مع اعتراف معظم ساسة العراق بأن أي رئيس حكومة لا يمكن ان يمرر في البرلمان إلا بتوافق إيراني أمريكي، فإن حظوظ النواب الجدد المعارضين في تشكيل الحكومة تبدو ضعيفة.
بغداد-»القدس العربي»: أحيت نتائج الانتخابات التشريعية العراقية قبل أيام، ووصول مئات النواب الجدد إلى البرلمان، دعوات بضرورة وجود معارضة برلمانية وطنية قوية، من أجل أداء الدور المنتظر في التغيير وتحقيق المطالب الشعبية وخاصة أهداف انتفاضة تشرين الإصلاحية، إضافة إلى الوقوف بوجه مساعي أحزاب السلطة وحيتان الفساد لتوجيه البرلمان بما يخدم مصالحهم والأجندات الخارجية بعيدا عن مصالح الشعب.
وتجري هذه الأيام تحركات بين النواب الجدد عن حركة تشرين والنواب المستقلين، إضافة إلى بعض الحركات السياسية الفتية، لتشكيل تكتل معارض مؤثر في البرلمان مع طرح بعضهم امكانية تشكيل الحكومة المقبلة، كحل وسط جراء الخلاف المتصاعد بين القوى الشيعية على هذا الأمر. وعقد نواب تشرين والمستقلين ونواب من حركة الجيل الجديد الكردية، اجتماعات للاتفاق على بلورة موقف موحد والتنسيق في التحرك سواء داخل البرلمان أو في المفاوضات مع الكتل الأخرى حول تشكيل الحكومة الجديدة.
وكان رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي أكد «ان الناس اختارت من يمثلها، وهؤلاء النواب الجدد سيمارسون دورهم في مجلس النواب الجديد» مشددا «نحن أمام مرحلة جديدة نستلهم فيها كل العبر والدروس الماضية، وعلينا أن نتجاوز الخلافات والاجتهادات الحزبية، أو الشخصية؛ للعبور ببلدنا إلى بر الأمان». فيما أشار إلى «ان السياسة أصبحت للأسف تعني لدى البعض مفاهيم الابتزاز، والكذب، والتدليس، والصراع، وخداع الناس» في إشارة إلى الأحزاب الخاسرة التي رفضت نتائج الانتخابات وصعدت احتجاجاتها بحجة وجود التزوير.
وعقب الانتخابات اهتم الناس بمعرفة برامج القوى الجديدة في البرلمان، من المستقلين أو حركة تشرين والحركات الأخرى. وبهذا الصدد أكد المرشح الفائز عن محافظة الديوانية باسم خشان، الذي كان معروفا بانتقاداته للفساد في الحكومة، في منشور له عبر موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك «لن نكون جزءا من حكومة توافق تضم جميع الأطراف، ليتوزع فشلها بين قبائل قريش». وأوضح «نريد حكومة ومعارضة، ونفضل أن نشكل نحن هذه الحكومة، أو نكون كتلة معارضة حقيقية واعية».
وعن ملامح كتلة المستقلين، قال خشان: إنها «تملك خيارين في الوقت الحالي، إما رئاسة الوزراء، أو الذهاب إلى معارضة حقيقية مدعومة من الشعب» مشيرا إلى «وجود أحزاب كردية جديدة ترغب بالانضمام لكتلة المستقلين، وحصلت تفاهمات أولية في هذا الشأن». فيما أكدت سروة عبد الواحد النائبة عن الجيل الجديد الكردية، أن حركتها تبحث التحالف مع قوى مستقلة، كما أشارت إلى إجراء لقاءات بين الحركة ونواب حركة تشرين والمستقلين، والذين يتوقع المراقبون ان يزيد عددهم عن 60 نائبا، ولكن دورهم كمعارضة سيكون مؤثرا في عمل البرلمان والحكومة بسبب الدعم الشعبي لهم.
وبهدف تذكير النواب الفائزين بتعهداتهم أمام جمهورهم الذي انتخبهم، دعا علاء الركابي قائد حركة «امتداد» التشرينية، نواب حركته الفائزين إلى التخلي عن الامتيازات والرواتب والحمايات إضافة إلى السعي لالغاءها بالنسبة لبقية النواب أيضا. وهو احتمال يبدو بعيدا ان يتحقق بالنسبة لأغلب النواب الذين يعتبرون هذه الامتيازات هدفهم الأساسي.
ومن جانب آخر، وضمن محاولات كتلتي الصدر والمالكي، كسب النواب المستقلين إليهما لجمع الكتلة الأكبر التي تشكل الحكومة، يجري تحرك واسع بين الكتلتين نحو النواب المستقلين، حيث ذكر بعض النواب المستقلين الفائزين، إن ممثلين عن دولة القانون التي يقودها نوري المالكي، أجروا لقاءات مع بعض المرشحين المستقلين لاجتذابهم ضمن تحالف دولة القانون بهدف تشكيل الكتلة الأكبر، مقابل تقديم اغراءات بمناصب حكومية وامتيازات مالية. مستغلين ان أغلب المستقلين لا يجمعهم كيان سياسي واحد، وهذا يشكل ضعفا ستستغله الكتل الكبيرة في إملاء شروطها للتحالف معهم كل على حدة.
وتشير الإحصائيات إلى فوز أكثر من 265 نائباً جديداً، أي نحو 80 في المئة من عدد نواب البرلمان البالغ 329 ثلثهم من النساء في الدورة البرلمانية الخامسة، وذلك بعد إعلان مفوضية الانتخابات، النتائج الأولية للتصويت، فيما حافظ أقل من 65 نائباً في الدورة البرلمانية الرابعة، على مقاعدهم النيابية، في الدورة المقبلة.
وجاء رفض نتائج الانتخابات من قبل القوى الشيعية وتصاعد الخلافات والصراع بين كتلتي الصدر والمالكي حول الكتلة الأكبر ونزول أتباعهما إلى الشوارع، ليوجد مخاوف من تحول الخلاف إلى نزاع مسلح، وليعزز آمال كتلة المستقلين بان تكون الحل الوسط بين المتصارعين لتشكيل الحكومة، وهو أمل يبدو بعيدا بسبب تمسك المتنافسين بتشكيل الحكومة.
والحقيقة ان التجييش الشيعي في الشارع وتصعيد المواجهة، ليس جديدا ولكنه هذه المرة يثير القلق لاحتمال ارتباطه بمخطط إقليمي يتعلق بمفاوضات إيران مع الغرب حول ملفها النووي والعقوبات، مما قد يدفعها لتأزيم الأوضاع العراقية وخلق توترات ونزاعات، ضمن أوراق الضغط لديها.
وعموما فإنه ليس خافيا ان ثمة معوقات تحول دون تولي المعارضة والمستقلين، تشكيل الحكومة المقبلة في العراق لعدة أسباب، أبرزها عدم وجود تحالف سياسي موحد محدد الأهداف والبرنامج ينتظم فيه النواب المستقلون الجدد، وقلة الخبرة السياسية لدى أغلبهم، مقابل تجربة طويلة لأحزاب السلطة، إضافة إلى ان أغلب النواب جاءوا إلى المجلس وعيونهم على الامتيازات والمغريات والمناصب التي تدر خيرا كثيرا.
ومع اعتراف معظم ساسة العراق بان أي رئيس حكومة لا يمكن ان يمرر في البرلمان إلا بتوافق إيراني أمريكي، فإن حظوظ النواب الجدد المعارضين في تشكيل الحكومة تبدو ضعيفة، نظرا لرفض طهران ان تشكل الحكومة من غير القوى الحليفة لها، وبالتالي فلا خيار أمام المستقلين إلا دور المعارضة القوية لتحقيق التغيير والإصلاح، وهو الدور المناسب لهم بعيدا عن أدران السلطة وفسادها.
الصورة: موالون لأحزاب شيعية يحتجون على نتائج الانتخابات