في التراث العربي التليد، ان حرب ‘داحس والغبراء’ استمرت لأربعين سنة متصلة، بينما تدور حرب ‘داعش’ والنظم ‘الغبراء’ الآن في ختام أربعين سنة من البؤس العربي المتصل المتفاقم، وقد بدأت القصة من مصر، وتنتهى في مصر بإذن الله سبحانه وتعالى، رغم أن المعارك وصلت لذروتها الدموية المهلكة في مكان آخر خارج مصر، في المشرق العربي بالذات، حيث يبدو ‘داعش’ ـ والاسم اختصار لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام ـ طرفا مشتركا في الحرب مع نظم وتنظيمات ‘غبراء’، تحكم أو تعارض بحد السلاح في سوريا والعراق .
فقبل أربعين سنة، كان مشروع النهوض القومي يطوي أوراقه في مصر قاعدته الكبرى، ويجري الانقلاب عليه، وفي مفارقة زمن بدت لافتة، فقد بدأ الانقلاب عقب النصر في حرب أكتوبر 1973، خانت السياسة نصر السلاح، وجرى التفكيك التدريجي لاختيارات الاستقلال والتحديث والتنمية والتصنيع الشامل، ثم تحول التفكيك التدريجي إلى عصف شامل مع عقد ما سمي معاهدة السلام المصرية ـ الإسرائيلية، وما أعقبها من إذلال المعونة الأمريكية الضامنة للهوان، وتكون نظام معلق لعب دور الوكيل لا الأصيل، وبأجهزة أمن متضخمة متورمة، وبلا شرعية إنجاز، ولا شرعية احتكام لأصوات الناس، وبانهيارات مروعة في تكوين المجتمع، نشرت الفقر والبطالة والعنوسة والمرض والجهل والتخلف، وصعدت بمشاعر البؤس واليأس إلى أعلى ذراها، وهو ما ساعد على تضخم ظاهرة ‘اليمين الديني’ التي اقتاتت على ركام البؤس واليأس، خاطبت بؤس المجتمع كجمعية خيرية، وخاطبت يأس المجتمع كجمعية دينية. بدا المجتمع كمجتمع مهاجر يحزم حقائبه إلى حيث ألقت.. وبدت ظاهرة الإرهاب ـ الجناح العنيف لليمين الديني ـ كنية طلاق من الجغرافيا والعقل والتاريخ، بدا ‘الإرهاب’ كطلقة يأس، حوصرت بالقمع، ثم نزعت إلى الهجرة كما يهاجر المجتمع، إلى فرصة عمل تمتنع في الوطن، وكما جرى في مصر، جرى مثله في بلدان المشرق والمغرب العربيين، وتكونت ذات النظم العائلية الناهبة من وراء ستار الرداء الجمهوري. كانت نظرية ‘الأواني المستطرقة’ تؤتي أكلها، وتكونت ذات الجماعات العائلية و’البيزنسية’ في قصور الحكم ومن حولها، وبذات التبعية والأشواق المحمومة للنوم في سرير ‘العم سام’، ثم تكون التنظيم العالمي لجماعات الإرهاب خارجا من رداء العطف الأمريكي نفسه بدءا بحرب أفغانستان، كما كان النظام المصري يد أمريكا الأقوى في قصور الحكم، فقد قاد الإرهابيون المصريون حركة تنظيم القاعدة، وصاغوا مرتكزاته الفكرية والعملية، وخططوا ونفذوا أشرس حروبه و’غزواته’، وتولى المصري أيمن الظواهري إمارة القاعدة وفروعها خلفا للممول السعودي الأشهر أسامة بن لادن، الذي أنهى الأمريكيون حياته بعد نهاية الحاجة إليه، فقد تكون جيل جديد من ‘القاعديين’ ملازما لجيل أيمن الظواهري، وانتشرت متلازمة ‘التكفير فالتفجير’، التي تنتعش كلما زاد بؤس النظم. وبأثر من الدور الأمريكي بالذات، فقد تركت أمريكا بعد تدمير العراق جماعة دمى طائفية تحكم في بغداد، وكانت تلك هي البيئة المثالية لإحياء وإنعاش تنظيم القاعدة، الذي توالت تسمياته من شبكة الزرقاوي وصولا إلى مسمى ‘الدولة الإسلامية في العراق والشام’، وكما جاءت أمريكا بالدمى إلى حكم العراق، فقد كانت قوات الاحتلال الأمريكي سببا مباشرا في خلق ظاهرة الرجل المسمى بأبي بكر البغدادي، اسمه الحقيقي إبراهيم عوض إبراهيم علي البدري، وكان مجرد شاب سلفي مسالم احتجزته القوات الأمريكية لثلاثة شهور مع مساجين من شبكة الزرقاوي، وخرج أبو بكر لينشئ خلافته التخيلية، وصار أميرا لداعش، وتغذى تنظيمه من مظالم حقيقية فادحة لحقت بأهل السنة في العراق، وصار أقوى تنظيمات القاعدة على الإطلاق، أقوى من نسخة القاعدة في سوريا المعروفة باسم ‘جبهة النصرة لأهل الشام’، وأقوى من نسخة القاعدة في الجزيرة العربية المتمركزة باليمن المفكك، ومن مثيلتها في بلاد المغرب العربي، وأقوى من نسخة ‘أنصار الشريعة’ في ليبيا وتونس، ثم تأتي نسخة القاعدة في سيناء المسماة ‘جماعة أنصار بيت المقدس’ في ذيل القائمة، وترتيب قوة جماعات القاعدة يبدو مفهوما، فطبائع الجغرافيا والمجموعات السكانية تلعب دورا مؤثرا، وتنتعش القاعدة أكثر في بيئات الجبال والقبائل والعشائر، وطبيعة النظم هي الأخرى تلعب دورها، وكلما كانت النظم ‘أغبر’، زادت دواعي التعاطف مع ‘داعش’ وأخواتها، وزادت قوة الجماعات التكفيرية الطائفية بدواع طائفية مقابلة في قصور الحكم، وعلى طريقة طائفية قصور الحكم في بغداد ودمشق.
اللافت أن ‘داعش’ وأخواتها لم تطلق رصاصة واحدة تجاه كيان الاغتصاب الإسرائيلي، فهذه ليست مهمتها، ولا هو دورها، بل دورها ـ بالضبط ـ تحطيم المجتمعات العربية، ونشر حرب الكل ضد الكل، دورها ـ ببساطة ـ التدمير من أجل التدمير، وقد كان تحذير ‘داعش’ لخصومها ومحاربيها في العراق وسوريا صريحا همجيا، خذ عندك ـ مثلا ـ كلام شخص يسمي نفسه ‘أبو محمد العدناني’، وقد قدموه في شريط صوتي كمتحدث باسم ‘داعش’، يقول العدناني بالنص ‘اعلموا أن لنا جيوشا في العراق وجيشا في الشام من الأسود الجياع، شرابهم الدماء وأنيسهم الأشلاء’ (!)، هكذا ببساطة صحراوية مدهشة، فهم الملوك في شريعة الغاب لا شريعة الإسلام، شرابهم الدماء كدراكولا مصاص الدماء، ومتعتهم في العيش وسط الحطام والأشلاء.
ولكن، ما علاقة ذلك كله بمصر وما يجرى فيها؟ فالحرب العبثية المجنونة تجري في المشرق العربي، أي أنها تدور خارج حدود الجغرافيا المصرية، لكنها ـ بالحقيقة ـ تدور في قلب مجال الأمن الحيوي لمصر، فحدود مصر الأمنية أبعد كثيرا عن حدودها الجغرافية، وخطوط الدفاع عن مصر تبدأ جنوبا عند منابع النيل، وغربا عند حافة الأطلنطي، وشمالا عند الحدود التركية، وشرقا عند شواطئ الخليج العربي، وهو ما يعني ـ بغرائز الأمن ـ أن مصير ‘داعش’ يؤثر على مصر، تماما كما يؤثر على خرائط العراق والشام، وأن تضخم ‘داعش’ العراقية والشامية قد يؤدي إلى تضخم ‘داعش’ المصرية في صورة ‘جماعة أنصار بيت المقدس’، وبيعة الجماعة المصرية معروفة لأبي بكر البغدادي، ومن بعده ومن قبله لأيمن الظواهري، غير أن الجانب الأمني لا يبدو الأهم في القصة كلها، ولا يبدو منفصلا عن الجانب السياسي وتحولاته الجارية، ففي مصر ‘الآن’ حرب تقرير مصير بالمعنى الحرفي للكلمات، ليس تقريرا لمصير مصر وحدها، بل هو تقرير لمصير المنطقة العربية برمتها، وكما بدأت ظاهرة جماعات الإرهاب من مصر قبل أربعين سنة، فإنها ـ على الأرجح ـ سوف تلقى نهايتها في مصر بالذات، وفي القول إجمال له تفصيل على النحو التالي، فقد فشلت جماعات الإرهاب في إثبات دعواها، وفشلت بالجملة في تغيير نظم البؤس التي واجهتها بحروب السلاح، ولم يعد أحد ينظر بجدية إلى ادعاء انتسابها للإسلام، بل بدا اليمين الديني كله ـ بإرهابييه ومسالميه ـ في حالة إفلاس عقلي رغم التضخم البدني، وبدا ‘الباب الدوار’ مفتوحا للانتقال من المسالمة إلى الإرهاب، وبدت الأمة كلها في ‘البرزخ’ مع ظاهرة الثورات العربية المعاصرة، بدت الثورات مأزومة معاقة بتشوهات اليمين الديني، الذي ظهر كقرين لا كبديل لنظم البؤس المتهالكة، يرث بؤسها ذاته، ويثبت على اختياراتها الجوهرية ذاتها من باب التجاوب مع الترويض الأمريكي، وهذه محنة كبرى، تتطلب انقاذ الإسلام من تحايل الناطقين باسمه في الدنيا العربية، وتصل المحنة إلى ذروتها مع جماعات الإرهاب، التي فوجئت ببوار وخراب بضاعتها وسعيها، فلم تنجح عملياتها العنيفة في تغيير أي نظام، بل قدمت مددا هائلا لبقاء وتثبيت نظم البؤس، فيما بدأت رحلة التغيير الثوري من نقطة أخرى معاكسة تماما، بدأت من نقطة الثورة السلمية الديمقراطية الوطنية الاجتماعية، بدأت بالتحرك السلمي كعنوان للتفوق الأخلاقي، وهو ما أثار غضب جماعات الإرهاب المتقنعة بالدين، التي تستفيد من ‘فجوة الأمن’ المصاحبة عادة لخط سير الثورات الشعبية في مراحلها الأولى، وتريد أن تحطم فكرة الثورة نفسها، وعلى طريقة تحطيمها للثورة في سوريا والعراق، والسعي لتحطيمها في ليبيا واليمن وتونس، بينما تبدو المحاولة في مصر محكوما عليها بالفشل، ولأسباب كثيرة ظاهرة جدا، بينها قوة التجانس في التكوين الثقافي والسكاني المصري، وبينها ـ بالطبع ـ قوة الجيش وأجهزة الأمن، وبينها ـ وهذا هو الأهم ـ قوة الوعي الثوري في أوساط المصريين العاديين، فالثورة تواصل أشواطها في مصر، نعم تعاني، ونعم تقع أخطاء ومظالم دموية، وكلها قابلة للتصحيح الذاتي استنادا لقوة الشارع اليقظ، الذي لا يقبل خداعا من أي جهة كانت، وتزيده الأوجاع والمحن تألقا وتصميما على إحراز الفوز لمصر وثورتها المغدورة، ورغم ان أي عمليات إرهاب قد تقع هنا أو هناك، ورغم أن الثورة لم تحكم البلد بعد، لكنها تحكم وعي الشارع المستعصي على الخداع، والذي يسقط أقنعة الإرهاب تباعا، ويستعيد مصرية مصر التي هي عروبتها في الوقت ذاته، ويستعيد العبقرية الشعبية الكامنة التي تحسم الحرب مع النظم ‘الغبراء’ الهالكة حتما مع ‘داعش’ وأخواتها، فكل شيء في دنيا العرب يبدأ وينتهي في مصر ‘أم الدنيا’ ، هكذا كانت المنطقة دائما، وهكذا تكون إلى يوم يبعثون .
‘ كاتب مصري
لماذا تضعوننا امام خيارين داعش والانقلاب ، كلاهما ارهاب
لما تبتلى الامة بأمثالكم من المتثقثفين يؤدون الإنقلاب و الدكتاتورية و يجروننا إلى الذل والهوان , تتكاثر داعش و أخواتها أرحم من من سيأتى بعدها .
لما تبتلى الامة بأمثالكم من المتثقثفين يؤيدون الإنقلاب و الدكتاتورية و يجروننا إلى الذل والهوان , تتكاثر داعش و أخواتها أرحم من من سيأتى بعدها .
jتحليل في محاه اليس كل الجماعات هي عربية وطنية سوى من النظام او من الجماعات لماذا نريد دائما ان نميل للقوة فعلا تحليل لا باس به وتوصيف خارق انت تريد ان نرجع اي العالة الاجتماعية الي ارادها جمال عبد الناصر وهي غاية اليسار لكن بدون تدخل الدين لوا الدين ما قام الشعب المصري بتغيير الجماعة الإخوانية بل كل فئة تجي تلعن سابقتها وتريد ان تمحو معارضيها حتي تاكل بعضها البعض هكذا الفتن وحينها تضعف الدول فتدخل القوي الخارجية تنهب وتغلب قوة علي اخري كل واحد يريد لنفسه الزعامة واحد ياسم الثورية والاخر باسم الخيرية و الاخر باسم الليبرالية وهكذا ولا تقو قائمة الا بالجلوس كلنا في طاولة واحدة لاحظ لما تحكم السني في العراق قمع الشيعي والان انقلب ثم يعيد التاريخ نفسه
شكرا
مصر عملاق مكبل وليس له اي دور الان. هناك مؤامرة ضد مصر لمنعها من ان تتبوأ دورها وهذا لا يختلف عليه اثنان. الكاتب أيد الانقلاب في مصر نكاية في الاخوان وأيد حكم العسكر الذي أوصل مصر لما هي فيه الان . انا لست من الاخوان ولكن اري انهم ظلموا ولم يعطوا فرصة .
احترم نضال الكاتب واتمني منه ان يلعب دورا في توحيد الصفوف الموجودة علي الارض من اجل مصر التي يحب ولا يكون اقصائياً. لا تنهي عن خلق وتأتي مثله.
الانقلاب يولد الارهاب
كل مايحصل اﻵن سببه التفكك الاجتماعي حاملا الطمع واﻻنانيه والحسد
فلماذا يريد كل العرب الوصول الى الطب والهندسه والسياسه و…. الخ
بينما ينسق العدو فيما بينهم التخصص لكل مجموعه من اﻻفراد بشيء محدد
فهذا هو السبب اﻻول والرئيسي في ضعف كلمة الحق وقوة العدل