نكران الجميل!

حجم الخط
0

يحتمل أن يكون ما قاله جون كيري منقطعاً عن الواقع. يحتمل أن يكون كيري هو دونكيشوت ساذج غير مناسب مع البربرية الشرق اوسطية. يمكن الجدال في ذلك. ولكن الهجوم منفلت العقال على وزير الخارجية الامريكي، والذي جرى يوم الجمعة الماضي من جانب وزيرين مركزيين في حكومة نتنياهو، هو ذروة جديدة في انعدام المسؤولية، نكران الجميل وجنون الانظمة الاسرائيلية.
دفعة واحدة خرج الرجلان، نفتالي بينيت من اليمين وجلعاد اردان من اليسار (مجازيا)، على وزير خارجية الحليفة الوحيدة والاهم التي لنا، وقطعاه إربا قطع لحم في عصير بندورة. حقا، كل الاحترام لهما. يا لهما من رجلين. بينيت، كعادته، كان دقيقا، وقحا وفظا، كما يتناسب مع الاسرائيليين الجدد الذين لا يخافون شيئا ولا يحصون احدا من مسافة متر.
تصريحات اردان كانت، برأيي، اكثر حدة بكثير. فقد قال اردان ان «اقوال كيري تمثل عارا منطقيا ومن شأنها ان تشجع السفالة الاخلاقية. والاكثر اذهالا هو أنه بين الجمهور الاسرائيلي مر هذا الامر بهدوء تام. فلا احد ينبس ببنت شفة». المهم أن يهدأ انزلاق المقاعد اليمينية في اتجاه بينيت بعض الشيء. وماذا عن المصلحة الاسرائيلية الرسمية؟ هذه على ما يبدو أقل أهمية.
تعالوا نحلل هذا للحظة: عندما ننصت للامريكيين، ونسمع اقوال كيري، يمكن أن نفهم ما فيها من منطق، وان كنا غير ملزمين أن نتفق معها. نعم، الامريكيون يعتقدون أن النزاع الاسرائيلي – الفلسطيني يشعل الخواطر في المنطقة ويدفع جزءا من الشباب المسلم المحرض للتجند لمنظمات مثل داعش.
يحتمل أن يكون هذا هو التشخيص، يحتمل ان يكون في هذا شيء ما. هذا ليس الموضوع. القصة مختلفة تماما. ليس لاسرائيل أمريكا اخرى. هذه هي آخر واحدة لنا. عندما سيكون بينيت رئيسا للورزاء، بمعونة الرب، ويقرر أخيرا انهاء العمل في غزة، سيفهم بعد اسبوعين من القتال أن مخازن الذخيرة لديه فرغت. فليفحص بينيت ويكتشف أن هذا ما حصل في كل واحدة من حروب اسرائيل. وعندها سيتعين عليه ان يستجدي البنتاغون أن يسمحوا له أن يفتح مخازن الطوارىء التي يحوزها الامريكيون هنا، وبالتوازي ان يطلقوا بضع سفن محملة في هذا الاتجاه.
في المرة الاخيرة التي حصل فيها هذا، قبل بضعة اسابيع، جر الامريكيون الارجل. ماذا سيحصل في المرة التالية؟ وشيء ما آخر: عندما سينفذ ابو مازن تهديده ويتوجه الى مجلس الامن مع مشروعه الجديد، من يفترض به أن يستخدم حق النقض الفيتو؟ جلعاد اردان، بصفته سفير اسرائيل في الامم المتحدة؟ لا. هذا هو دور الامريكيين الذي نتنكر لجميله. ان ينظفوا بعدنا، في كل مكان على وجه البسيطة.
وعندما سيطرح مطلب آخر في محفل دولي كهذا أو ذاك بازالة الغموض عن النووي الاسرائيلي (حسب منشورات اجنبية) من سيشطبه عن جدول الاعمال؟ آييلت شكيد؟ يمكن ان نواصل هذه القائمة حتى نهاية الصحيفة. ان التفوق النوعي للجيش الاسرائيلي على باقي الجيوش في المنطقة، يعود الى الحلف مع امريكا. تمويل القبة الحديدية، الطائرات، القنابل الذكية، القنابل التي تخترق الخنادق، كل البنية التحتية للعتاد والسلاح لدى الجيش الاسرائيلي. لدينا فقط امريكا واحدة، وهي ايضا آخذة في النفاد.
حتى وقت غير بعيد، في حالة خلافات الرأي ايضا، درجوا في اسرائيل على حفظ كرامة صديقتنا الوحيدة. لم ينشروا الغسيل الوسخ على الملأ. انشغلوا بالخلافات داخل الغرف المغلقة. وعندما كانت حاجة الى قول شيء ما، كان يقوم بذلك «مقربون»، مع حفظ الحدود.
وها هو شيء ما حصل واخترق السد. نحن نتعامل مع امريكا وكأنها ارنبتنا نركلها في الرأس في كل مناسبة. والذي أباح الدم الامريكي هو بنيامين نتنياهو. فقد تجرأ على لقاء شلدون ادلسون قبل يوم من دخوله البيت الابيض، لرؤية براك اوباما. من ناحية الامريكيين، كان هذا يشبه امكانية أن يبول بيبي على الاريكة في الغرفة البيضوية. لقد أنفق ادلسون 100 مليون دولار كي يطيح باوباما ويعتبر «الشيطان الاكبر» في البيت الابيض، ولكن نتنياهو يتجاهل.
ولنصف هذا على النحو التالي: لدولة اسرائيل ولشعب اسرائيل، أمريكا هي الذخر الاهم والاكثر حيوية. لبينامين نتنياهو أدلسون هو الذخر الاهم والاكثر حيوية. نتنياهو هو رئيس الوزراء، وبالتالي فان ذخره ينتصر. يحتمل أن في المرة التالية بدلا من القنابل الذكية سنرجم غزة بالصخور.

معاريف 19/10/2014

بن كاسبيت

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية