“نيويوركر”: تقرير مسرب عن علاقات “ماكينزي” مع بن سلمان يكشف أدوارا مثيرة للجدل

إبراهيم درويش
حجم الخط
0

لندن-“القدس العربي”:

كشف مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في اسطنبول بداية الشهر الماضي عما سمته الصحافية شيلا كولهاتكر عن “التشابكات البغيضة” لشركة “ماكينزي أند كومبانيز” وأثارت القضية ما نشر عن شركة الاستشارات المعروفة بحرفيتها العالية ودورها في مساعدة النظام السعودي على ملاحقة المعارضين له في الخارج وهو ما تنفيه بشدة. إلا أن علاقتها مع ولي العهد السعودي والأنظمة الأخرى جعل البعض يصف عملها بالمرتزقة.  وتقول كولهاتكر في مقال بمجلة “نيويوركر” إن الشركة التي تعمل منذ قرن في مجال تقديم الاستشارات للشركات والحكومات في كل أنحاء العالم تمتعت بسمعة الحرفية والتعقل لدرجة صار يحيط باسمها نوع من الأحجية/المستيك، فالتعامل معها يعني أنها جادة في حل مشكلة معينة أو إعادة تنظيم شركة أو حتى الإعلان عن منتج جديد. فيما تظهر الشركة الباحثة عن خدماتها استعدادا لدفع الملايين مقابل الاستشارات.

وهناك قاعدة ذهبية في التعامل مع ماكينزي وهو ما يجعلها مختلفة عن بقية شركات الاستشارات وهي إصرارها على عدم نسبة العمل إليها. ويوافق أي زبون على عدم الكشف عن تعامله مع ماكينزي. فما تبيعه له هو المصداقية والأفكار. ويقول داف ماكدونالد، مؤلف كتاب “الشركة: تاريخ ماكينزي وسر تأثيرها على المال والأعمال الأمريكي” لو كان لدى ماكينزي فكرة عظيمة واتبعت نصيحتها ونجحت فلن تراها تركض هنا وهناك وتقول “هذه هي فكرتنا”” و “في نفس الوقت فالشركة وكجزء من التعامل لا تتحمل المسؤولية. ويقولون للزبون: يمكن أن تنسب كل شيء لنفسك وعليك أن لا تحملنا المسؤولية لو كانت النتائج سيئة”.

وتعرضت محدودية هذا النموذج إلى امتحان كبير من خلال الكشف عن احتمال مساعدة ماكينزي السعودية في إساءة معاملة نقادها. ففي 26 تشرين الاول (أكتوبر) نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريرا قالت فيه إن حكومة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أرسلت عملاء للتحرش بالمعارضين لها في الخارج بمن فيهم الصحافي جمال خاشقجي الذي قتل في داخل القنصلية السعودية بإسطنبول بداية تشرين الاول (أكتوبر).

وكشفت عن أن ماكينزي حضرت تقريرا من 9 صفحات تضمن قياسا للرأي حول موقف الرأي العام من سياسات اقتصادية سعودية معينة وأشار إلى ثلاثة أشخاص رأى أنهم يقدمون تغطية سلبية لها على “تويتر “وهم كاتب سعودي مقيم في السعودية خالد الكامي ومعارض يقيم في كندا، عمر عبد العزيز وحساب “تويتر” مجهول. وبعد التقرير تم اعتقال الكامي وإخوة عبد العزيز في السعودية وأغلق الحساب المجهول على”تويتر”. وكان الكشف عن دور ماكينزي وعملها مع السعودية حاسما وسريعا. ونشرت ماكينزي بيانا على التويتر نفت فيه أن تكون عملت مع السعودية وحضرت تقريرا عن المعارضين. وجاء فيه:”في عملنا مع الحكومات لا تقوم ماكينزي ولن تبحث عن عمل يستهدف أفرادا بناء على أرائهم”. و”كانت الوثيقة المختصرة مجرد مراجعة عامة للمواد المتوفرة عن طرق استخدام وسائل التواصل الاجتماعي”. و”كان الهدف منه القراءة الداخلية”.

وقالت الشركة إنها تشعر “بالرعب” من إمكانية استخدام عملها بطريقة غير صحيحة وأنها تقوم بالتحقيق حول كيفية وصول تقريرها لأشخاص لم يكن لهم حق في قراءته. وتضيف أن هناك الكثير مما يمكن تعلمه من دور ماكينزي في هذه الحادثة وربما لم يكن شنيعا كما بدا. إلا أن السنوات القليلة الماضية أصبحت الشركة التي تحب أن تكون خارج الأخبار متورطة في سلسلة من التشابكات الشائنة. ولو أخذت مجموعة فإن الحوادث تقدم صورة عن أن التزام ماكينزي للعمل مع كل شخص يدفع لها بشكل باذخ من الصين إلى عدد من الوزارات في الولايات المتحدة في الوقت الذي تحلل فيه نفسها من أية مسؤولية مما يفعله الزبون بالمعلومات التي تقدمها له قد يؤدي إلى مستويات من التنازلات الأخلاقية. ويقول ماكدونالد: “أعتقد أنه ومن خلال طبيعة عملهم فإنهم مرتزقة-يعملون مع أي شخص”. مستدركا “لا أعني أنهم يعملون مع مجرم ولكنهم يعملون مع من يستأجرهم”. مشيرا إلى تقاليد الشركة في تعيين الطلاب المتخرجين من كليات الاقتصاد، مشيرا إلى أن “طالب أم بي إي (الحاصل على ماجستير في إدارة الأعمال) هو جندي الشركة مستعد لمن يقدم أي عطاء وعندما لا تظهر ولاء لأي طرف وتؤكد على حقك في العمل مع أي شخص فهذا سينتج كابوسا في القيادة”. وكانت أكثر التعاملات الأخيرة للشركة والمثيرة للقلق هي عمل ماكينزي في جنوب أفريقيا المثير للجدل.

 ففي عام 2015 وبحسب تقارير لنيويورك تايمز وقعت الشركة عقدا بقيمة 700 مليون دولار لتقديم خدمات استشارية لإيسكوم، الشركة المملوكة من الدولة لتزويد الطاقة. وكان من الواضح ان ماكينزي أصبحت مشاركة للإخوة آجي وأتول وراجيش غوبتا الذين كانت تعاملاتهم المالية في مركز فضيحة فساد تركت أصداء واسعة في البلاد. وزعم أنهم استخدموا علاقاتهم الشخصية مع الرئيس جاكوب زوما للتحكم في الحكومة وتحقيق أهداف شخصية. واستقال زوما بداية هذا العام نتيجة لهذا.

وعندما ووجهت بانتقاد دولي نفت ماكينزي أن تكون ارتكبت خطأ ولكنها اعترفت بسوء تقدير. وقامت بتغيير الطاقم التابع لها في جنوب أفريقيا وأعادت 74 مليون دولار حصلت عليها من الحكومة. وقال المدير الإداري للشركة دومينك بارتون “لسنا كهذا” و “لا نقوم بعمل هذا” في تصريحات نقلتها عنه “نيويورك تايمز”.

وفي هذا الصيف ووسط الاحتجاجات ضد سياسات ترامب المضادة للهجرة كشف عن تعامل الشركة مع وكالة الهجرة وفرض الجمارك. وقالت إن العقد مع الوكالة هو “طويل الأمد” ولا علاقة لها بتنفيذ السياسات. وعندما كشف عن دور الشركة مع وكالة الهجرة وفرض الجمارك حدث جدال شديد بين الموظفين الحاليين والسابقين فيها. وتضيف الكاتبة إن دينامية عمل الشركات أصبح مشتركا في السنوات الأخيرة. ففي هذا العام احتج موظفو غوغل على شركتهم لتوقيعها عقد مع البنتاغون لتوفير خدمات ذكاء اصطناعي مما أدى إلى إلغائه. وفي الأسبوع الماضي أعلنت شركة مايكروسوفت بهدوء عن عقد مع الجيش لتوفير الذكاء الاصطناعي.

وانتهى عقد ماكينزي مع وكالة الهجرة وفرض الجمارك والذي بدأ عام 2016. وكتب المدير المشارك لماكينزي ملاحظة للعاملين فيها أن الشركة لن تعمل أو تشارك في أي عمل، في العالم يدعم أو يدفع بسياسات تتناقض مع سياستنا. وعانت الشركة من لحظات سوء السمعة ففي هذا الخريف كشف عن تعاونها مع الحكومة البورتوريكية لإدارة مليارات الدولارات من الدين وفي الوقت نفسه استثمرت في بعضها مما أثار تساؤلات حول تضارب في المصالح. وترى الكاتبة أن مشاكل ماكينزي نابعة من كونها ناجحة ولها تأثير وعلاقات أكثر من أي شركة أمريكية. ولا يوجد أي نوع من الإشراف الخارجي أيا كان فدراليا أم غيره. ولهذا فهناك حاجة لأن تفرض الشركة على نفسها معايير. وتساءل ماكدونالد قائلا: “لمن يتبعون؟” مضيفا: “يعملون مع أف بي آي ووزارة العدل ووكالة الهجرة والجمارك وبورتوريكو ويعملون مع كل البنوك الكبيرة ومع كل واحد وهي عابرة للقارات”. ويضيف:” أمر مثل جنوب أفريقيا حدث ومن سيعاقب الشركة بهذا الحجم والتأثير على أمر كهذا؟ وماكينزي شركة مؤثرة ولها روابط في كل أنحاء الكرة الأرضية”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية