لندن – “القدس العربي”:
رأت صحيفة “نيويورك تايمز” في تقرير لمراسليها جوزيف غولدستاين وديكلان وولش أن استقالة مدير المخابرات السوداني هو انتصار آخر حققه المتظاهرون. وقالت إن مدير المخابرات السوداني القوي صلاح قوش أعلن استقالته يوم السبت في الوقت الذي استمرت فيه الإعتصامات أمام مقرات القيادة العامة للجيش في الخرطوم. وعلقت الصحيفة أن المحتجين الذين وصل عددهم مئات الالاف أثبتوا أنهم قوة فعالة في حركة التغيير الديمقراطي لم يشهدها السودان منذ أكثر من ثلاثة عقود.
فنتيجة لضغوطهم استجاب الجيش وعزل عمر البشير الذي حكم البلاد منذ عام 1989. وحدث هذا في منتصف نهار الخميس إلا أن زمرة عسكرية أعلنت عن فترة انتقالية مدتها عامين لتكتشف أن المتظاهرين لا يريدون العودة إلى بيوتهم. وفي ليلة الجمعة أعلن الجنرال الذي بدا وكأنه يقود المجلس العسكري عن استقالته. وكانت الخطوة محاولة لاسترضاء الجماهير الذي لم تر فرقا بينه وبين الرئيس المعزول. وهي نقطة كان واضحة في هتافاتهم “لا نريد استبدال لص بلص آخر”. ثم أعلنت يوم السبت وكالة الأنباء السودانية عن استقالة مدير المخابرات قوش، الشخص ذو السمعة المثيرة للخوف والذي كان ينظر إليه بمثابة الرجل الثاني الأكثر تأثيرا في السودان بعد البشير. وتعلق الصحيفة أن رحيله يعد انتصارا ثانيا للمتظاهرين الذين طالب عدد كبير منهم بحل المخابرات وجهاز الأمن الوطني الذي كان يديره.
الكثير من المحتجين يخشون من محاولة المؤسسة الأمنية إجهاض دعواتهم التحول السريع إلى الديمقراطية.
ولا يعرف السبب الذي أدى لاستقالته وإن كان غضب المتظاهرين على وكالته أم التنافسات بين جهاز الأمن والجيش هو الذي أطاح به.
وفي الوقت الذي تعهد فيه المجلس العسكري الذي يحكم البلاد اليوم بتسليم السلطة إلى حكومة مدنية إلا أن الكثير من المحتجين يخشون من محاولة المؤسسة الأمنية إجهاض دعواتهم التحول السريع إلى الديمقراطية. ويظل رحيل قوش، في الحد الأدنى، انتصارا رمزيا للمتظاهرين الراغبين بالتخلص من النظام القديم. وأعلن المجلس العسكري إنه سيرفع حظر التجول الذي فرض بعد الإطاحة بالبشير وتم تجاهله بشكل عام. فبعد التظاهرات التي بدأت في كانون الأول (ديسمبر) وانتشرت إلى العاصمة ومدن البلاد الأخرى كان ضباط قوش في مقدمة الذين تصدوا للمتظاهرين وقمعوهم. وتقول الجماعات الطبية إن العشرات قتلوا على يد قوات الأمن بمن فيها المخابرات. وانتشر التعذيب في مراكز الإعتقال ومراكز المخابرات.
وكان قوش من المهندسين لعمليات مواجهة التمرد في دارفور الذي بدأ في العقد الأول من القرن الحالي وأدى لمقتل حوالي 300.000 شخص وتشريد الملايين.
وفي العاصمة الخرطوم خاف الناس من المخابرات بسبب ما أطلق عليها “بيوت الأشباح” أو السجون السرية التي مورس فيها التعذيب واختفى فيها المعتقلون. وفي عام 2010 نشرت منظمة “أمنستي إنترناشونال” تقريرا عن المخابرات السودانية قام على شهادات ضحايا التعذيب. وقال طبيب كتب مقالا ناقدا للحكومة السودانية إنه اعتقل وضرب على يد ضباط المخابرات واستخدموا العصي الكهربائية وهددوا باعتقال والدته واغتصابها. وقال “ألقوني على ظهري وحقنوا سائلا أخضر في عضوي الحساس”. وشمل تقرير المنظمة الدولية على أوصاف مثل الصعقات الكهربائية “ورمي المعتقلين مقيدة أيديهم وأرجلهم في حفر عميقة” أو إجبار النساء على شرب المياه حتى يفقدن الوعي. وقالت ناهد جبرالله الناشطة الحقوقية: “يظل قوش المجرم الرئيسي في النظام”. وتعتقد أن استقالته ليست انتصارا للمتظاهرين لأن “النظام لا يزال مسيطرا”. ولا ترى أن هناك إشارات عن محاسبته على جرائمه “لقد منح فرص للهرب من العدالة”. ويؤكد رحيله بعد الإستقالة المفاجئة لرأس النظام الجديد عن وجود صراع على السلطة بين الزمرة العسكرية والأمنية في البلاد والتي ظلت موالية للبشير. واستخدم البشير خلال حكمه الطويل عددا من القوى الأمنية وقيادات الجيش والميليشيات والجماعات العرقية التي استخدمها لكي تقوم بالحملات نيابة عنه كما في حالة دار فور. وحذر المراقبون من صراع على السلطة مع انتشار التظاهرات. وواحد من الرموز الجنرال محمد حمدان المعروف بحميدتي قائد قوات الدعم السريع. وهي ميليشيا تطورت من جماعات الجنجويد في دار فور. وعمل قوش مديرا للمخابرات طوال العقد الأول من القرن الحالي حيث تعاون مع (سي آي إيه) في ملاحقة أتباع تنظيم القاعدة. وعندما أصدرت الجنائية الدولية مذكرة باعتقال البشير عام 2009 توعد قوش من ينتقد أو يسخر من الرئيس بالويل. لكن العلاقة بين الرجلين تدهورت عام 2012 عندما اعتقل نفسه بتهم نشر الشائعات عن صحة البشير والتخطيط للإنقلاب عليه. وأفرج عنه بدون تهم بعد عام. وأعيد لمنصبه العام الماضي بعدما رفعت الولايات المتحدة العقوبات عن الخرطوم في وقت بدأت فيه العلاقات الإستخباراتية بين البلدين تتوثق. ولا يعرف إن كان رحيله للأبد أم أنه سيعود في مهمة جديدة. ويرى أليكس دي وال الخبير في الشؤون السودانية إن هناك إمكانية لاستقالة قوش طوعا لإبعاد نفسه عن النظام القديم. “لقد استقال ولكنه ليس خارج السلطة” مشيرا إلى أن تأثيره ليس نابعا من منصبه.