بغداد ـ «القدس العربي»: يُنذر انقطاع التيار الكهربائي المتكرر، بالتزامن مع ارتفاع درجات الحرارة وملامستها نصف درجة الغليان، بتجدد الحراك الاحتجاجي في المحافظات الجنوبية في العراق، التي بدأت بوادرها تلوح في الأفق، مع قيام مجاميع من المتظاهرين في مناطق في محافظات ذي قار والديوانية وواسط وغيرها، بالاحتجاج على سوء تزويد مدنهم بالطاقة الكهربائية.
البوادر ذاتها بالإضافة إلى سوء الخدمات وتلوث المياه وانعدام فرص العمل، كانت السبب الرئيسي في اندلاع الحراك الاحتجاجي في الجنوب قبل أكثر من عام، والذي سرعان ما امتد ليصل ليشمل جميع محافظات الجنوب والوسط وصولاً إلى قلب العاصمة العراقية بغداد.
أبرز نتائج الحراك الاحتجاجي المتأتي على خلفية «جمّلة من الإخفاقات الحكومية» كانت أكثر من 700 قتيل و25 ألف جريح، بسبب عمليات القمّع التي تعرض لها المحتجون، الذين تتجدد مطالباتها صيف كل عام، بالإضافة إلى إجبار الحكومة السابقة برئاسة عادل عبد المهدي على الاستقالة نهاية تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي.
ويبدو أن المشهد السابق يتكرر في حكومة رئيس الوزراء الجديد مصطفى الكاظمي، مع عودة الحياة لتظاهرات الجنوب، وتجدد المطالبات بتحسين واقع الطاقة.
لكن الكاظمي سارع باتخاذ إجراء مبكّر يتضمن رفّد المولدات الأهلية بـ«الوقود المجاني» بُغية زيادة عدد ساعات تجهيز الطاقة للمواطنين، كحلٍ وحيدٍ مُتاح من شأنه تهدئة الشارع، فضلاً عن تعقيد ملف الطاقة، حسب مراقبين.
وأفاد مصدر مسؤول، أمس، بتبرع الحكومة العراقية بوقود «مجاني» إلى مولدات الكهرباء الأهلية مقابل «شرطين».
وأضاف: «وزارة النفط ستتبرع بالوقود مجاناً إلى المولدات الاهلية»، مبينا أن ذلك سيكون «مقابل تخفيض الأسعار وزيادة ساعات التجهيز».
ووفقاً للمصدر فإن «هذه المبادرة جاءت بتوجيه من رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي».
الكاظمي، أكد على معالجة أزمة الكهرباء الحالية، مبينا أنها أحد أهم التحديات التي تواجه عمل الحكومة الحالية.
جاء ذلك خلال اجتماع عقده، مع وزيري الكهرباء والنفط، وقال المكتب الإعلامي لرئيس مجلس الوزراء، في بيان، ان الكاظمي، «وجه بتفعيل مشاريع الكهرباء كافة، لاسيما الاتفاقية المبرمة مع شركة سيمينز الألمانية»، مؤكدا، أن «ملف الكهرباء يعد أحد أهم التحديات التي تواجه عمل الحكومة الحالية».
وبين، أن «الفترات الماضية شهدت إنفاق مليارات الدولارات على هذا القطاع، كانت تكفي لبناء شبكات كهربائية حديثة، إلا أن الفساد والهدر المالي وسوء الإدارة حال دون معالجة أزمة الطاقة الكهربائية في العراق، لتستمر معاناة المواطنين التي تتفاقم في أشهر الصيف».
وأوضح الكاظمي، أن «الوزارة السابقة لم تقم بالمشاريع الخاصة بصيانة الكهرباء، الأمر الذي فاقم من مشكلة الكهرباء، لاسيما في هذا الظرف الاقتصادي والمالي الذي يعيشه العراق بسبب انهيار أسعار النفط عالميا نتيجة تداعيات جائحة كورونا».
وأشار إلى أن «الحكومة عازمة على معالجة هذا الملف من خلال تنفيذ الخطط الكفيلة بتطوير قطاعات الإنتاج، وأيضا الوقوف عند المفاصل التي تقف عقبة أمام النهوض بواقع الكهرباء، وسد جميع منافذ الفساد في هذا القطاع الحيوي المهم».
ورغم عشرات المليارات من الدولارات التي أنفقتها الحكومات المتعاقبة منذ عام 2003 على قطاع الكهرباء، غير أن تلك الأموال لم تستطع أن تحقق أي إنجاز ملموس على الأرض، وما يزال العراقيون يُنفقون القسم الأكبر من مدخولاتهم الشهرية، لتأمين الطاقة من المولدات الأهلية.
ويتراوح سعر «أمبير الكهرباء» الواحد لدى المولدات الأهلية 15 ـ 25 ألف دينار (نحو 13 ـ 20 دولاراً)، حسب ساعات التجهيز، وعلى هذا الأساس تُنفق العائلة العراقية «المتوسطة» نحو (75 ـ 125 ألفاً) شهرياً لتأمين القدر المتوسط من حاجتها للطاقة، مع الأخذ بعين الاعتبار عدم قدرتها على تشغيل جهاز تكييف واحد، وسط ارتفاع درجات الحرارة لمعدل الـ50 درجة مئوية، حسب مصادر محلّية.
ودفع «حجم الفساد» و«الهدر» في الأموال المخصصة لوزارة الكهرباء العراقية منذ 17 عاماً، مجلس النواب العراقي إلى تشكيل «لجنة تحقيقية» تتولى مهمة متابعة جميع العقود السابقة المُبرمة في هذا القطاع الحيوي.
لجنة للتحقيق في فساد الكهرباء… والبرلمان يُلزم الوزارة برؤية واضحة لا تتأثر بتغير الوزراء
وبالفعل، عقدت اللجنة التحقيقية في قطاع الكهرباء، أمس، أولى جلساتها برئاسة نائب رئيس البرلمان حسن الكعبي.
وذكر المكتب الإعلامي للكعبي في بيان صحافي، إن «أول جلسات اللجنة التحقيقية في قطاع الكهرباء عقدت اليوم (أمس)، بحضور عدد من الجهات الحكومية الرقابية لكشف الفساد في وزارة الكهرباء».
ونقل البيان عن رئيس اللجنة قوله: «رغم مساعي محاربة الفساد لكننا حتى الآن لم نر استعادة للأموال العامة المهربة ولا دخول فاسد إلى السجن وهذا غير مقبول مطلقا للشارع العراقي».
وأضاف: «صُرِف على قطاع الكهرباء أكثر من تخصيصات الوزارات الأخرى، ولم نشهد حتى اللحظة أي تطور في هذا القطاع».
وتابع الكعبي: «بسبب الفساد وسوء التخطيط في وزارة الكهرباء أوجد لنا محطات توليد بعيدة عن مصادر الوقود وبالتالي فشل إنتاجها»، لافتا إلى أن «تمثيل هيئة النزاهة وديوان الرقابة المالية (في اللجنة) أضاف بُعدا رقابيا شفافا ومحايدا ويًنهي اتهامات الاستهداف السياسي».
وشدد بالقول: «يجب أن تعمل وزارة الكهرباء برؤية واضحة يُصادق عليها مجلس النواب، وتنفذ خلال 5 سنوات، ولا تتأثر بتغير الوزراء وأي خلل يحصل سيتم محاسبة المعنيين».
يأتي ذلك على وقع توجيه رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، أول أمس، بتشكيل اللجنة البرلمانية.
وذكرت الدائرة الاعلامية لمجلس النواب في بيان، أن «بعد التدهور الحاصل في المنظومة الكهربائية والاخفاقات المتراكمة طيلة السنوات السابقة، يترأس النائب الأول لرئيس مجلس النواب حسن كريم الكعبي، اجتماعا موسعا للتحقيق والتدقيق بجميع تعاقدات وزارة الكهرباء منذ عام 2006 لغاية 2020، ومدى مطابقتها للقوانين والتعليمات النافذة ونسب الانجاز المالي والفعلي لكل مشروع وبيان نسب الانحرافات في تلك المشاريع (إن وجدت) وما أسباب عدم دخولها حيز التنفيذ وماهي الإجراءات المتخذة بحق المتلكئين وهل حققت هذه المشاريع المصلحة العامة».
وأضاف أن «للجنة طلب الوثائق والمعلومات وطلب حضور أي شخص من المعنيين للإدلاء بإفاداتهم أو توضيح موقف أو بیان معلومات بشأن ذلك، على أن ترفع اللجنة نتائج التحقيق والتوصيات إلى رئاسة المجلس لعرضها على أعضاء مجلس النواب لاتخاذ القرار المناسب بشأنها».
وأعضاء اللجنة وفقا للوثيقة هم (رئيس ديوان الرقابة المالية وكالة، رئيس هيئة النزاهة وكالة، مدير عام التحقيقات في هيئة النزاهة، رئيس لجنة النفط والطاقة والثروات الطبيعية، رئيس لجنة النزاهة، رئيس لجنة الخدمات والأعمار، رئيس لجنة الاقتصاد والاستثمار)».
في المقابل، رحبت وزارة الكهرباء، بتوجيه رئاسة مجلس النواب تشكيل لجنة برلمانية للتدقيق والتحقيق بتعاقدات الوزارة.
وقال المتحدث باسم الوزارة أحمد موسى في تصريح للوكالة الرسمية، إن «الوزارة رحبت سابقا وترحب مجددا بتشكيل أي لجان برلمانية لمراجعة عقود الكهرباء»، لافتا إلى أن «اللجنة التي أراد مجلس النواب تشكيلها لمراجعة عقود الكهرباء منذ عام 2005 ولحد الآن، ستتواصل الوزارة معها بفتح جميع الأبواب وتهيئة جميع المستلزمات اللازمة لإنجاح عملها بمراجعة عقود الكهرباء منذ عام 2005 ولغاية 2019».
وأضاف، أن «الوزارة تجدد ترحيبها بتلك اللجان المشكلة والأبواب مفتوحة أمامه ومشرعة وكل التسهيلات اللازمة لإنجاح عملهم سوف تكون حاضرة».
كذلك، عبر النائب ظافر العاني، عن تأييده فتح ملفات الفساد التي تخص وزارة الكهرباء، وذلك عقب إعلانا البرلمان تشكيل لجنة تحقيق بشأن ذلك.
وقال العاني في تدوينة، إن «من حق الناس أن تعرف أين ذهبت 40 مليار دولار على الكهرباء ومازالوا يعانون الظلام والمرض بينما المسؤولون عن ملفات فساد الكهرباء ينعمون بالأضواء والتبريد والراحة».
وأضاف: «نساند خطوة رئيس مجلس النواب بفتح ملفات فساد الكهرباء منذ عام 2003 والتحقيق فيها»، خاتما كلامه بـوسم «العراق بدون كهرباء».