندما قام الفنان الفرنسي جان شاردان، برسم هذا النوع من المواضيع بألوانه الزيتية وطباشيره الصغيرة، فإنه كان يتعمد اختيار هذه الصور من الحياة المتواضعة الساكنة، التي تمثل شريحة واسعة في تلك الفترة، مقابل الحياة البورجوازية المتكلفة.
إلى ذلك، فإن ألعاب الصبية في الفناء الخارجي، إلى حكايا الجدات وهن يخطن ببراعة عجيبة الدانتيل في ياقات الفساتين الصغيرة، تتخللها أغنيات دافئة تغنيها الأمهات في أقصى درجات البرودة، كانت هي المحور الأساسي لكل اللوحات، بل دعامتها. هذا الحضور الذي كان وما زال جاداً إلى الآن، أكده متحف اللوفر الذي تعرض فيه معظم هذه الأعمال، التي يتهافت الأثرياء عليها، لشراء أغلبها بملايين الأرقام، مقابل زخم وضجة الأعمال الأخرى التي تعرض هناك، فالإحساس الذي نقله شاردان وغيره من الفنانين في تلك الحقبة في لوحاتهم، كفيل بأن يقدم لنا قصيدة شعرية أنيقة أو أغنية ذات سحر بهي.
فمن يتوقع أن الفقر يصنع هذه الفتنة الآسرة، التي تفتح عيوننا أمام الدهشة، وتقودنا نحو جوهرية الأشياء، وتقدير مسألة الجمال في الفن بكل صوره وتمثيلاته، التي حتمًا تعكس جزءاً من إنسانية الفرد وتكوينه، بل تاريخه وحضارته. وكما يقول جبران خليل: «إن الجمال نصيب المتأملين».
كاتبة وإعلامية من البحرين
جميلة تعابيرك..لاقت هوى في نفسي