نيويورك تايمز: الاتهامات الجديدة الموجّهة لترامب خطيرة وهي امتحان للديمقراطية الأمريكية

إبراهيم درويش
حجم الخط
0

لندن- “القدس العربي”:

علقت صحيفة “نيويورك تايمز” على الاتهامات الجديدة للرئيس سابق دونالد ترامب، والمتعلقة بمحاولته تغيير نتائج انتخابات عام 2020، بأنها ستترك تأثيرات واسعة على الديمقراطية الأمريكية.

وأشارت إلى أن التهم الجنائية الأخيرة هي أول اتهامات تضرب في العمق وتطرح سؤالا: “هل يمكن لرئيس منتخب أن ينشر الأكاذيب ويتمسك بالسلطة حتى  بعد رفض الناخبين له؟”. وتشمل الاتهامات الأخيرة التي توصلت لها لجنة محلفين اتحادية، وأعلن عنها المحامي جاك سميث تهم التحايل والتلاعب بأقوال شاهد والتآمر على حقوق المواطنين الأمريكيين. وقد توصلت لجنة محلفين اتحادية إلى القرار وأعلن عنه المحامي جاك.

وفي التقرير الذي أعده بيتر باركر، كبير مراسلي البيت الأبيض، قال: “في مدونات الجمهورية، أخذ البيت الأبيض حظه من الغدر والفضيحة، رؤوساء خانوا زوجاتهم وخدعوا دافعي الضريبة وأساءوا استخدام السلطة وانتهكوا ثقة الرأي العام”. و”لكن لم يحدث أبدا منذ أن خرج واضعو الدستور الأمريكي من قاعة الاستقلال في ذلك اليوم الرائع اللطيف في فيلادلفيا قبل 236 عاما، أن اتهم أي رئيس خسر الانتخابات بأنه يريد التمسك بالسلطة عبر خطة مدروسة من الخداع والتخويف وستقود إلى العنف في أروقة الكونغرس”.

تشمل الاتهامات الأخيرة التي توصلت لها لجنة محلفين اتحادية، تهم التحايل والتلاعب بأقوال شاهد والتآمر على حقوق المواطنين الأمريكيين

ويقول إن ما يجعل الاتهامات الموجهة لترامب يوم الثلاثاء “مدهشة”، ليس لأن رئيساً أمريكياً اتهم بجريمة ثانية، فترامب يحمل الأرقام القياسية في هذا المجال، وربما كانت الأموال التي دفعها للإسكات أو إخفاء الوثائق السرية إلا أن هذه الثالثة التي جاءت بعد أربعة أشهر، تضرب في جوهر الأمر، وهو ما سيعلم مستقبل الديمقراطية الأمريكية. وفي جوهر قضية الولايات المتحدة الأمريكية ضد دونالد ترامب، ليس أقل من حيوية النظام الذي أقيم في ذلك الصيف بفلادلفيا: هل يستطيع  رئيس في منصبه نشر الأكاذيب ويحاول استخدام سلطة الحكومة لقلب إرادة الناخبين بدون أي تداعيات؟

ربما كان هذا السؤال غير متخيل قبل عدة سنوات، لكن قضية ترامب تثير منظورا يعتبر عاديا في الدول التي لها تاريخ في الانقلابات والأنظمة العسكرية والديكتاتوريين.

بشكل فعلي قام المحامي الخاص سميث، بإعداد القضية والإعلان عن التهم ضد ترامب بواحدة من أكثر قضايا الخداع المثيرة في تاريخ الولايات المتحدة، واحدة “غذيت بالأكاذيب” وتحركها أبسط الدوافع، التعطش. وفي ملف من 45 صفحة احتوى على أربعة اتهامات، رفض سميث فكرة أن ترامب صدق مزاعمه بحدوث تزوير في الانتخابات “فقد علم المتهم بأنها غير صحيحة”، واستخدمها “لخلق جو وطني من عدم الثقة والغضب وقتل ثقة الرأي العام بإدارة الانتخابات”.

ويعلق الكاتب أن العناصر في لائحة الاتهامات المتعلقة بالتآمر معروفة في معظمها منذ أن قدمت لجنة التحقيق في الهجمات على الكابيتال هيل في 6 كانون الثاني/ يناير تقريرها النهائي قبل سبعة أشهر، ويعرف الكثير منها قبل ذلك بوقت. وبهذا الحس، فنشر لائحة الاتهام لها خلق حسا قتل النشوة، مع الرهانات الناتجة عنها. ورغم تأخر الاتهامات، إلا أنها قدمت التآمر الذي تم نسجه في الفترة ما بين 3 تشرين الثاني/نوفمبر 2020 إلى حفلة تنصيب الرئيس الجديد في 20 كانون الثاني/ يناير 2021. وتقدم في مجملها حكاية عن رئيس حاول استخدام كل ما لديه لوقف عملية نقل السلطة للشخص الذي تحداه وهزمه. واعتبر واضعو الدستور الأمريكي النقل السلس للسلطة أمرا ضروريا للحكومة التي كانوا يحددون صورتها.

وكان هذا تصورا راديكاليا في وقته، في زمن كان الملوك والأباطرة يتخلون عن عروشهم بالموت الطبيعي أو تحت تهديد السلاح. ففي الجمهورية الوليدة، حدد كتّاب الدستور مدة زمنية بأربع سنوات يمكن أن يجددها الناخبون والمجمعات الانتخابية. وقدم جورج واشنطن مثالا غير مسبوق عندما تنازل عن السلطة طوعا بعد عامين من انتخابه، وتم دمج هذا الضبط في الدستور من خلال التعديل 22. واستحدث جون أدامز، سابقة تعليق السلطة من خلال التخلي السلمي عنها، وذلك بعد خسارته الانتخابات. ومنذ ذلك الوقت، قبل كل رئيس خاسر حكم الناخبين وتخلى عن السلطة. وكما قال الرئيس رونالد ريغان: “نقبل كالمعتاد أن شيئا ليس أقل من معجزة”، حتى جاء ترامب.

عندما فشل بالبقاء في السلطة، عمل ترامب على تقويض ثقة الناخبين بالانتخابات الأمريكية، وأقنع 3 من 10 أمريكيين بأن الانتخابات سُرقت منه

فكل الاتهامات التي وجهت إليه منذ دخوله المشهد العام، وهي كثيرة ومتنوعة، إلا أنها لا تقارن بالأخيرة، فعلى خلاف التهم الجنائية في نيويورك، والمتعلقة بتزوير سجلات مالية ودفع أموال لممثلة إباحية لإسكاتها، والاتهامات السابقة من سميث والتي تتعلق بتعريض أسرار الأمن القومي للخطر بعد مغادرته البيت الأبيض، إلا أن الاتهامات الأخيرة تتعامل مع أفعال الرئيس وهو في مكتبه.

فعندما فشل بالبقاء في السلطة، عمل ترامب على تقويض ثقة الناخبين بالانتخابات الأمريكية، وأقنع 3 من 10 أمريكيين بأن الانتخابات سُرقت منه بطريقة ما، وهو ما لم يحدث، وكان يعرفه المستشارون وأفراد العائلة. إلا أن تقديم ترامب للمحاكمة لن يعيد ثقة الرأي العام بالنظام، فملايين من أنصار ترامب وعدد كبير من القادة في الحزب الجمهوري تبنوا فكرة الضحية التي صورها ترامب وسارعوا لرفض الاتهامات الأخيرة حتى قبل قراءة التفاصيل، وصوروها على أنها جزء من حملة قضائية متعددة الوجوه و”عملية تصيد” ضده.

وكان ترامب يجهز أنصاره وداعميه للحظة إعلان الاتهامات ضده وحذرهم من عدم تصديق ما يرد فيها، وقال: “لماذا لم يفعلوا هذا قبل عامين ونصف؟”، وكتب يوم الثلاثاء: “لماذا انتظروا طويلا؟ لأنهم أرادوا تقديمها في وسط حملتي، سوء سلوك من الادعاء”. بل قارن بيان من حملته بين المدعي الخاص وبين الفاشية والشيوعية، “عدم قانونية الاتهامات ضد الرئيس ترامب وأنصاره تذكر بألمانيا النازية في الثلاثينات من القرن الماضي، الاتحاد السوفييتي السابق والأنظمة الديكتاتورية الأخرى”، وجاء فيه أيضا: “لطالما التزم الرئيس ترامب بالقانون والدستور، واستند على نصيحة محامين مجربين”.

وربما كانت الأوصاف هذه كافية لكي تحافظ على موقع ترامب الانتخابي ومحاولات العودة للبيت الأبيض. ورغم التكهنات المعارضة، إلا أن التهم الأخيرة زادت من جاذبيته بين الجمهوريين في التنافس على ترشيح الحزب. وفي المحكمة، فالتحدي أمام ترامب سيكون مختلفا، خاصة أن المحلفين سيتم اختيارهم من سكان واشنطن، وهي مدينة ديمقراطية، وحصل فيها على نسبة 5% من الأصوات في عام 2020. ويأمل ترامب بتأجيل المحاكمة لما بعد 2024 بحيث يجد طريقا أقصر للوقوف أمام المحكمة وحتى تبرئة نفسه. والمثير للدهشة في القضية أن ترامب لا ينكر أيا من الاتهامات الواردة في اللائحة بل ودعا لتعليق الدستور وتنصيبه حالا في البيت الأبيض.

خلال عامين ونصف، لم يتوصل أي من القضاة والمدعين ووكالة الانتخابات أو أي حاكم لإثبات صحة أقوال ترامب بحدوث تزوير في الانتخابات

والسؤال هو إن كانت الحقائق ترقى لمستوى الجريمة لدى هيئة المحلفين الفدرالية بناء على طلب من سميث. ولأن رئيسا لم يقدم للمحاكمة بتهمة قلب نتائج الانتخابات من قبل، فليس لدى المدعين سابقة ولا قوانين يمكن تطبيقها على الحالة. ويقول المدافعون عن ترامب إن لديه نية حسنة في رفض نتائج الانتخابات في عدة ولايات، وأنه استخدم حقوقه القانونية. وهو رأي تشترك فيه نسبة 74% من الجمهوريين، حسب استطلاع لنيويورك تايمز وكلية سيينا.

وما يفعله سميث هو تجريم  خلاف سياسي، على طريقة المنتصر، أي محاولة إدارة بايدن التخلص من عدو. وخلافا لهذا، فالاتهامات التي وجهها سميث تظهر أن ترامب أُخبر مرارا وتكرارا من مستشاريه والمسؤولين حوله، بأن ما يقوله ليس صحيحا، لكنه استمر  في مزاعمه.

وأخبره اثنان من المحامين وعدد آخر من مسؤولي وزارة العدل، ومسؤول أمن الانتحابات وكلهم عينهم ترامب بأنها ليست صحيحة، وكذا من المحققين الذي استأجرهم، وأخبره حاكم جمهوري ووزراء خارجية ومشرعون. لكنه لم يتراجع خلال عامين ونصف، ولم يتوصل أي من  القضاة والمدعين ووكالة الانتخابات أو حاكم لإثبات صحة أقواله بحدوث تزوير في الولايات غير المرجحة علاوة على المرجحة التي كانت ستضمن فوزه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية