نظام عالمي جديد ينهض من رماد الهيمنة الأمريكية.. هل سيكون على أسس حضارية؟

حجم الخط
4

لندن ـ “القدس العربي”:

قال ماركو كارنيلوس الدبلوماسي الإيطالي السابق في مقال بعنوان “نظام عالمي جديد ينبعث من رماد الهيمنة الأمريكية”، نشره في موقع “ميدل إيست آي” البريطاني، أن النظام العالمي الحالي يبدو في طريقه للأفول، بينما لا يوجد تصور واضح حتى الآن عن طبيعة النظام المقبل والذي يتشكل حاليا.

وأشار الديبلوماسي، الذي خدم في فريق السياسة الخارجية لثلاثة رؤساء وزراء إيطاليين بين عامي 1995 و2011، أن الولايات المتحدة تمكنت من قيادة النظام العالمي لمدة 30 عاما فقط منذ انتهاء الحرب الباردة، لكن السلام الدافئ استمر بالكاد لعقد من الزمان. فمع مطلع القرن الحادي والعشرين، بدأ التاريخ يستعيد طبيعته بعد اعتقاد البعض أننا وصلنا إلى نهايته (في إشارة إلى نظرية الباحث الأمريكي فرانسيس فوكوياما).

 الديبلوماسي، الذي كان حتى نوفمبر 2017، سفيرا لإيطاليا في العراق يؤكد “جاءت أحداث 11 سبتمبر والحروب الأمريكية الطويلة في العراق وأفغانستان لتهز القيادة أحادية القطب للولايات المتحدة، وأصبح تفوقها العسكري في تراجع منذ ذلك الحين”.

ويؤكد أنه أصبحت هناك شكوك متزايدة في أعمدة النظام العالمي القائم على القواعد التي تقودها الولايات المتحدة بما في ذلك الليبرالية الجديدة واقتصاد السوق الحر والعولمة.

وينوه إلى أن الأزمة المالية العالمية عام 2008 خلفت شروخا عميقة بشأن الثقة في النظام الاقتصادي. وكانت التداعيات تدابير تقشف قاسية نشرت عدم المساواة. وتم وضع النظريات الاقتصادية طويلة الأمد جانباً، واهتزت الثقة في ما يسمي “اليد غير المرئية” التي تلعب دورا مهما في موازنة السوق.

وبحسبه نسي السياسيون الليبراليون الجدد والاقتصاديون والخبراء في ظل الوباء فجأة ما كانوا يبشرون به منذ عقود.

ويشير الديبلوماسي، الذي عمل في الصومال وأستراليا والأمم المتحدة، إلى أنه بعد 150 عامًا من التدخلات الإمبراطورية والكوارث، استيقظت الصين ببطء واستعادت دورها كقوة اقتصادية رائدة في العالم، وذهبت إلى أبعد من ذلك، حيث تحولت لقوة تكنولوجية مثيرة للإعجاب (ويتجلى ذلك في تكنولوجيا “الجيل الخامس” والذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية) كما بدأت في نشر أصول عسكرية خارج البلاد. وقد دق هذا أجراس الإنذار في واشنطن.

وبحسبه ما تزال الولايات المتحدة تعيش في صدمة من صعود الصين وما تزال غير راغبة في مشاركة الهيمنة العالمية معها.

أما بالنسبة للطبيعة، فبعد أن تم تدميرها بسبب النشاط البشري (والتصنيع الغربي في المقام الأول) يواجه الكوكب الآن أزمة المناخ بشكل أسرع مما كان متوقعا، في حين أن الأوبئة مثل “كورونا” تقدم تهديدًا جديدًا للبشرية.

وبرأيه أدت أزمة الطاقة إلى بعض الأفكار حول الثورة الخضراء، لكن لايزال الوقود مهما حتى أن إيلون ماسك نفسه بدأ يعيد التأكيد على أن الوقود الأحفوري لا يزال ضروريًا. ويعد الحد من الانبعاثات العالمية عملية أكثر صعوبة وتعقيدا عندما يتجه الاقتصاد في العالم نحو الركود.

ويؤكد الكاتب أنه بشكل عام، هناك غضب في الوقت الحاضر وخوف على المستقبل مع توقعات بأن الأجيال القادمة ستكون حياتها أسوأ من الآن. وفي مثل هذه الظروف المقلقة، قد يتوقع المرء أن تشمر الدول الرائدة في العالم عن سواعدها وتتصدى معًا لهذه المجموعة الكبيرة من التحديات، لكن بدلاً من ذلك، فإن النظام العالمي يتصدع أكثر.

وبرأيه كانت الشرارة هي غزو روسيا لأوكرانيا، لكن الظروف كانت موجودة قبل الحرب بوقت طويل. بعبارة أخرى، في حين أن الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” هو الشرير الرئيسي هنا، فهو ليس الوحيد. ويعد التقييم الصحيح أمرا بالغ الأهمية.

وفي تقديره أخطأت وسائل الإعلام الغربية في تغطية قمة “منظمة شنغهاي للتعاون” الأخيرة، حيث كانت تبحث عن أي إشارات للانقسام بين الصين وروسيا، لكن الواقع أن هناك طابورا طويلا من الدول الراغبة في الانضمام إلى المنظمة.

ويقول إنه “بالفعل، تم قبول عضوية إيران وبيلاروسيا، ويمكن إضافة دول أخرى قريبًا، بما في ذلك مصر وتركيا والسعودية وقطر والبحرين والكويت والإمارات. وهؤلاء كلهم ​​حلفاء وشركاء للولايات المتحدة”.

ويلفت إلى أنه صحيح أن موسكو وبكين لديهما وجهات نظر مختلفة حول العديد من القضايا، لكنهما على متن نفس القارب، وقد اعترفت مجلة “الإيكونوميست” مؤخرا بهذه الحقيقة.

ويعتقد أن الصين تستعد لسيناريو تعرضها لنفس الإجراءات العقابية التي واجهتها روسيا من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. وبالتالي تضاعف بكين جهودها لتحقيق الاستقلال (قدر الإمكان) في التكنولوجيا، والطاقة، والغذاء، والتمويل.

ويلفت إلى أن الصين تشهد حدثا مهما الشهر المقبل، حيث من المتوقع إعادة تعيين شي جين بينغ كزعيم للبلاد لولاية ثالثة غير مسبوقة يمكن أن تمهد الطريق لترشيحه مدى الحياة. في المقابل، ستحدد انتخابات التجديد النصفي للولايات المتحدة في نوفمبر/تشرين الثاني، ما إذا كان بإمكان إدارة بايدن تنفيذ أجندتها الطموحة، داخل وخارج البلاد.

وبعد أسبوع، ستظهر قمة مجموعة العشرين في إندونيسيا كيف تتطور العلاقات بين كتلتي الجنوب العالمي والشمال العالمي.

وبحسبه فما “هو واضح الآن هو أن العولمة تنهار. وكما لخص “زولتان بوزار” من بنك “كريدي سويس” ببراعة، فإن العولمة كان يغذيها الغاز الرخيص من روسيا إلى أوروبا والمنتجات الرخيصة من الصين إلى الولايات المتحدة، والتي حافظت على الحلم الاستهلاكي الأمريكي”.

وينوه إلى أنه بعد عزلها عن الطاقة الروسية الرخيصة، ستتبنى أوروبا بدائل أكثر تكلفة بكثير، فيما تنفصل الولايات المتحدة والصين عن بعضهما البعض بشكل متزايد، دون اهتمام بالآثار التي يمكن أن تنجم عن قطع سلاسل التوريد والتدفقات المالية.

واعتمد النظام أيضًا على الهيمنة المالية الأمريكية المبنية على الدولار كعملة احتياطية عالمية. ولعقود من الزمن، كان التضخم منخفضا وأسعار الفائدة صفرية. لكن كل هذه الواقع تغير تماما خلال الفترة الأخيرة.

وفي اعتقاده بينما تدور حرب حقيقية في أوكرانيا، تتطور حرب اقتصادية عالمية بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من جهة وكل من روسيا والصين بشكل منفصل. ويراقب الجنوب العالمي التطورات على أمل البقاء على الحياد لكنه قد يكون شريكا في هذه الحرب قريبا.

ويذكر أن الولايات المتحدة تفكر في فرض عقوبات ثانوية على الدول التي لا تتماشى مع عقوباتها ضد روسيا، ويمكن أن يتكشف وضع مماثل في المستقبل القريب فيما يتعلق بالصين.

ويلفت إلى أنه مع اقتراب الشتاء، بدأت أوروبا التفكير في وضع حد لاستهلاك الطاقة. وبينما أوضحت الولايات المتحدة أنها لا تستطيع المساعدة أصدر 40 مديرًا تنفيذيًا لمنتجي المعادن الأوروبيين (مجتمعين تحت راية “يوروماتوكس”) هذا الشهر رسالة مشتركة إلى مؤسسات الاتحاد الأوروبي يحذرون فيها من أن قطاعهم يواجه تهديدًا وجوديًا من ارتفاع تكاليف الطاقة.

بالرغم أن الولايات المتحدة أبدت تحيزا واضحا وعدم التزام بالقواعد التي أرستها بنفسها للنظام العالمي، لكن الأزمة أيضا تمثلت في ظهور قيم مختلفة في جميع أنحاء العالم، لا سيما في الصين وروسيا، وجنوب العالم. ما يعني أن النظام العالمي قد يتطور على أسس حضارية

وعلى المستوى العالمي، أصدر البنك الدولي مؤخرًا تقريرًا يفيد بأن “الاقتصاد العالمي في خضم واحدة من أكثر الأزمات خطورة على مدار العقود الخمسة الماضية”. ومن بين الاستنتاجات أن الركود العالمي قد يكون وشيكًا.

ويقول الديبلوماسي، الذي كان منسق عملية السلام في الشرق الأوسط والمبعوث الخاص لسوريا للحكومة الإيطالية، أنه بالرغم أن الولايات المتحدة أبدت تحيزا واضحا وعدم التزام بالقواعد التي أرستها بنفسها للنظام العالمي، لكن الأزمة أيضا تمثلت في ظهور قيم مختلفة في جميع أنحاء العالم، لا سيما في الصين وروسيا وجنوب العالم. ما يعني أن النظام العالمي قد يتطور على أسس حضارية.

ويذكر أنه قبل قرن من الزمان، حذر المفكر الفرنسي “رينيه جينون” من إفراط الحضارة الغربية في الجوانب المادية والفردية. بعد بضعة عقود، أوضح المؤرخ “أرنولد توينبي” أن الغرب لا يمكنه التظاهر بأنه النموذج الوحيد الذي يجب اتباعه.

ويختم الكاتب بالقول إنه اليوم، هناك حاجة إلى إعادة تقويم النظام العالمي. وللعمل بشكل صحيح، يجب أن يكون ذلك قائمًا على القيم المشتركة على نطاق واسع، ما يعكس واقعنا الجديد الأكثر تنوعًا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول أبو صهيب الجزائري:

    رؤية الغرب للتغير و خطورة الوضع فقط عند إشتعال حرب مدمرة في قارتهم (( الأوربية)) والتغير المناخى خطير فقط عند جفاف أنهارهم وسط أوروبا …. ونحن نرى في العالم العربي والإسلامى حروب وحروب وغزو ونهب وتدمير لسوريا العراق أفغانستان الصومال نشر الإرهاب و دعمه شيئ عادى جدا هذه ليست جيوسياسية عالمية ولا فلسفة طونية ولا كأننا نعيش في كوكب منفصل عنهم .. الواضح أن حتى الحياد ما يعجبهم إذا تأذي هو عليك أن تقتل نفسك من أجله وإلا فأنت ضده

  2. يقول لا تتحدثوا بلساني للتلفيق:

    الجواب هو لا ?

  3. يقول S.S.Abdullah:

    هل فلسفة الهيمنة، أو أسلوب الإدارة والحوكمة والإعلام من خلال الخدعة والخديعة في مرحلة (الإنعاش)، أم ماذا؟!

    هو أول ردة فعل على عنوان (نظام عالمي جديد ينهض من رماد الهيمنة الأمريكية.. هل سيكون على أسس حضارية؟)، والأهم هو لماذا، وما دليلي على ذلك؟!

    بدون تشخيص صحيح، لا يمكن إيجاد حل إلى أي مشكلة أو مرض لأي شيء داخل جسم أي إنسان أو أسرة أو شركة أو دولة، بل حتى نظام الأمم المتحدة ومجلس الأمن وحق النقض بالذات،

    من أجل المحافظة على (ثقافة الأنا) لكل عضو أو دولة صاحبة سيادة، انتصرت في الحرب العالمية الثانية،

    لقد ثبت فشل مفهوم (ثقافة الأنا) لدولة الحداثة يوم 2/8/1990 وليس يوم 24/2/2022،

    فما قام به صدام حسين (العراق)، لا يختلف عن ما قام به فلاديمير بوتين (روسيا)،

    السؤال، لماذا نجحت (الكويت) ومن خلفها مجلس التعاون في الخليج، بينما فشلت (أوكرانيا) ومن خلفها الإتحاد الأوروبي،

    في جعل أمريكا وأوروبا وبقية دول العالم في إرسال جيوشها لمحاربة (العراق)، بينما في حالة روسيا حتى قرار من الأمم المتحدة لم يمكن إصدار ضد (روسيا) الدولة؟!??
    ??????

  4. يقول محي الدين احمد علي:

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . علي الغرب وامريكا والعالم الاعتراف التغير قادم رغم انف الجميع بل نحن الان في قلب التغير واذا كانت حرب العراق وأفغانستان والحروب في الشرق الأوسط وحرب أوكرانيا حتي الان لم تكشف عن حجم الخراب الاقتصادي الذي يزحف على العالم مثل السرطان علينا نراء العالم اصبح يعاني من غلاء غير طبيعي ولو كان الاقتصاد العالمي سليم ما ترنح من كورونا ولا سجد بهذا الشكل المخزي من حرب أوكرانيا وتعلم أمريكا ان الصين في صعود مبهر وارادت أمريكا احتواء الصين وتم فتح السوق الأمريكي للصين للحصول علي بضائع رخيصة من الصين والحمد لله بدل أمريكا متقوى اقتصادها قوة اقتصاد الصين واليوم الصين تريد نصيبها في هذا العالم وأيضا تقسيم التورتة مع أمريكا وامريكا لا تقبل القسمة على اثنين ويوجد رعب في امريكا علي الدولار لو تم تعامل العالم يعملة غير عملتها ( الدولار ) , وامريكا تريد خراب أوروبا ولهذا دفعت دفع لقيام الحرب في أوكرانيا وحتي الان المتضرر من حرب أوكرانيا أوروبا والجميع غير أمريكا وروسيا . وشكرا

إشترك في قائمتنا البريدية