عمان ـ «القدس العربي»: لا يلام من يشعر بخلل أو ازدواجية معايير أو حتى بـ «فصام إداري» وهو يراقب نمو وزحف النقاش الصاخب حول ما يسمى بالنظام الجديد للموارد البشرية.
القذيفة الأولى ضد النظام الجديد الموضوع لـ «زيادة كفاءة خدمات القطاع العام» أطلقت على شكل «نيران صديقة» من منصة رسمية إعلامياً هي فضائية المملكة وعلى الهواء المباشر، وبعنوان صريح يشكك في «أردنية» من وضعوا تلك التوصيات الإدارية وأصبحت لاحقاً تعليمات قانونية مسجلة بالجريدة الرسمية.
لاحقاً للقصف الأول عبر هواء المملكة، بدأ القصف الاجتماعي والشعبوي يتراكض على نحو مباغت، فيما تصمت عدة جهات، أولاها «الحكومة وطاقمها الاقتصادي» وثانيها الأحزاب السياسية الجديدة بصنفيها الموالي والمعارض. ولم يقرأ المعترضون على النظام الجديد للموارد البشرية تفاصيل النصوص أو يناقشوها، بل نهشوها فوراً بمجرد قصفها سياسياً وإعلامياً هنا وهناك.
والمفارقة لم تعد مفهومة. فعملية التشكيك بالخلفيات والنوايا الإدارية تقودها أذرع في الإعلام الرسمي محسوبة تماماً من حيث الإدارة والطاقم والتوجيه على شخصيات نافذة في مواقع قرار سيادية استشارية أو إعلامية. وهي نفسها الشخصيات التي قدمت الرعاية اللوجستية 3 مرات على الأقل في مناسبات متعددة للطاقم الوزاري الاقتصادي في حكومة الرئيس الدكتور بشر الخصاونة، لشرح وترويج «المنجز الجديد» المتمثل في «زبدة وصفات الإصلاح الإداري» بعنوان «نظام متطور للموارد البشرية».
لافت جداً أن رئيس الطاقم الاقتصادي الوزير ناصر شريدة، شرح في عرض مرئي إلكتروني عدة مرات في مقرات واجتماعات مرجعية، الأهمية القصوى لهذا النظام المتهم الآن بـ «بتفكيك الدولة» وبحضور وتعاون نفس الموظفين الكبار الذين يديرون «كل المشهد» في أذرع الإعلام الرسمي التي هاجمت النظام ومن وضعوه.
لا أحد على الأقل في الشارع يفهم لماذا ترصد مثل هذه الازدواجية أو حتى لماذا تحصل؟
منطقياً، من حق وسائل الإعلام الرسمية أو تلك التي تمولها الخزينة أن تظهر قدراً من «المرونة والاستقلالية المهنية» لكن ليس بصيغة إطلاق صواريخ قاسية على «وصفة إدارية» ينظر لها في أعلى المراجع الرسمية باعتبارها إحدى «أهم وصفات» عملية الإصلاح الإداري.
مسألتان مهمتان
لذلك، بقي المشهد برمته «غامضاً»؛ لأن «جهات رسمية» هنا وليست معارضة أو شعبوية، هي التي «أعلنت الحرب» على وصفة الموارد البشرية الجديدة حتى بدون إتاحة الفرصة لقراءة عميقة في النصوص والتعليمات. ويوحي ذلك ضمناً بمسألتين في غاية الأهمية.
الأولى أن مستوى «الارتياب» لا يزال كبيراً وعميقاً في وصفات الإصلاح الإداري المتهمة دوما بأنها ستنشط للتخلص من «الدولة الرعوية» كما وصفها يوماً الدكتور عمر الرزاز لصالح التحول إلى «دولة الإنتاج». وللعلم، تلك وصفات متهمة حتى قبل أن تقرأ.
أما المسألة الأخرى فأن «الأطقم» الاستشارية والوظيفية وأحياناً الإعلامية الرسمية، يمكنها بكل بساطة أن تعزف على وتر «شعبوي» يثير حساسيات المجتمع ويخيف الشريحة الأبرز والأضخم من الأردنيين في القطاع العام، وذلك قد يحصل أيضاً بدون مبرر.
وللعلم، هنا من «اتهم وهاجم» تقنيات النظام المستجد للموارد البشرية وليس منصات ما يسمى بـ «المعارضة الخارجية» ولا بيانات الإخوان المسلمين ولا الحراك الشعبي، الأمر الذي يعزز مؤشرات وجود فصام إداري أخفق طاقم الحكومة الاقتصادي بردعه أو شرحه أو الوقاية منه. ولا يمكن بالمقابل، اتهام الملتقيات التي تناصر غزة بالتفرغ للتنديد بوصفة إصلاح إداري أردنية.
ذلك في الواقع برأي الخبير الاقتصادي البارز الدكتور أنور خفش، «حصل في الماضي وسيحصل مستقبلاً، ويحصل الآن»؛ لأن البداية في مناقشة الوصفات الإدارية المطلوبة أريد لها أن «تولد خارج الرحم» من اللحظة التي جمع فيها مئات الأشخاص الممثلين للقطاع الخاص بخيمة التمكين الاقتصادي، أو من تلك اللحظة التي قال فيها الدكتور ممدوح العبادي لـ «القدس العربي» إن اللجنة التي اختيرت لمراجعة «إصلاح القطاع العام» لم يعرف عن أعضائها خبرتهم المباشرة في القطاع العام.
ما يلمح له العبادي وآخرون بعيداً عن التفاصيل، إشكالية أكبر في المجال الحيوي لإصلاحات الاقتصاد والإدارة التي تعتمد على مستشرقين وخواجات إلى حد ما، ورموز يمثلون القطاع الخاص وأصحاب مصالح أكثر بكثير من الاعتماد على «وزراء ضعفاء يمثلون القطاع العام» من الصنف الذي لا أحد يعلم لماذا يختار وزيراً أو لماذا يغادر موقعه؟
الأكثر إحراجاً أن قائمة تعليمات الموارد البشرية الطازجة نسخت كل أصناف الاتهامات الثقيلة و«المعلبة أحياناً» مثل «بداية تفكيك الدولة» والخضوع لـ «إملاءات الصندوق الدولي».
ونتج بالمقابل، عن القصف الرسمي الإعلامي للتعليمات إياها انطباع بأن «مواقع أساسية في الدولة ليست راضية» لذا يمكن العودة لمسلسل قصف الحكومة وإصلاحاتها بكل العيارات الثقيلة ومجدداً بدون «مناقشة حيوية» فرطت فيها أطقم الحكومة أساساً للنصوص وما الذي تعنيه.
يفترض ألا يتهم نص يهدف لـ «رفع كفاءة إنتاجية الموظف العام» بالسعي لـ «تفكيك الدولة»؛ لأن من يفرطون ويبالغون هنا في الاتهامية هم أنفسهم من يتصدرون دوماً «انتقاد الحكومة والسلطات» بسبب «تراجع خدمات القطاع العام» وهو التراجع الذي يريد النص المستحدث الحد منه في الواقع.
النظام الجديد
يتضمن النظام الجديد معالجة مقترحة قد لا تكون منصفة وواضحة لملف البطالة بمنع «الجمع بين وظيفتين» كما يتضمن «تحفيز ومراقبة للأداء» وربط الرواتب والمكافآت بـ«الإنجاز والإنتاج» ويخصص 3 أشهر لتقييم ومراقبة أداء الموظف العمومي ونصوص إضافية ترفع من سوية الموظف في القطاع العام، وتقترب مما يحصل في القطاع الخاص.
تلك طبعاً «أهداف نبيلة» بقياسات كل من رفع صوته مراراً وتكراراً ضد «التراجع الإداري». وعندما قررت الحكومة قطع شوط تجاه الإصلاح الوظيفي، تحركت «مجاميع وخلايا» لضرب الأوتار الحساسة رغم أن الوصفات هنا يستفيد منها في النهاية المواطن نفسه.
جدل الموارد البشرية غير المبرر في الساحة المحلية يوحي بـ «خلل سياسي» من الصعب إنكاره؛ لأن الهدف قد يكون تحسين أجهزة الدولة وليس تفكيكها، كما وصف مثقف كبير من وزن موفق محادين رئيس رابطة الكتاب.
في كل حال، معالجة الخلل والمضي قدماً في «المشروع» بأقل مساحة جدل ممكنة يتطلب إجراءات سريعة من الدولة، أهمها ضبط أذرعها الإعلامية واحتواء الفصام الذي ظهر.
ولاحقاً، أن يتحرك الطاقم الوزاري المختص بعد الآن في الملفات ذات الصلة بقوت ومعيشة المواطن الأردني نحو اتجاهات التواضع قليلاً مع الشرائح الاجتماعية المرتابة أو المتضررة، فيشرح لها ويوضح بعدما تبين أن «تقنية البريزنتيشن» أو العرض الإلكتروني على حائط مؤسسات رسمية لا تكفي لاحتواء عاصفة جدل في الشارع العام.