لندن ـ “القدس العربي” ـ إبراهيم درويش:
ما هو دور إسرائيل والسعودية والإمارات في إقناع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعقد صفقة كبرى مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين؟ وما علاقة إيران بالصفقة؟
يرى آدم إنتوس بمقال في مجلة “نيويوركر” أن ولي العهد في أبو ظبي محمد بن زايد طرح فكرة لصديق أمريكي اعتبرت في تلك الفترة “صفقة كبرى” غير متوقعة. حدث هذا في تشرين الثاني (نوفمبر) 2016 عندما قال بن زايد أن فلاديمير بوتين لديه استعداد لحل الأزمة في سوريا مقابل رفع العقوبات المفروضة على بلاده بسبب أوكرانيا. ونقل الكاتب عن مسؤولين حاليين وسابقين قولهم إن بن زايد لم يكن الزعيم الوحيد في المنطقة الذي دفع للتقارب مع عدو سابق في الحرب الباردة. وفي الوقت الذي راقب قادة أوروبا بنوع من الرهبة اهتمام ترامب بالشراكة مع بوتين إلا أن ثلاث دول لها تأثير كبير على الإدارة المقبلة – إسرائيل والسعودية والإمارات دعمت هذا الهدف وإن بشكل خاص. وشجع المسؤولون من هذه الدول وبشكل متكرر المسؤولين الأمريكيين على التفكير بوقف العقوبات المتعلقة بالأزمة في أوكرانيا مقابل مساعدة بوتين في إخراج الإيرانيين من سوريا. ويرى الخبراء أن صفقة كهذه غير قابلة للتطبيق حتى ولو كان ترامب مهتماً بالفكرة لأن بوتين ليس مهتماً بالضغط على الإيرانيين لترك سوريا من جهة ولا يملك القدرة على إخراجهم منها من جهة أخرى.
على طاولة “هلنسكي”
ويقول المسؤولون في الإدارة إن موضوعي سوريا وأوكرانيا سيكونان على طاولة النقاش في قمة هلنسكي التي ستعقد في 16 تموز/يوليو ولم يرد البيت الأبيض على أسئلة الصحافي للتعليق. ويضيف الكاتب أن روبرت موللر، المحقق الخاص وفريقه في مكتب التحقيقات الفدرالي (أف بي أي) يبحثون في صلات الروس وتأثيرهم على الحملة الإنتخابية الأمريكية عام 2016، ومنها دور الإماراتيين في تسهيل الإتصالات بين فريق ترامب والمسؤولين الروس الذين حاولوا التأثير على السياسة الأمريكية. فقبل تسعة أيام من تنصيب ترامب التقى إريك برينس مؤسس شركة التعهدات الأمنية “بلاكووتر” والمقرب من مستشار ترامب السابق ستيفن بانون مع محمد بن زايد في منتجع بجزر سيشل وكيرل ديمتريف، مدير صندوق سيادي والذي استخدمه الإماراتيون كصلة الوصل مع بوتين. ونشرت صحيفة “واشنطن بوست” في نيسان (إبريل) 2017 مقالاً شارك إنتوس في كتابته وجاء فيه: “وافقت الإمارات على عقد اللقاء كجزء من محاولة إقناع الروس بوقف علاقاتهم مع إيران بما في ذلك وجودهم في سوريا، وهو هدف للإدارة ويقتضي تنازلات كبيرة لموسكو فيما يتعلق بالعقوبات الأمريكية”.
وركز فريق مولر أيضاً على لقاءات الفريق الإنتقالي لترامب في كانون الأول (ديسمبر) 2016 وشارك فيها مسؤولون إماراتيون وروس. وعقد واحد منها في فندق بنيويورك حضره محمد بن زايد، وثان تم في برج ترامب وحضره السفير الروسي بالولايات المتحدة في حينه سيرغي كيسلياك. وكان الطرفان راغبين بمناقشة النزاع في سوريا واقترح السفير الروسي كيسلياك تنظيم لقاء مع مستشار الأمن القومي المعين مايكل فلين ومن أشار إليهم السفير بـ “الجنرالات” وذلك حسبما جاء في شهادة جارد كوشنر، مستشار وصهر الرئيس ترامب. ولمنع المخابرات الأمريكية من التنصت على الحوار اقترح كيسلياك استخدام “خط آمن” وهو ما دفع كوشنر لاقتراح استخدام جهاز اتصال آمن موجود بمقر السفارة الروسية بواشنطن. ويقول إنتوس إن بن زايد حاول في عهد باراك أوباما بحث إقامة علاقات قريبة مع بوتين على أمل تشجيع موسكو تخفيف شركاتها مع إيران خاصة في سوريا.
واعتبرت الإمارات مثل السعودية وإسرائيل إيران تهديدا كبيرا واشتركت معهما في عدم الثقة بإدارة أوباما. ولتحفيز بوتين على بناء شراكات مع دول الخليج بدلا من إيران بدأت الإمارات والسعودية باستثمار مليارات الدولارات في روسيا وتنظيم لقاءات على مستويات عالية في موسكو وأبو ظبي والرياض وجزر سيشل. ولا يعرف إن كانت فكرة بن زايد التي عرضت قبل الإنتخابات هي من بوتين او مقربين منه او من بنات أفكار بن زايد نفسه. إلا أن الفكرة تقترح إيمانه بضرورة إلغاء العقوبات كخطوة لتغيير موسكو موقفها من إيران. مع أن أي قرار بهذا الشأن يعود للرئيس الأمريكي. وقال مسؤولون حاليون وسابقون إنه لو فازت هيلاري كلينتون بالإنتخابات لم تكن إدارتها لتقبل بواقع العدوان الروسي في أوكرانيا لكن ترامب وعد بنهج مختلف للتعامل مع روسيا.
ويقول إنتوس إن المسؤولين الإسرائيليين بدأوا عمليات لوبي تهدف للتقارب بين موسكو وواشنطن بعد انتخاب ترامب مباشرة. ففي لقاء خاص عقد بعد انتصار ترامب كشف أحد الحاضرين فيه أن السفير الإسرائيلي في واشنطن وأحد المستشارين الموثوقين لرئيس الوزراءء بنيامين نتنياهو، رون ديرمر قال إن الحكومة الإسرائيلية تشجع الإدارة القادمة لترامب على التعاون مع بوتين وبطريقة أقرب، بدءاً من سوريا على أمل إقناع موسكو الموافقة على إخراج الإيرانيين من البلد.
التقرب من بوتين
ومثل محمد بن زايد فقد جعل نتنياهو التقرب من بوتين أولوية خاصة بعد التدخل الروسي في سوريا عام 2015. وكان نتنياهو راغبا بالتأكد من استمرار الطيران الإسرائيلي المجال الجوي السوري الذي بات تحت سيطرة الروس، من أجل منع نشر أسلحة إيرانية متقدمة ونقلها إلى حزب الله اللبناني. ورفض مسؤول إسرائيلي التعليق على كلام ديرمر لكنه أضاف أن “إسرائيل تعتقد بإمكانية التوصل لاتفاق أمريكي- روسي في سوريا لإخراج الإيرانيين من هناك” و “لعمل هذا فقد تكون بداية لتحسين العلاقات الأمريكية – الروسية “. وفي إطار منفصل تذكر مسؤول سابق حديثاً مع وزير إسرائيلي بعلاقات قوية مع نتنياهو كيف طرح الوزير فكرة “مبادلة أوكرانيا بسوريا”. وقال المسؤول السابق: “لهذا تفهم كيف ترى إسرائيل مساعدة روسيا في سوريا هي أولوية إسرائيلية أكثر من دفع العدوان الروسي عن أوكرانيا. ولكنني اعتبرت هذا الموضوع تحولاً إسرائيلياً كبيراً وهي تحاول إقناع الولايات المتحدة أن غض الطرف عن العدوان الروسي في أوكرانيا يخدم مصالحها. بالطبع قد لا يوافق ترامب لأسبابه الخاصة”. وبعد تولي ترامب السلطة أعاد وزير الخارجية السعودي عادل الجبير ووزير خارجية الإمارات عبدالله بن زايد الفكرة في عشاء خاص أقيم في آذار (مارس) 2017 وحضره عدد من الضيوف. وبحسب أحد الحاضرين: “كانت الرسالة هي لماذا لا ترفعوا العقوبات عن روسيا في أوكرانيا مقابل إخراج موسكو إيران من سوريا”.
توقيت
ويقول المسؤولون الحاليون والسابقون إن توقيت العرض لم يكن جيداً فبالإضافة لتحقيق موللر كان أعضاء الكونغرس يدفعون باتجاه تشديد العقوبات على روسيا لا تخفيفها. وعبر ترامب لمساعديه عن إحباطه وأنه لا يستطيع التقدم في العلاقات بسبب المعارضة داخل واشنطن. واعتقد المسؤولون الذين استمعوا للإماراتيين والسعوديين والإسرائيليين في عام 2016 وبداية عام 2017 أن فكرة مقايضة اوكرانيا بسوريا قد ماتت إلا أن ترامب وقبل لقائه مع بوتين أنه مفتوح لعقد صفقة معه. وفي 8 حزيران (يونيو) طالب بإعادة روسيا لمجموعة الدول السبع وبعد ذلك قال في عشاء أثناء القمة بكندا أن شبه جزيرة القرم هي روسية لأن السكان فيها يتحدثون الروسية وبعد أسابيع عندما سئل عن موقف أمريكا من ضم القرم كان جوابه “علينا الإنتظار”.