بالعبرية الغليظة تطلب المذيعة في القناة الإسرائيلية 12 من الجمهور مشاهدة «الفيديو التالي» لإثبات أن «خماس» فازت في الانتخابات النيابية الأردنية، فيما ضيفها «يتمتم» بعبارات عن «الأردن الذي يتهاوى، بعد عملية الكرامة في أحضان المخربين»!
الفيديو، الذي تعرضه الشاشة العبرية للشيخ مراد عضايلة، المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين ومحتواه «كلمة توجيهية» اعتيادية جدا، تعيد التأكيد على أن «معركة طوفان الأقصى أردنية أيضا»، ودون أي ذكر لحماس أو غيرها من الفصائل.
تضلل المذيعة الإسرائيلية بـ»جهل شديد أو مبرمج» مشاهديها، وهي تلمح لكلمة العضايلة باعتبارها سجلت بعد «حادثة معبر الكرامة»، فيما الكلمة سجلت في الواقع قبل أشهر، وليس فقط أسابيع.
ما علينا، «الإرهابي» الوحيد الذي يهدد الأردن حاليا – شعبا وحكما – هو «نتنياهو وطاقمه»، والأردن بعد الانتخابات «أقوى بكثير» منه قبلها، ومن «يتهاوى الآن» إسرائيل، وما لا تعرفه مزامير الإعلام الإسرائيلي والمتأسرل، هو أن الأردن بشعبه وجيشه ومؤسساته، ولاحقا انتخاباته لديه من أوراق القوة والمنعة والصلابة، ما لا يتوقعه العابثون باسم «ميزان القوة».
بمناسبة «حفلة الوناسة»، التي تديرها المحطات التلفزيونية العبرية بعد الانتخابات الأردنية، مهم أن نعرف أن ما قاله صديقنا الدكتور ممدوح العبادي على برنامج زميلنا هاني البدري، هو الأصح، فإسرائيل جثمت على صدر هذه الأمة بقوة «الديمقراطية والصندوق»، وعليه منعة الأردن الآن كفيلة، على الأقل في التغليظ على «معدة العدو» وإصابته بإرباك «معوي»، وهو ما لمسناه من مذيع آخر ظهر على القناة 14 يسأل بكل براءة «الذئب الوحش»: لماذا هاجمنا الأردني ماهر الجازي، قبل 24 ساعة من انتخاباتهم؟!
«برافو» الأردن الشعبي والرسمي
ذكرني المشهد بسؤال «سي أن أن» الكبير وغيرها من الشاشات الغربية بعد أحداث سبتمر/أيلول: لماذا يكرهوننا؟!
كل القصة أن الإعلام الإسرائيلي أصيب بارتجاج دماغي، ولا يفهم كيف فجأة يفوز تيار بنصف مليون من أصوات الشعب الأردني، فيما مرشحوه يرفعون «المثلث القسامي إياه» على يافطاتهم، مع أن الحكاية بسيطة وقوامها «قرار مركزي مرجعي في موقعه تماما» في انتخابات نظيفة وتحويل النزاهة إلى «سلاح ناعم».
قد يحيلنا ذلك إلى «فهم متأخر»، لا تريد فضائية «المملكة»، ولو مجرد الإشارة له، وفكرته أننا اكتشفنا اليوم أن جماعة «سيدي كلفة الإصلاح الديمقراطي أكثر من كلفة عكسه»، دخلت على طريقة ميركل الألمانية بالحيط، وعلقت ولا تستطيع المغادرة من الجانب الآخر، لأن الصندوق النزيه تحول إلى سلاح في مواجهة «عبث الإسرائيليين بالطبق».
في الماضي القريب أوهمونا أن «متطلبات الصراع العربي – الإسرائيلي» هي التي تعيق «التحول الديمقراطي الأردني»، وأن الإصلاح غير ممكن قبل «حل القضية الفلسطينية». اليوم تختلف المقاربة فتأثير الصراع مع إسرائيل على المقدسات والثوابت الأردنية الوطنية، هو الذي دفع غريزة الاشتباك والبقاء نحو «انتخابات خالية من الهندسة».
«برافو» الأردن قيادة وشعبا وهيئات. برافو: نقولها بكل ثقة واحترام، وما ينقصنا الآن بصراحة هو أن نقول «برافو الإخوان المسلمين».
كيف يحتفل الإخوان؟
هنا حصريا، فليسمح لي الأخوة في التيار الإسلامي، بملاحظة تنتحل صفة «نصيحة»، بعد رصد تغطية قناة «الجزيرة» لإيقاعات الفعاليات التي أقيمت في مدينة إربد والعاصمة، تحت لافتة «الابتهاج بنتائج الانتخابات».
يحق لشباب التيار الإسلامي أن يبتهجوا، ونحن نبتهج معهم، لكن إطلاق هتافات «جارحة وفارغة»، لا معنى لها ويمكن طبعا ودوما الاستغناء عنها سلوك غير منضبط ولا يلائم تطلعات الجميع في المرحلة اللاحقة.
يحيى السنوار، قائد فذ ووطني فلسطيني، وكلنا نحترم «الصفعة التاريخية»، التي وجهها لعدونا كأردنيين وفلسطينيين، لكن الشيء الوحيد الذي يمكننا أن نفعله لمساندة الأخوة في المقاومة الفلسطينية – جزاهم الله عنا جميعا كل الخير – هو أن نخفف عن قيادتهم، وألا نفرط في الحماس ونحول قائد مثل السنوار إلى «مسؤول عن الأمة برمتها».
السنوار، قائد «فلسطيني» لا يريد من أحد «أردنته»، ومن فاز في الانتخابات الأخيرة «أردنيون» مع وصفة كامل الدسم، ولا مصلحة لفلسطين بأي خلط مزاجي أو جاهل أو متسرع، في هذه المرحلة، وكل المصلحة بالتأكيد في التركيز على ما قاله يوما خليل عطية، أكثر برلماني أردني حصل على الأصوات في تاريخ الانتخابات، وهو يعلن «الأردن وطن يعيش فينا وفلسطين لا بديل عنها إلا الجنة».
أملنا كبير في ألا يسمح قادة البرلمان الجديد بأي «نزق هاتف» أو انحراف حماسي في تظاهرات بعد الآن، يسيء للناس ويجرح شعور مؤسسات الدولة الأردنية، التي ينبغي بدورها أيضا أن لا تحمل مشهد بعض الهتافات المتسرعة أكثر مما تحتمل فتوجيهات رأس الدولة ومرجعيتها، التي بثها التلفزيون الرسمي واضحة وحادة الملامح وفكرة «الأردن أقوى الآن» لا يتبناها فقط الأخ المسلم أو غيره، بل المؤسسة أيضا.
والأردن القوي هو ما يخدم الشعب الفلسطيني الآن.
والسنوار مقاتل، ولا يريد من أحد أن يخاطبه بلقب «سيدي»، مع أنه سيد في المقاومة والتخطيط والاشتباك، مثله مثل جميع أهل غزة الأبطال.
مدير مكتب «القدس العربي» في عمان