نكبتنا ليست بسبب صندوق النقد الدولي… والنجاة منها تحتاج فكرا وعقولا… وإنقاذ الجنيه ليس بالكلام

حسام عبد البصير
حجم الخط
0

القاهرة ـ «القدس العربي»: بسبب ارتفاع سعر الذهب أوقف العديد من الشباب المضي قدما في إتمام مشاريع زفافهم، وبسبب الجنون الذي أصاب أسعار الدجاح واللحوم، تحول العديد من الأسر للبروتين النباتي، غير أن الارتفاع الكبير في أسعار البقوليات كافة جعل أغلبية المواطنين في موقف لا يحسدون عليه. وخلال الأيام الماضية تصاعدت أصوات المطالبين بفرض تسعيرة جبرية للتخفيف من معاناة السواد الأعظم من المصريين، وفي محاولة للتصدي لظاهرة اختفاء بعض السلع، تواصل الحكومة إقامة المزيد من الأسواق المتنقلة والشوادر لتوفير السلع الغذائية بأسعار في متناول الجميع. ومع اقتراب شهر رمضان أعلنت وزارة التموين إقامة العديد من المعارض لمحاصرة حالة السخط المتزايد التي تشكل تهديدا لحالة الاستقرار.
ومن أخبار الحكومة: تبدأ وزارة التموين تطبيق نظام صرف الخبز البلدي المدعم لغير المشمولين بالدعم بسعر التكلفة من خلال كارت مسبق الدفع حسب تصريحات الدكتور علي المصيلحي وزير التموين، وتم أمس الأربعاء بدء التجربة في مخبزين، حتى يتم اعتماده والربط مع الجهات المعنية كافة، وتتيح وزارة التموين الخبز المدعم من خلال 30 ألف مخبز حكومي على مستوى الجمهورية، تقدم الخبز لأكثر من 70 مليون مواطن، ويصل عددها إلى 100 مليار رغيف خبز سنويا، وحوالي 275 مليون رغيف يوميا وهذا ما زاد أعباء الدولة بحوالي 10 مليارات جنيه في السنة. ومن الأخبار العامة: وافق مجلس الوزراء على سفر التابوت الخشبي الخاص بمومياء الملك رمسيس الثاني، وضمه إلى قائمة القطع الأثرية لمعرض “رمسيس وذهب الفراعنة”، بدءا من إقامة المعرض في باريس خلال الفترة من 1 إبريل/نيسان 2023 حتى 17 سبتمبر/أيلول 2023.. ومن أخبار المحليات: أعلن اللواء هشام آمنة وزير التنمية المحلية تصديق الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء، على الحركة السنوية لقيادات الإدارة المحلية في المحافظات التي تتضمن تعيين ونقل 125 قيادة محلية في 25 محافظة.. وأثار الدكتور مصطفى الفقي موجة من الجدل بعد تصريحاته الأخيرة حين قال، إن توفيق الحكيم كان أحق من نجيب محفوظ بجائزة نوبل في الأدب، حيث إن اللجنة المانحة في الأكاديمية السويدية لم تمنحه الجائزة لأنه كتب في الإسلاميات. اعتبر بعض المثقفين كلام الدكتور مصطفى الفقي لا يعدو كونه رأيا شخصيا، وأشار البعض إلى أن قصة استبعاد الحكيم لكتابته في الإسلاميات هي من نسج خيال الفقي. فكتب محمد شعير: “نظرية المؤامرة اللي عند الإسلاميين اللي شايفين محفوظ خد الجايزة بسبب أولاد حارتنا هي نفسها عند مصطفي الفقى اللي شايف أن الحكيم لم يحصل على الجائزة لأنه كتب في الإسلاميات “. ومن أخبار الحوادث: قررت وزارة الداخلية اتخاذ الإجراءات القانونيـة ضد 3 أشخاص لقيامهم بغسـل قرابة 35 مليون جنيه من حصيلة الاتجار في المواد المخدرة.
لا تلطموا الخدود

لا شيء مستحيل على حد رأي محمد أمين في “المصري اليوم”، فما زلنا نملك الحل، وما زلنا نستطيع الإنتاج.. يجب ألّا نلطم الخدود فقط.. الشرط الوحيد للخروج من الأزمة هو الإنتاج ثم الإنتاج، سواء كان إنتاجا زراعيّا أو صناعيّا.. الإنتاج هو عصا موسى، يعني فرص العمل، ويعني تقليل الاستيراد، ويعني توفير السلع للمواطنين.. وإذا كنا قد انشغلنا عنه، فما لا يُدرك كله لا يُترك كله. الجنيه المصري لن يقوى بالكلام، ولكن بالإنتاج والتصنيع.. القصة ليست في الأزمة الروسية الأوكرانية. ويمكن تمويل المصانع المتعثرة أو المتوقفة من البنوك.. المهم أن يكون الوعي موجودا لدى إدارات البنوك، فهي لن تفعل شيئا بالمليارات المودعة لديها، ولا بد أن تقود هذه البنوك بودائعها عملية التنمية، والبنوك تعرف أصحاب المصانع، وكانت ترفضهم، والآن جاء الوقت لتبحث عن الجادين الذين لديهم فرصة، فالصناعة هي الحصان الأسود، ويمكن أن تقوم بعملية إفاقة للاقتصاد، وتعطى قبلة الحياة للمصريين من جديد. وبالمناسبة، فإن إغلاق المصانع يعني ارتفاع الأسعار، ويعني حالة بطالة، وتسرب الشباب للمقاهي، وقد توسعت الدولة في بناء الكافيهات على حساب المصانع والورش للأسف، وكان من نتيجة ذلك الاختلالات التي رأيناها وأدت إلى إغلاق المصانع، وتشريد العمال.. هناك ظروف قهرية نعرفها لا دخل لنا فيها، ولكن أيضا هناك ظروف نملكها، وما زلنا نملكها كي نتنفس، وتعود لنا الحياة.

يجب ألا نستسلم

السؤال الذي يشغل بال محمد أمين هو: لماذا يحصل كبار المستثمرين على القروض التي يريدونها، بينما صغار المستثمرين لا تفتح لهم البنوك أبوابها، مع أن هؤلاء هم الذين يستطيعون فتح باب الأمل للناس؟ ودعوني أتساءل: ما نتائج مبادرة البنك المركزي لدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة؟ كم مصنعا تم تشغيله؟ كم مصنعا عاد إلى طبيعته في العمل والإنتاج؟ أنا شخصيّا أعرف مستثمرين داخوا حتى يحصلوا على قرض لإعادة تشغيل المصنع، مع أنها مبالغ بسيطة في لغة البنوك، ولكنهم لم يجدوا مَن يساعدهم، مع أن المنتج سهل، ومع أن الأسواق مفتوحة، وهي صناعة كثيفة العمالة، ولم يعد أمامهم غير بيع المصنع. أين المبادرات التي سمعنا عنها وما نتائجها؟ وكيف أسهمت في حل مشكلات الصناعة؟ هل كنا جادين فعلا؟ هل ينبغي أن نبدأ من جديد؟ أم أنه لا فائدة، وأننا أصبحنا في مواجهة الطوفان؟ كانت لدينا فرصة أهدرناها، ولكنها ما زالت قائمة لو توافرت لها الجدية وأحسسنا بالخطر.. أولا: لا بد من حصر المصانع المتعثرة.. وثانيا: لا بد من مدّ مهلة سداد المديونيات، وجدولة الديون، وإسقاط الفوائد، وإيقاف الأحكام القضائية، واعتبارها من قبيل دعم السوق لتوفير فرص عمل للشباب. وأخيرا تشكيل حكومي جديد بسياسات جديدة، فالهدف ليس هو تغيير الحكومة والسلام.. واعتبار الحكومة في حالة حرب، على أن يتضمن التشكيل الجديد تعيين وزير للمشروعات الصغيرة، يقدم تقريرا للشعب كل شهر، ماذا فعل، وما المعوقات التي تقف في طريقه. يجب ألّا نستسلم أبدا.

الأحفاد سيرثون النكبة

تشير الكتابات حول الاتفاق مع الصندوق إلى أنه لا يمثل العصا السحرية التي كان البعض يأملها ويتمناها. فلا يزال أمام مصر، كما أوضحت الدكتورة ماجدة شاهين في “الشروق”، الكثير لإنجازه قبل أن تخرج من عنق الزجاجة، سواء بالنسبة لخطة تخارج الحكومة أو تهيئة الفرص المؤاتية للقطاع الخاص، الذي فقد على مدى السنوات الماضية كل حافز ودافع على الاستثمار والمخاطرة في إقامة المشاريع، التي يحتاجها الاقتصاد المصري. فبعد أن خاضت مصر مفاوضات صعبة ومعقدة لأكثر من تسعة أشهر بشأن قرض كان من المتوقع أن يتراوح ما بين 10 و15 مليار دولار، كانت النتيجة بعيدة عن كل التوقعات، حيث جاء القرض بقيمة 3 مليارات دولار. وهذا ليس غريبا في ظل مطالبة المفاوض المصري بالمرونة في إتاحة مساحة سياسية أكبر، ومزيد من الوقت للانتقال التدريجي تحسبا لأي مظاهرات. وجاءت تلك المرونة على حساب حجم القرض الذي لم يتعد ثلث ما طالبت به مصر في البداية. بيد أنه يتعين علينا التذكير بأنه على مدى السنوات الخمس الماضية، قدّم الصندوق أكثر من 18 مليار دولار لمصر، ومصر ثاني أكبر مقترض للصندوق بعد الأرجنتين. وتم الاتفاق على أن دور البرنامج الجديد هو تيسير ربط مصر بمصادر التمويل، وإن كان ذلك يتطلب العمل من جانبنا على إعادة تقييم الإطار التنظيمي والقواعد الجاذبة للاستثمار وتحديد أولوياتنا في الصناعة المستهدفة لتعزيز صادراتنا. ويسعى هذا المقال إلى التمييز بين الالتزامات التي تعهدت الحكومة بها، والتي تقوم على ثلاثة محاور رئيسية ومعروفة: سياسة الحماية الاجتماعية والعقد الاجتماعي ووثيقة ملكية الدولة. علينا أن نفهم قبل كل شيء أنه لا يمكننا إلقاء اللوم لما تعانيه مصر اليوم على عاتق الحكومة وحدها، أو القطاع العام أو القطاع الخاص منفردا، أو القوى العاملة أو المجتمع المدني أو مفكرينا ومثقفينا، فإن المسؤولية تقع على الجميع معا. فلن يتمكن أحد من تخفيف العبء عن كاهل مصر وشعبها، دون تنسيق وتضافر الجهود بين الجميع. وللأسف، بتخاذلنا سنكون المذنبين الرئيسيين في نقل معاناة مصر إلى الأجيال القادمة.

الصندوق طيب

إن تفاقم الأزمة الحالية وتزايد المعاناة التي نعيشها، يجعلان الوقت أكثر إلحاحا وفق ما ترى الدكتور ماجدة شاهين لمواجهة التحدي الذي تطرحه هذه الأزمة وإحداث التحول اللازم في جميع المجالات، وعلى مختلف المستويات. فإذا كان على الحكومة أن تتبع سياسات مستهدفة وطويلة الأجل وتجنب السياسات المرتجلة والتعسفية للتعامل مع المواقف الناشئة، فإنه يتعين على القطاع الخاص الوطني أن يكون خط الدفاع الأول للاقتصاد والصناعة، لجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة وإحراز التقدم المستهدف. أما المجتمع المدني، وفي ظل مجتمعاتنا المفتوحة، أصبح دوره ضروريا وملحا، لأنه المرآة التي تعكس حالة المجتمع الذي نعيش فيه. فهو المعيار الأساسي لتعزيز مصالح المواطن وإطلاعه بشفافية كاملة على إيجابيات وسلبيات سياسات الحكومة وأنشطة شركات القطاع الخاص. وبناء عليه، يعمل المجتمع المدني كأداة لتحدي إخفاقات النظام وزيادة وعي المواطن بما يعود بالنفع على المجتمع ككل. يخطئ أولئك الذين يعتقدون أن اتفاقية الصندوق جاءت لإزالة الحماية الاجتماعية من أجل معالجة عجز الميزانية. وإذا كانت تلك هي سياسات الصندوق في بداية تدخله في شؤون الدول للدفع ببرامج إصلاح وتوجيهات موحدة، فقد تعلم الدرس بعد التظاهرات العنيفة التي أودت بهذه السياسات، ورفض كثير من الدول بعدها التعامل مع الصندوق. ويعمل الصندوق اليوم بشكل وثيق مع من يضع السياسات. فلم يعد الصندوق يعارض سياسات الحماية الاجتماعية ومساعدة أولئك الذين يعيشون تحت خط الفقر، وهم الأكثر تضررا من سياسات الصندوق، خاصة المتمثلة في تعويم الجنيه وإلغاء الدعم. فلم يعد الصندوق يمانع توسيع نطاق الحماية الاجتماعية شريطة أن تذهب لمستحقيها.

غياب الشفافية

اعترفت الحكومة في خطاب النوايا لبرنامج الإصلاح الاقتصادي الجديد، الذي دخل حيز التنفيذ خلال الأيام الأخيرة، بأنها التزمت بإبطاء وتيرة الاستثمار في المشاريع العامة، بما في ذلك المشاريع القومية، للحد من التضخم والحفاظ على العملة الأجنبية. الاعتراف جاء كما أوضح محمود الحضري في “المشهد” عبر تقرير لخبراء صندوق النقد الدولي، الذي قال إن الحكومة المصرية التزمت بمرونة العملة ودور أكبر للقطاع الخاص ومجموعة من الإصلاحات النقدية والمالية، لتنفيذ اتفاق على حزمة دعم مالي بقيمة ثلاثة مليارات دولار مع الصندوق. وخطوة الحكومة بشأن “إبطاء وتيرة المشروعات القومية”، تأخرت كثيرا، وطالب بها خبراء ومتخصصون مصريون على مدى السنوات الماضية، قبل أن يطالب صندوق النقد بها، رغم محاولات الحكومة نفي أي إبطاء أو تأجيل لمشروعات قومية، إلا أن تقرير صندوق النقد وضع النقاط على الحروف، وكشف ما تم التوصل إليه، من التزام الحكومة بمجموعة تعهدات خلال المرحلة المقبلة، على رأسها تخفيض مستمر لسعر الجنيه أمام الدولار، وبالتالي أمام باقي العملات الأجنبية والعربية. والأهم هو وقف الإنفاق على المشروعات العامة، إلا أن تقرير صندوق النقد لم يحدد المشاريع التي ستخضع لبرنامج تخفيض الإنفاق عليها، أو وقفها تماما، أو ربما تأجيل البعض منها لأجل غير مسمى، طالما أنها لا تمثل أهمية في هذه المرحلة. ومن المهم أن تخرج الحكومة على الناس بحالة عالية من الشفافية، وتكشف عن مختلف ما ستنفذه من برامج ضمن التزاماتها في خطاب النوايا، الذي سيخضع لرقابة ومتابعة من صندوق النقد الدولي، فالأولى أن يعرف الشعب “رأسه من رجليه” في ملف مهم يمس حياة كل فرد، ولا يمكن أن يبقى الشعب “كالأطرش في زفة الإصلاح الاقتصادي”، بل الأهم أن يمارس مجلس النواب دوره في دعوة الحكومة لتقديم توضيحات عن كل التفاصيل الواردة في خطاب النوايا وجدول تنفيذها، حتى لا يفاجأ الشارع بقرارات تؤثر في حياته، من رفع لأسعار الخدمات والسلع الاستراتيجية.

وسيلة الفاشل

لا بد وفقا لمحمود الحضري من توضيحات صريحة تقدمها الحكومة عن تعهداتها بتحريك أسعار الكهرباء والمحروقات، حتى أسعار المياه وأسعار أي رسوم وضرائب عامة وعلى الدخل، وغيرها من التعهدات. ولا شك في أن ترك الأمور للمفاجأة لم يعد يصلح، فلا بد من أن يكون الشعب على بينة بكل ما يجري، فالشفافية هي عنوان المصداقية، والسرية هي وسيلة الفاشل. الحكومة التزمت وبالوثائق بالعديد من الأمور، منها عدم التدخل في أسواق العملة الأجنبية لتحقيق الاستقرار، إلا في حالات التقلب الشديد، مع السماح لسعر الجنيه بالتقلب أكثر من ذي قبل، منذ خفض قيمته للمرة الثالثة في أقل من عام، وهو ما تكرر في اليوم التالي لإعلان صندوق النقد عن تفاصيل خطاب نوايا الحكومة، حيث تم تخفيض قيمة الجنيه بنسبة وصلت 14%، وهي النسبة التي تضاف لتخفيضات سابقة، وصلت في مجملها إلى أكثر من 100%. ومن الأمور التي يجب أن يتم الكشف عن تفاصيلها، ما التزمت به الحكومة بالتخلي عن غالبية برامج الإقراض المدعوم، وضمان أن تظل أسعار الفائدة بين البنوك “مرتبطة ارتباطا وثيقا” بنطاق أسعار الفائدة الذي يقرره البنك المركزي، وهو ما تستهدف الحكومة من ورائه تعزيز كفاءة السياسة النقدية. والشفافية هناك تعني أهمية الكشف عن تداعيات هذا على الأسواق، وكيفية مواجهة تأثيراته. ومن الأسئلة المهمة التي يجيب أن تجيب عليها الحكومة “هل كان الطريق الوحيد لحل الأزمة، هو طلبها من صندوق النقد الدعم، بعدما أدت الحرب في أوكرانيا إلى زيادة مواطن الضعف الحالية؟ أم كانت هناك حلول أخرى؟ بعيدا عن شروط هذا الصندوق؟ والسؤال الآخر والمهم أيضا هل كان قرارالدخول في العديد من المشروعات القومية، وبناء مدن جديدة وشبكات الطرق الواسعة والكباري هل هذا خطأ أم صواب؟ الإجابات الشافية والوضوح مسألة ما زالت غائبة، لا يمكن أن تظل الحكومة والقيادة السياسية في حالة صمت عليها، فالناس تريد أن تعرف الحقيقة.

بلا قلب

الأزمة الاقتصادية التي تضرب العالم قد تكون وفق ما أشار إليه جلال عارف في “الأخبار” الأسوأ منذ الحرب العالمية الثانية.. المنظمات والهيئات الدولية تحذر من عام صعب على الجميع. كل الدول بما فيها الأقوى اقتصاديا تعاني.. حتى أمريكا التي تلجأ لإجراءات استثنائية، والصين التي سجلت أقل نسبة نمو تحققها منذ ما يقرب من خمسين عاما.. فما بالنا بالدول الفقيرة وتحذيرات الأمم المتحدة من سقوط مئات الملايين في بحر الفقر الذي تزداد مساحته. الوجه الآخر للأزمة والأكثر غرابة وما يسلط عليه الضوء التقرير المهم لمؤسسة «أوكسفام» العالمية، الذي يكشف أنه بينما الغالبية العظمى من البشر تعاني من آثار الأزمة الطاحنة، كان
الـ1% الأكثر غنى في العالم يضاعفون ثرواتهم لتصبح ضعف ما يذهب إلى نصف سكان العالم الأكثر فقرا، وكانت بضعة مليارديرات يضيفون إلى ثرواتهم في عام كورونا 2.7 مليار دولار كل صباح. وبينما كانت أسعار الغذاء أيام كورونا وأسعار الطاقة في ظل حرب أوكرانيا تضرب الجميع.. كانت شركات الدواء والغذاء والطاقة تحقق أرباحا خيالية. والغريب أن التقرير يكشف عن حقيقة أن أغلب المليارديرات هم أكثر المتهربين من الضرائب أيلون ماسك لم يدفع أكثر من 3.2% كضريبة طوال خمسة أعوام، ومؤسس شركة أمازون جيف بوس كان يدفع أقل من 1%.. والبركة في الملاذات الآمنة والفساد الذي يسمح بالتلاعب الضريبي في أسوأ صوره. التقرير يوصي بفرض ضرائب أعلى على أرباح الواحد في المئة الأكثر ثراء، وبضرائب استثنائية لمرة واحدة، كضريبة تضامن وبالعمل على وقف التربح من الأزمات، وبإجراءات تعيد تدريجيا توزيع الثروة.. لكن السؤال هو كيف يتم ذلك في ظل النفوذ الواسع للمال على عالم السياسة؟ يحتاج الأمر لأن يدرك الجميع أن استمرار هذا الوضع مستحيل، وأن الخطر كبير والتغيير ضروري.. ويحتاج الأمر لأن يدرك «الواحد في المئة» قبل غيرهم أن نظاما أكثر عدالة هو القادر على البقاء، وأن العالم بعد الأزمة الحالية لن يكون كما كان قبلها.

مطلب كارثي

تسبب الدكتور أسامة الغزالي حرب في جدل واسع في “الأهرام”، بسبب مقاله الذي حمل العنوان التالي “فلنلغ مجانية التعليم”: هذا نداء مني، أنا كاتب هذه السطور، إلى إلغاء مجانية التعليم السائدة رسميا الآن في مصر. أقول هذا وأنا من أشد المتحمسين مبدئيا، وكنت أيضا في مقدمة المنتفعين من تلك المجانية، وتعلمت في المدارس الأميرية في شمال القاهرة، تعليما راقيا متميزا، في المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية، دون أن يدفع أبي مليما واحدا في الفترة من 1953 إلى 1965 وانطبق ذلك أيضا على تعليمي في جامعة القاهرة من 1965 إلى 1969. غير أننا نعلم جميعا أن الدنيا قد تغيرت تدريجيا وجذريا، فتدهورت المدارس العامة التي يدرس فيها أبناء الغالبية الشعبية، إلى أن أصبحت ـ بمجرد بدء العام الدراسي- مجرد أطلال خاوية على عروشها، ليقعوا فريسة سهلة للدروس الخصوصية والسناتر التي تلتهم النسبة الأكبر من دخولهم. أما الطبقات المتيسرة فقد لاذت بالمدارس الخاصة، متعددة الأشكال والألوان والجنسيات والدرجات، من المدارس الأمريكية والإنكليزية والفرنسية والألمانية والإيطالية العريقة، إلى المدارس الجديدة، مثل المدارس اليابانية، فضلا عن مئات أو آلاف المدارس المصرية والعربية الخاصة، بفئاتها المتوسطة أو باهظة التكاليف. الفقراء إذن ـ تحت لافتة مجانية التعليم – يدفعون دم قلبهم للدروس الخاصة والسناتر، ويفتقدون بالطبع كل معاني وفضائل المدرسة كمؤسسة شاملة للتعليم وللتربية الثقافية والفنية والرياضية، لماذا إذن نخدع أنفسنا ونصر على رفع شعار نعلم أنه فقد مضمونه تماما.. تماما التعليم تكلفته هائلة (مبانٍ، ومرافق، وأجور عاملين، ورواتب مدرسين…). أليس الأولى أن تدفع الأسرة المصرية مصاريف للمدرسة، بدلا من أن تدفعها للدروس والسناتر؟ أليس من الواجب أن يكون راتب المعلم – كما هو في كل الدول المتقدمة – من أعلى الرواتب في الدولة ليتفرغ لوظيفته ومهامه التعليمية والتربوية في المدرسة؟ إنني أستذكر هنا قول الرئيس السيسي “المدرس بياخد ثلاثة أو أربعة آلاف جنيه، إزاي ها يديني تعليم كويس، ويطلع طالب متميز» (من مداخلة الرئيس الهاتفية مع الإعلامي يوسف الحسيني في 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي). التعليم المجانى انتهى تماما فعليا… ولنأمل أن نعود إليه يوما، حين ميسرة.

أيهما أحق بها؟

بخلاف الكثير من الكتاب لم ينزعج سيد محمود في “الشروق” من تصريحات الدكتور مصطفى الفقي حول توفيق الحكيم ومدى أحقيتة لجائزة نوبل، حيث مات دون أن ينالها وسبب ترحيب الكاتب بالجدل المثار حول القضية لأنه أعاد الحكيم إلى النقاش العام في صحافتنا الثقافية، التي كانت قد تجاهلته تماما وأصبح من النادر العثور على مقال حول أعماله ومواقفه، وهذه خدمة كبيرة من الفقي يستحق أن نشكره عليها قبل أن نراجعه في ما قال. الأكيد أن الحكيم يستحق الفوز بجائزة نوبل لأن ريادته ليست محل شك وبيننا من يتذكر أن نجيب محفوظ نفسه حين فاز بنوبل (أكتوبر/تشرين الأول 1988) حمد الله كثيرا لأن هذا الفوز جاء في أعقاب وفاة الحكيم، وإلا تعرض للكثير من الحرج، فكيف له أن يفوز بجائزة كان أستاذه أولى بها منه، بل إنه صرح في أكثر من لقاء بأن يحيى حقي جدير بها أكثر منه، ورد حقي في مقابلة مع الراحل فاروق شوشة أكد فيها أنه سعيد بالعيش في زمن محفوظ. ويبقى في كلام الفقي الكثير مما يستحق التعليق والمراجعة وبالذات الحديث عن أن استبعاد الحكيم من الجائزة بسبب كتاباته الإسلامية، وهذا افتراض غير دقيق، لأن إسلاميات الحكيم لم تكن خطا رئيسيا في مؤلفاته، وإنما هي انعطافة في مسيرته جاءت على خطى أساتذة عاصروه أو سبقوه من الليبراليين. وفي ما يتعلق بالحكيم ونوبل فهي مسألة جديرة بالدراسة، لأن الرجل سعى حثيثا ليحصل عليها، بل أستطيع الزعم بأن دعمه للسادات في زيارة إسرائيل جاء في إطار هذا السعي، فقبل هذا الدعم كان السادات يصفه بالعجوز المخرف بسبب بيانه الشهير لمناصرة الحركة الطلابية. لكن بعد تأييد الحكيم لكامب ديفيد قام السادات بالاتصال بالسفارة المصرية في السويد طالبا من السفير المصري هناك أن يتحدث إلى الدكتور عطية عامر الاستاذ في جامعة ستوكهولم ليساعد في حث الأكاديمية السويدية المانحة لنوبل ودعم فرص الحكيم في الحصول عليها كمرشح رسمي وهي مسألة مثيرة للسخرية.

أسراره مذهلة

بعدما أثار مصطفى الفقي ما أثاره بشأن الحكيم ونوبل نشرت هالة القوصي الواعية بقيمة ما لديها من أوراق. تابع سيد محمود: ترجمت القوصي مسودات لخطابات كتبها الحكيم إلى جان دورميسون مدير في اليونسكو يوضح فيها موقفه المساند كلية للتطبيع. المسودة الأولى تعود لنهاية السبعينيات وفيها يتساءل الحكيم وقد كان وقتها رئيسا لاتحاد كتاب مصر: “كيف أجد السبيل إلى جمع الكتاب من جميع البلاد حول عالمية مهمتهم من أجل تقدم الإنسانية”؟ وهناك مسودة أخرى من خمس صفحات أيضا يشكر فيها صديقه على تعاطفه معه بمناسبة موت ابنه الوحيد إسماعيل، ويقول فيها “لأسترخي بعض الشيء كنت قد خططت لرحلة، لكن بسبب الإرهاب ينصحني أصدقائي بعدم ترك بلدى وخصوصا بعد اغتيال نائب رئيس اتحاد الكتاب (يوسف السباعي). كانت جريمته التي استحق عليها الموت أنه انضم لمبادرة السادات وزيارته للقدس. أنا نفسي كتبت في كل مكان للتصديق على هذه الزيارة. في جميع المراسلات دعا الحكيم صراحة لتعاون ثقافي بين البلدين قائلا (اليوم بعد السلام بين مصر وإسرائيل لا بد من إقامة صداقة حقيقية بين الشعبين). وبتعبيره هو فإن هذه الدعوة “أثارت غضب المتشددين” وقال “وضعوني على «القائمة السوداء». ماذا فعلت؟ هل الدعوة للحب والعدل بين شعوب المنطقة جريمة؟ رؤية الإسرائيليين والفلسطينيين مستقرين في سلام، كل في وطنه، أليس هذا حلم كل العالم؟”. توقع الحكيم قيام دولة فلسطينية طيبة في إحدى المسودات وكتب “منذ بضعة أسابيع تلقيت زيارة من عضو الكنيست السيد يوري أفينيري، الذي كان لتوه قد قابل الرئيس مناحم بيغين ونقل لي عنه رأيه في أن إقامة دولة فلسطينية مجاورة هو خطر حقيقي على أمن إسرائيل. وقد أجبته: هذا ما هو إلا افتراض. من يدري؟ هناك أيضا احتمال آخر. لا شيء يمنع من اعتقاد أن دولة فلسطينية من الممكن أن تكون جارة طيبة لإسرائيل. لماذا نفقد الأمل؟”. يستحق ما لدى هالة القوصى أن ينشر على نطاق واسع وبشكل كامل ومحقق يربطه بالسياق العام الذي أنتج فيه، والمعارك المرتبطة بنوبل بالتطبيع وهي معارك ستتكرر دائما كلما بلغ أحد الكتاب العرب منصة التتويج العالمي.
خطورة التسريبات

أزمة مختلفة تواجه الساحرة المستديرة القى الضوء عليها عادل عقل في “اليوم السابع”: التحكيم يمرّ بالعديد من الأزمات، منذ بداية الدور الثاني للدوري الموسم الماضي، واستمرار حالة التخبط والعشوائية التي يدار بها التحكيم المصري، حتى بعدما تولى المسؤولية الإنكليزي مارك كلاتبيرغ في 15 أغسطس/آب الماضي بعد رحيل عصام عبد الفتاح، إلا أنه حتى الآن لم يقدم مارك المردود الجيد والأداء المنتظر منه للتطوير التحكيم، لأن هذا هو الهدف من التعاقد معه، حسبما أعلن مجلس الجبلاية برئاسة جمال علام، أنه جاء لتطوير منظومة التحكيم طبقا للأساليب العلمية الحديثة التي يدار بها التحكيم في كل البطولات الدولية والقارية. لكن بكل أسف لم يقدم كلاتبيرغ أي جديد، بل لم يقدم خطة للتطوير تنفذ باستراتيجية معينة، حتى أنه لم يستطع أن يستفيد منه بعض العناصر الموجود في اللجنة التي تمتلك الخبرات، إلى جانب أنه اعتمد على التواصل مع الحكام وأعضاء اللجنة التي اختارتها الجبلاية أون لاين، من خلال برنامج “زووم”، نظرا لأنه ليس لديه وقت لمتابعة أعمال ومهام لجنة الحكام، نظرا لانشغاله أغلب الوقت. كما شهدت اختيارات أطقم الحكام لمباريات عشوائية غير مسبوقة وتكرارا لعدد من الحكام والمساعدين والـ”VAR” على حساب تجاهل عدد ليس قليلا، وبُعدهم عن المشهد دون إبداء أسباب منطقية، إلى جانب وجود حالة من القلق بعدما ظهرت مؤخرا تسريبات أخبار اللجنة وحوارات كلاتبيرغ مع الحكام، خاصة في القرارات الجدلية، وبدأت الجبلاية تبحث عن صاحب هذه التسريبات، التي زادت في الفترة الأخيرة، إلى جانب كواليس اختيارات أطقم الحكام والنقاش الذي يدور في هذا الشأن يتم تسريبه بشكل غريب يثير الدهشة، لأن التسريبات بدأت تثير أزمة داخل مبنى الجبلاية لمعرفة من هو الذي يتولى مهمة تسريب الأخبار والتعليمات، وكواليس اختيارات أطقم الحكام، والنقاش الذي يدار خلال هذه اللقاءات في مشهد غريب على منظومة التحكيم، ما جعل الجبلاية تتوعد. ولم ينكشف الأمر في هذا الشأن في رحلة البحث لعودة الاستقرار والهدوء إلى أسرة التحكيم حتى الآن، خاصة اللجنة الرئيسية التي شهدت تغييرات عديدة في التشكيل في الفترة الأخيرة، وجدلا كبيرا حول الاختيارات وهل هي اختيارات كلاتبيرغ، أم مجلس علام، وكل يبعث القلق والتوتر داخل اللجنة، ويؤثر بشكل كبيرا في أدائهم كفريق عمل.

مرحبا بهم

فرصة تراها أمينة خيري في “المصري اليوم” ذهبية للحكومة: البريطانيون يتحدثون في ما بينهم عن «أوبشن» (اختيار) مصر ضمن أبرز الاختيارات العاجلة والجيدة والمواتية المطروحة للهروب من برد الشتاء، ولسعة الفواتير الأشد فتكا من الطقس القاسي. عائلات كثيرة توجه أفراد منها، لاسيما الأكبر سنا إلى مصر لقضاء ما تيسر من أسابيع الشتاء. شبكة تلفزيون «آي تي في»، البريطانية، أذاعت تقريرا رائعا عن متوسط كلفة الإنفاق الشهرية، بين سكن وغذاء ومواصلات وفواتير ماء وتلفزيون (نعم يدفعون فاتورة شهرية للتلفزيون) وغاز وكهرباء. وهذه الأخيرة، فواتير الغاز والكهرباء تستهلك وحدها نحو 68 جنيها استرلينيا شهريا من مجموع 877 جنيها إسترلينيا تقريبا لكل شخص في المتوسط. ولأن كثيرين باتوا عاجزين عن سداد فواتير الطاقة، فإن فقرات البرامج والصحف والإذاعة وغيرها، لا تخلو من طرح بدائل. أحد البدائل هو السفر لمكان آخر تكون كلفة الإقامة فيه وظروفه أفضل للمسافر البريطاني، على الأقل لحين انتهاء الشتاء. تقرير «آي تي في» عرض قائمتين للمقارنة، الأولى لمتوسط كلفة المعيشة الشهرية للشخص في شهر، وأمامها كلفة المعيشة لشخص في مصر في فندق أربعة نجوم. تذكرة السفر والإقامة في فندق وإمكانية تناول الوجبات في ستة مطاعم مختلفة، بالإضافة إلى استخدام حمامات السباحة والترفيه المسائي. كلفة الإقامة في مصر بهذه المواصفات هي 650 جنيها إسترلينيا، أي أن المسافر البريطاني يوفر 227 من مصروفاته الشهرية.

تعديل سلوك

مضت أمينة خيري معددة المزايا التي يتمتع بها السياح: ليس هذا فقط، بل إنه يحظى بشمس ذهبية وترفيه لم يكن يحلم بربعه في بريطانيا. ألا تستحق هذه الفرصة الذهبية التي قلما يجود بها الزمان في ظل الظروف الاقتصادية بالغة الصعوبة، التي تحكم قبضتها على مشارق الأرض ومغاربها، ونحن جزء من الأرض، أن «نصحى لأنفسنا».
ونقتنص الفرصة ونبني عليها للمستقبل؟ ألا تستحق هذه الفرصة القادرة على المساهمة بقدر غير قليل في تخفيف حدة الأزمة الاقتصادية الحالية أن «نمسك نفسنا» ونفكر مرتين قبل أن نعتقد خطأ أن مضايقة السائح والتحرش بزوجته وابنته وخالته وعمته وربما جدته، والإصرار على مضايقتهم وتكدير صفوهم في الأماكن التي يرتادونها، ظنا منا أننا سنخرج منهم بمصلحة أو نبيع لهم قطة ضالة في الشارع بالعملة الصعبة، أو نتقاضى منهم 100 جنيه إسترليني في رحلة تاكسى قيمتها الحقيقية عشرة جنيهات إسترلينية، أو نعتبر متابعتهم بأنظارنا أثناء سيرهم أو جلوسهم أمرا عاديا ولا مانع من تعليقات سخيفة رذيلة سمجة نزقة سفيهة حمقاء «بص يا له الولية لابسه إيه» أو «هع هع الراجل عنده 70 سنة وفاكر نفسه عيل»؟ ألا تستحق الفرصة الذهبية التي هي بمثابة استثمار وحملة إعلانية لا تكلفنا مليما، حيث يعود السائح إلى بلده ليخبر أهله وأصدقاءه عن هذا المكان الرائع والناس الرائعين الذين يستحقون معاودة الزيارة، أو هذا المكان الرائع والناس الكريهين الذين يفضل عدم العودة إليهم مجددا، ألا تستحق قدرا من ضبط النفس وتعديل السلوك؟

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية