نعم للصداقة بين المرأة والرجل

حجم الخط
70

حين يرحل أحد مبدعينا إلى كوكب الموت، يكتب العشرات منا عنه وعن عطائه بإعجاب وحب. لو كتبنا عنهم وعن إبداعهم وهم أحياء أو على فراش المرض، أما كان في وسعنا أن نطيل أعمارهم؟ أليس في الكتابة المحبة ما يزيد في مقاومة المبدع للمرض؟
ترى هل في وسعنا أن نطيل عمر مبدعينا لو كتبنا عنهم وهم أحياء ما نكتبه عنهم بعد رحيلهم؟ وأذكر على سبيل المثال ما حدث مؤخراً للمرحومة نوال السعداوي، حيث غمرناها بالإعجاب والمديح لكتاباتها، وهو ما لم تحظ بالكثير منه خلال حياتها.
أشعر أحياناً بالذنب حين أسمع برحيل مبدع عربي أحببت أعماله الأدبية وقصرت في الكتابة عنه… ومضى… دعونا نمتدحهم دون أن ننتظر خبر موتهم!

مرافقة «وفد المغتربين»

جاءت صديقتي نبيلة من دمشق إلى باريس، وكنا زميلتين في جامعة دمشق. جاءت لزيارة ابنتها المقيمة في باريس، واتصلت بي والتقينا، وأعطتني صوراً شامية قديمة لنا ونحن نرافق «وفد المغتربين» إلى دمشق، ووقع الاختيار علينا (أو من يرغب منا) لأننا كنا ندرس في قسم الأدب الإنكليزي، وبالتالي كان في وسعنا محاورتهم بالإنكليزية. وهكذا كنا نرافقهم إلى أماكن ذكرياتهم، وبينهم من لم يعد يتحدث العربية (بل معظمهم) وأشفقت عليهم، إذ كيف يمكن للمرء أن يعيش طويلاً في بلدان أخرى ويحتاج إلى دليل ليدله على مسقط رأسه؟.. وها أنا اليوم واحدة منهم، فأنا لم أزر مدينتي الأم ومسقط قلبي ورأسي، دمشق، منذ غادرتها قبل أكثر من أربعة عقود، لأسباب لن أخوض فيها.
ولم أعد في المطارات أبرز جواز سفر سورياً، بل لبنانياً أو غير ذلك.. لكنني لم أنس يوماً شوارع دمشق وأزقتها والبيوت التي أقمت فيها، وآخرها في ساحة النجمة والمدارس التي درست فيها. بل لم أنس أسماء معظم معلماتي في مدارسها حين كنت بنتاً صغيرة.
وإذا عدت ذات يوم إلى دمشق، لن أكون حقاً من «وفد المغتربين» لأنه ما زال بوسعي حتى اليوم في دمشق أن ألعب دور الدليل السياحي لا السائح.. فقد غادرت دمشق، لكنها لم تغادر قلبي.

الصداقة بين المرأة والرجل ممكنة

ذكرياتي الشامية لا تتسع لها موسوعة، لذا أعود إلى حوار عصري حول الصداقة بين المرأة والرجل، والتي اختلف قراء «القدس العربي» حولها. من طرفي، أقول: نعم، الصداقة بين الرجل والمرأة ممكنة وقد عشتها وأعيشها.. لا في الغرب وحده بل وفي وطني العربي. أذكر على سبيل المثال الصديق «عاطف.س» زميلي في مجلة «الأسبوع العربي» حين كنت أعمل فيها. اتصلت به ذات ليلة من بيتي في مبنى في «روشة» بيروت، وقلت له: سأغادر بيروت إلى لندن غداً (ولا تقل شيئاً عن سفري لغسان كنفاني) وأسلمك مفتاح البيت. ولن أعود قريباً، أي قبل انتهاء «عقد الإيجار». وهكذا قام عاطف.س بنقل أثاثي إلى بيت في قرية «جنسنايا» يملكه والد صديقتي دنيا.ع، وكم هزني أن زوجة صديقي عاطف قامت بغسيل ستائر البيت وكيها وطيها!.. وذلك قبل حفظها مع بقية أثاثي. وفي وسعي أن أذكر عشرات الأمثال على صداقاتي مع «ذكور» كالراحل حافظ محفوظ رئيس تحرير «مجلة الحصاد»، بعدما عملنا معاً في مجلة «الحوادث» زهاء ربع قرن. وأعتقد أن الصداقة بين الرجل والمرأة ممكنة حين تصفو النوايا.. ويتم التمييز بين الصديق والحبيب. بل إنني أحب الصداقة لأنها طويلة العمر، أما الحب فأرض زلزالية!!

صديقي عبد الحليم حافظ

أتذكر، بحنين، صداقتي مع المبدع عبد الحليم حافظ الذي تعارفته وأنا طالبة في الجامعة الأمريكية حين التقينا على يخت اللبناني رجل الأعمال الراحل جورج أبو عضل، صاحب مجلة «الأسبوع العربي» وكانت الأكثر انتشاراً ومبيعاً، وكنت أعمل فيها وأنا أتابع دراسة الماجستير في الجامعة الأمريكية. وهكذا تعارفت على عبد الحليم. كان إنساناً يشبه صوته، فهو رقيق، مهذب، وتصادقنا. وبعد زواجي صار عبد الحليم يتصل بنا حين يزور بيروت، وكان يحل في «فندق الحمراء» في شارع الحمراء قبل الحرب اللبنانية، وكنا نصطحبه -زوجي وأنا- إلى السينما مثلاً ويضع النظارة السوداء ولا ندخل إلا بعد إطفاء الأنوار وبدء عرض الفيلم، كي لا يلتف المعجبون حوله. وقبل زواجي، حين كنت ما أزال طالبة في الجامعة الأمريكية في بيروت، تواعدنا مرة على اللقاء في مقهى فندقه المفضل (الحمراء) في شارع الحمراء البيروتي (لم يعد موجوداً) ويومها أمرني البروفيسور «سويل» أستاذي، بكتابة دراسة عن مسرح اللامعقول، وكان عليّ الاعتذار عن موعدي مع عبد الحليم. وحاولت عبثاً الاتصال به هاتفياً إلى الفندق للاعتذار. وقرعت باب غرفتي في القسم الداخلي للبنات (بستاني هاوس) وفي الجامعة صديقتان هما لميس.ن ومي.ن وقالتا إنهما ذاهبتان إلى شارع الحمراء البيروتي للتبضع، واقترحتا عليّ مشاركتهما ورجوتهما المرور بفندق الحمراء حيث سيجدان النجم عبد الحليم حافظ في انتظاري، والاعتذار له عني لأن عامل الهاتف يرفض أن يناديه ليرد على مخابرتي الهاتفية للاعتذار (كان ذلك قبل زمن الهاتف المحمول). وذهبتا إلى هناك بسبب إلحاحي، وفوجئت لميس بعبد الحليم حافظ جالساً في المقهى خلف نظارة سوداء.. واعتذرتا عني واحتفى بهما. وحين كنا، زوجي وأنا، نرافق عبد الحليم إلى السينما، كنا ننتظر حتى إطفاء الأضواء قبل الدخول وعلى عينيه نظارة سوداء.
فقد صارت شهرته تفوق ما نتخيله. وكم حزنت في شهر آذار (مارس) عام 1977 حين تصادف أني كنت في القاهرة، وبدلاً من الاتصال به هاتفياً خرجت من الفندق للتسكع على ضفة نهر النيل، وسمعت بائع الصحف ينادي: وفاة عبد الحليم حافظ. حزنت لأنني لم أكتب عنه قبل رحيله.
نعم، ثمة صداقة بين المرأة والرجل حتى في عالمنا العربي. وهذه وجهة نظري، وفي وسعي أن أذكر عشرات الصداقات الجميلة بيني وبين بعض الذكور العرب.. وبينهم من رحل عن عالمنا كزميلي في العمل في مجلة «الحوادث» حافظ محفوظ، الذي عمل فيما بعد رئيساً للتحرير في مجلة «الحصاد» اللندنية، ورئيسة مجلس إدارتها السيدة ابتسام أوجي. وكم حزنت لرحيل ذلك الصديق. أكرر: الصداقة ممكنة بين المرأة والرجل العربي.. وأجمل ما فيها أنها لا تتعرض لزلزال الحب!

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول قارئ:

    صداقات طلاب (المدارس الابتدائية المختلطة) في أوروبا مقسمة بين مجاميع ذكور وإناث ويبقى الحال عليه في الإعدادي والثانوي إلا ان يدخل الجنس فيه. ان ذلك يثبت بطلان الصداقة بين الذكور والإناث.

    1. يقول الكروي داود النرويج:

      والدليل هو بعدد أطفال السفاح بالمدارس!
      كانت النرويج تستورد الأطفال للتبني قبل عقدين, أما الآن يتم تبني هؤلاء الأطفال!! ولا حول ولا قوة الا بالله

    2. يقول أسامة كلّيَّة سوريا/ألنانيا:

      الخطأ في موضوع معين لايؤثر على الصحيح في موضوع آخر!

  2. يقول سامح ابراهيم:

    اذا اتخذت الزوجة صديقا فماذا يبقى للزوج

  3. يقول غدير ماهر:

    العزيزة غادة السمان،

    أتفق معك، الصداقة بين الرجل والمرأة ممكنة طالما أن الهدف واضح من البداية أنها صداقة لا تتعدى غير ذلك. هناك الكثير من المفاهيم المغلوطة في مجتمعنا حول صداقة الرجل والمرأة للأسف.

  4. يقول الكروي داود النرويج:

    يبين الدكتور القرضاوي مبينا حدود العلاقة بين الجنسين فيقول:-

    اللقاء بين الرجال والنساء في ذاته ليس محرمًا بل هو جائز أو مطلوب إذا كان القصـد منه المشاركـة في هدف نبيل، من علـم نافع أو عمل صالـح، أو مشـروع خـير، أو جهاد لازم، أو غير ذلك مما يتطلب جهودًا متضافرة من الجنسين، ويتطلب تعاونا مشتركًا بينهما في التخطيط والتوجيه والتنفيذ.

    ولا يعني ذلك أن تذوب الحدود بينهما، وتنسى القيود الشرعية الضابطة لكل لقاء بين الطرفين، ويزعم قوم أنهم ملائكة مطهرون لا يخشى منهم ولا عليهم، يريدون أن ينقلوا مجتمع الغرب إلينا.. إنما الواجب في ذلك هو الاشتراك في الخير، والتعاون على البر والتقوى، في إطار الحدود التي رسمها الإسلام، ومنها:.

    1ـ الالتزام بغض البصر من الفريقين، فلا ينظر إلى عورة، ولا ينظر بشهوة، ولا يطيل النظر في غير حاجة، قال تعالى: (قل للمؤمنين يَغُـضُّوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون.. وقل للمؤمنات يَغْـضُضْنَ من أبصارهن ويحفظن فروجهن). (النور 30، 31).

    2ـ الالتزام من جانب المرأة باللباس الشرعي المحتشم، الذي يغطي البدن ما عدا الوجه والكفين، ولا يشف ولا يصف، قال تعالى: (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها ولْـيَـضْرِبْنَ بخُمُرِهِنَّ على جيُوبهن). (النور: 31).
    – يتبع –

  5. يقول الكروي داود النرويج:

    3ـ الالتزام بأدب المسلمة في كل شيء، وخصوصًا في التعامل مع الرجال:.
    أ – في الكـلام، بحـيث يكـون بعيدًا عن الإغـراء والإثارة، وقد قال تعالى: (فلا تَخْـضَعْنَ بالقول فيطمع الذي في قلبه مَرَضٌ وقلن قولاً معروفًا). (الأحزاب: 32).
    ب – في المشي، كما قال تعالى: (ولا يـضربن بأرجلهن ليُعْلَمَ ما يُخْفِين من زينتهن) (النور: 31)، وأن تكـون كالتي وصفها الله بقوله: (فجـاءته إحداهما تمشي على استحياء). (القصص: 25).
    جـ – في الحـركة، فلا تتكسر ولا تتمايل، كأولئك اللائي وصفهن الحديث الشـريف بـ ” المميـلات المائـلات ” ولا يـصدر عنهـا ما يجعلهـا من صنف المتبرجات تبرج الجاهلية الأولى أو الأخيرة.
    4ـ أن تتجنب كل ما شأنه أن يثير ويغري من الروائح العطرية، وألوان الزينة التي ينبغي أن تكون للبيت لا للطريق ولا للقاء مع الرجال.
    5ـ الحذر من أن يختلي الرجل بامرأة وليس معهما محرم، فقد نهت الأحاديث الصحيحة عن ذلك، وقالت :” إن ثالثهما الشيطان ” إذ لا يجوز أن يُخَلَّي بين النار والحطب.
    6ـ أن يكون اللقاء في حدود ما تفرضه الحاجة، وما يوجبه العمل المشترك دون إسراف أو توسع يخرج المرأة عن فطرتها الأنثوية، أو يعرضها للقيل والقال، أو يعطلها عن واجبها المقدس في رعاية البيت وتربية الأجيال. انتهى.

  6. يقول أسامة كلّيَّة سوريا/ألمانيا:

    أخي الكروي، جميل يبدو أننا بدأنا نقترب نحو النقطة الوسط بيننا! بالنسبة لي باختصار أي علاقة إنسانية على أسس نبيلة بغض النظر عن الإنتماء أكان بين رجل وإمرأة أو أي إنتماء إجتماعي آخر، هي علاقة تساهم في بناء المجتمع الناضج السليم. تفاصيل العلاقة يعتمد على المشاركين بها.

  7. يقول ماغون:

    الثقة هي المعيار بالنسبة للمرأة في حال وقوع صداقة. وعن المرأة الفطنة فإنها تختبر فبل أن تربط صداقة نقية؛ وهذا من ضمن كيدهن؛ وفي حال رأت أية خسة من الرجل فإنها لا تقترب منه أبدا وتتحاشي حتى التكلم معه.
    ومع ذلك فإن الخلوة مع غريب تعتبر من الشرور.
    يلاحظ أن المرأة التي عادة ما تبحث عن صداقة هي التي فقدت زوجها وترملت ولكن في مجتمع عربي غير ممكن البوح بالصداقة. وأكثر ما يؤلم إذا ما ترملت المرأة العربية فإنها تدفن أو بالأحرى يقع وأدها في رمال العادات والتقاليد المريضة.

  8. يقول أحمد - لندن:

    ممكنة و لكن ليست كالصداقة بين الحنس الواحد!
    صداقة الرجل و المراة كحقل ألغام للأصدقاء و ذويهم!

  9. يقول مجتهد:

    إلى الذين يؤيدون هكذا علاقات تحت مسميات التحضر والمدنية تارة وتارة تحت مسميات سخيفة كأن يقولون “على اسس نبيلة” وما شابه ذلك أقول ماذا لو دعت أختك أو أمك أو زوجتك صديقها إلى العشاء أو إلى السهرة وكان هذا الصديق أعزب هل سيكون هذا مقبولا سواء أكنت تعيش في أوروبا أو الحفة أو سوريا أو أي بلد عربي أو حتى إسلامي. الكاتبة تتحدث عن مجتمع معين من الناس لهم قيم ومباديء تختلف عن عموم الناس وبالتالي لا يمكن تعميم هذه العلاقات أو تطبيقها على أرض الواقع.

    1. يقول أسامة كلّيَّة سوريا/ألمانيا:

      أخي مجتهد أشكرك على تعليقك وعلى اجتهادك في ذكر الحفة هذه المدينة الصغيرة قرب قريتي! خطر إلى ذهني في الحقيقة فور قراءة تعليقك أغنية أم كلثوم إنت فين والحب فين ظالمه ليش دايمًا معاك! أو بكلام إخر، أنت برأيي لا تتحدث الصداقة بل تتحدث علاقة لا أعرف ماهي. لأن الصداقة تعني إنسان تثق به تمامًا وكان هذا واضحًا في مقال السيدة غادة السمان. أي أن إدخال المعنى الجنسي وكأنه مسألة حتمية! كأن تقول دعاها إلى سهرة! ياأخي ليس هكذا يتم فهم الأمور على الأقل هذا ماأراها أنا. لأن إدخال هكذا قصد في العلاقة بين صديقين تلغي المعنى الذي نقصده لمفهوم الصداقة. هذا كل مافي الأمر.

  10. يقول فانتوماس برلين:

    الأعمار بيد الله!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!

1 2 3 4 5

إشترك في قائمتنا البريدية