في الـ 69 سنة التي مرت منذ انتهت الحرب العالمية الثانية ومنذ كان نشوء الامم المتحدة قوي التوجه الذي أضعف على الدوام سيادة الدول القومية. فقد طُلب اليها أن تتخلى عن سلطات كثيرة لصالح جهات دولية وأن تسلمها الى اجانب. وكان يمكن التمدح في أحداث كثيرة اصابت العالم بانشاء هذه الجهات وتعزيز مكانتها، لكن كان يمكن ايضا ادراك أنها مصدر قلق من أن الشعوب تسلم مصيرها لاجانب. وتعزز هذا التوجه اكثر مع تفكك الاتحاد السوفييتي حينما اصابت موجة نشوة مشاعر سياسية الغرب وأُغري باحثون أذكياء مثل فرنسيس فوكوياما بالاحتفال بـ ‘نهاية التاريخ’ عند تحطم الامبراطورية الشيوعية. والامثلة كثيرة، فمحاكمة قادة في جمهورية الصرب وكرواتيا على مشاركتهم في الحرب في يوغسلافيا شهادة صادقة على ذلك. وقد كانت لتوجه التدويل هذا وما زالت آثار كثيرة على الصراع الاسرائيلي العربي. ففي المكان الذي فشل فيه العرب في مواجهة فيتو امريكي في مجلس الامن الذي أُعد ليكون شبه حكومة للعالم دون المس بحقوق الدول ذات السيادة، بدأوا يطلبون مساعدة من جهات دولية احداها هي المحكمة الدولية في لاهاي في هولندة التي تأييدها شرط أساسي تقريبا لفرض المقاطعة على دولة ذات سيادة. ليّن قرار لامع كتبه البروفيسور اهارون براك في المحكمة العليا وأضعف التدبير الذي دبره الفلسطينيون لاسرائيل عقب مد جدار الفصل المنقذ للحياة على طول يهودا والسامرة. وكانت لجنة القاضي ريتشارد غولدستون التي حققت في رد الجيش الاسرائيلي على محاولة دخول السفينة التركية الى غزة في 2009، كانت ثمرة هذا التوجه. وإن ضم خبراء بالقانون الى وحدات الجيش الاسرائيلي للقتال في الوقت المناسب هو محاولة لاحباط محاكمة الجنود في محكمة دولية كهذه. إن التوجه موجود وهو يخدم في هذه الايام بكامل قوته أبو مازن الذي يهدد بأنه اذا لم تقبل اسرائيل املاءاته فسيتخلى عن التفاوض لصالح التوجه الى المحكمة في لاهاي. لكن يبدو أن التوجه الدولي اصيب أمس بضربة خفيفة اولى. فقد سخر فلادمير بوتين من الثرثرة الدولية؛ ومن تصور اوباما أن البشر يستطيعون تدبير امورهم دون القوة العسكرية العنيفة للدول القومية؛ ومن التلعثم الاوروبي وضم القرم الى الوطن الروسي بقوة ومن طرف واحد. كيف سيرد العالم على ذلك؟ ردت موسكو باستخفاف اعلان الغرب فرض عقوبات، فهي تعلم أنهم في غرب اوروبا ولا سيما في المانيا يحتاجون الى الغاز الروسي الذي يصل بانبوبين. إن مسألة القرم هي الآن ضئيلة القدر وسيكون لها معنى استراتيجي اذا تطورت لتصبح صراعا لاعادة اوكرانيا الى حضن الاتحاد الروسي. وقد يكون ما حدث في شبه جزيرة القرم حيث التقى قادة الحلف الكبير قبيل نهاية محاربة النازيين، خطوة اولى لاعادة العالم القديم ورفض الواقع السياسي الدولي، وقد يوجد مرة اخرى شخص ما يتنبأ بلغة ونستون تشرتشل بأن “الستار الحديدي نزل على اوروبا”.