لندن- “القدس العربي”: رأت صحيفة “نيويورك تايمز” أن التدهور الاقتصادي المستمر في إيران، كان واحدا من العوامل القوية التي دفعت الإيرانيين للخروج إلى الشوارع خلال الأسبوعين الماضيين.
وفي تقرير أعدته فيفيان يي وفرناز فصيحي، قالتا إن نادر (41 عاما) والموظف في شركة بناء بطهران، يعدل بشكل مستمر قائمة المشتريات وهو يتجول بين رفوف المتاجر، حيث يحسب ويدقق أكثر من مرة في المواد التي يريد شراءها وتتطابق مع الميزانية التي وضعها للقائمة، فقبل عام، توقف عن شراء اللحم ثم الدجاج، واليوم لم تعد الأجبان أو البيض ضمن قائمة المشتريات بعدما تضاعف ايجار البيت وقضم التضخم جزءا مهما من ميزانيته.
وقال نادر: “لا أستطيع ملاحقة زيادة الأسعار مهما حاولت”، حيث يعمل سائق تاكسي في المساء من أجل الحصول على مال كاف لشراء الملابس والمواد الدراسية لأولاده.
وقال: “مطالبنا من الحكومة هي إصلاح الاقتصاد وفهم أننا ننهار نتيجة الضغوط المالية”. ولدى نادر مثل عشرات الآلاف من الإيرانيين الذين تدفقوا إلى الشوارع في الأسابيع الماضية، الكثير من التظلمات ضد الحكومة مثل ارتفاع الأسعار، معدلات البطالة العالية، القمع السياسي وإجبار المرأة على ملابس وحجاب يغطي شعر الرأس. وكانت وفاة الشابة مهسا أميني لدى شرطة الأخلاق قبل أسبوعين، مدعاة للغضب الشعبي. إلا أن الوضع المؤسف للاقتصاد الإيراني هو الدافع الرئيسي وراء مطالب الشارع للتغيير.
ولشعورهم بالخيبة من فشل الإدارات المتعاقبة في تغيير الوضع الاقتصادي، فقد هتفوا: “الموت للديكتاتور” وطالبوا بنهاية القيادة الدينية المتصلبة والجمهورية الإسلامية. وترى الصحيفة أن اليأس الاقتصادي هو واحد من العوامل التي توحّد معارضي الحكومة وأنصارها. فقد هاجم عبد الرضا دفاري، المحلل السياسي المحافظ، العنف الأخير في تغريدة، ولكنه اعترف أن 95% من الإيرانيين وبعيدا عن مواقفهم السياسية، يشعرون بالقلق حول المعيشة اليوم، ومستقبل أبنائهم.
فعقود من سوء الإدارة والفساد والتي ترافقت مع جولتين من العقوبات الأمريكية الخانقة للحد من نشاطات إيران النووية والصواريخ الباليستية، وإلى جانب وباء كورونا، حيث كانت إيران واحدة من بؤر انتشاره الأولى، أدت لتجمد الاقتصاد وبقائه على وضع ما قبل عام 2012 أو أسوأ.
ويشعر السكان الذين استبعدوا اللحم من قوائم مشترياتهم وأخروا الزواج وإنجاب الأطفال، بالغضب من قادتهم الذين يحمّلونهم مسؤولية سوء إدارة الاقتصاد. وكان على أبناء الطبقة المتوسطة إعادة تشكيل حساباتهم، وبات العديد من أبناء الطبقة العاملة يعيشون تحت خط الفقر، وأعلنت شركات ومتاجر عدة عن إفلاسها بسبب زيادة الأجور للكثير منها. وبالنسبة للبضائع الأجنبية، فقد اختفت من الأسواق أو صارت بعيدا عن متناول المشترين. وخسر الريال الإيراني الكثير من قيمته، لدرجة أن السلطات طبعت أوراقا نقدية جديدة، من أجل التخلص من أوراق العملة من أربعة أصفار والتي يحملها الإيرانيون في رزم للشراء.
ولم يستطع المتعلمون الإيرانيون العثور على وظائف تتناسب مع شهاداتهم الجمامعية. فأمير(24 عاما) يحمل شهادة في الهندسة المعمارية، لكنه يعمل في متجر لبيع الملابس بطهران. ويعمل معظم زملائه في كليات الهندسة إما ككتبة في متاجر أو سائقي سيارات. ويعيش مع والديه في شقتهما، ويقول إنه لا يتخيل يوما استئجار شقة، شراء سيارة، الزواج أو بناء عائلة، ويقول: “بالنسبة لنا، فالمعالم الرئيسية في الحياة العادية تبدو حلما” و”ربما كان الخيار الوحيد هو مغادرة إيران”.
وشهدت إيران حالة من التفاؤل عام 2015 بعد توقيع اتفاقية نووية مع الولايات المتحدة وبقية القوى العالمية، وكانت هناك بوادر تعاف اقتصادي واستثمارات وشراكات أجنبية، إلا أن خروج دونالد ترامب من الاتفاقية عام 2018 وإعادة فرض العقوبات السابقة وعقوبات جديدة استهدفت مبيعات النفط والتعاملات المالية الدولية، دفعت بقية الشركات الأجنبية للخروج خشية فرض عقوبات ثانوية عليها.
ويقول مؤسس “بورس أند بازار” اسفنديار باتمانيغلجيدي: “الإيرانيون لا ينظرون فقط إن كانوا في حال أحسن مقارنة مع العام السابق” و”الشيء الذي يفكر به كل شخص في البلد، هو حالة الركود التي يعيشها منذ عقد”. ويتساءل الناس: “لماذا لم يتحسن اقتصادنا بطريقة جيدة في عقد؟”. وشهدت البلاد احتجاجات ضد ارتفاع الأسعار والاقتصاد المنكمش في 2017 و2019 خاصة في مناطق الطبقة العاملة وأصحاب الأجور المتدنية. وطالب بعض المحتجين بالإطاحة بآية الله علي خامنئي، ولكن تم قمعهم بشدة. وزادت معدلات التضخم ما بين 30 و40 إلى 50%.
ويدفع الإيرانيون الآن رسوما بنسبة 75% للطعام أكثر من العام الماضي. وقالت وزارة الأشغال والخدمات الاجتماعية الإيرانية في آب/ أغسطس 2021، إن واحدا من بين ثلاثة إيرانيين أو 30 مليون نسمة، يعيشون في مستوى الفقر. وتقول حوري (60 عاما) الموظفة المتقاعدة، إن دخلها المحدد يجعلها تفكر مرتين قبل القيام بأي نشاط اجتماعي مثل زيارة أختها، فرحلتان بالتاكسي أسبوعيا، تعني ذهاب ثلث مرتبها التقاعدي. وفي اجتماعات العائلة التي كانت تقدم فيها ألوان الطعام، لم يعد يقدم فيها سوى الشاي والبسكويت، وقالت: “نحاول التعامل مع الحياة بصعوبة” و”كل رحلة إلى المتجر هي كفاح”.
وزاد البؤس من حركة الرحيل من إيران، فمع أن المتعلمين والأثرياء يغادرون البلد منذ الثورة عام 1979، إلا أن الظروف الصعبة سرّعت من معدلات الرحيل، وغالبا ما يبقى طلاب الكليات الطبية والتمريض في الدول التي درسوا فيها، ويقررون عدم العودة. وعبّر قادة إيران عن تحدي العقوبات، وتحدثوا عن “اقتصاد المقاومة”، حيث طوّروا الصناعات المحلية وشجعوا المواطنين على شراء المنتج المحلي تحقيقا للاكتفاء الذاتي، واستمروا ببيع النفط إلى الصين بأسعار مخفضة. وساعد هذا الاقتصاد على التحرك والنمو بنسبة 4% في عام 2021 وشهد التضخم بطئا نسبيا. وبالنسبة للكثير من الإيرانيين فقد فقدوا الثقة بالنظام، ذلك أن الانتخابات المتعاقبة فشلت في تقديم الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية التي طالبوا بها.
ووعد إبراهيم رئيسي، الذي تولى الحكم العام الماضي، في انتخابات استبُعد فيها كل المرشحين المناسبين، بتخفيض التضخم وخلق مليوني وظيفة بحلول آذار/ مارس 2023. لكن “اقتصاد الجراحة” الذي وعد به، قاد إلى زيادة التضخم وتخفيض القدرات الشرائية للمستهلك.
وبالنسبة للكثير من المحللين والإيرانيين، فالحل للأزمة الاقتصادية هو إحياء الاتفاقية النووية مع الغرب. وفي الوقت الذي يتفاوض الأمريكيون والإيرانيون حول شروط الاتفاقية، ترتفع آمال الإيرانيين وتنخفض، بناء على التقدم والعقبات. وبالنسبة لعدد من المحللين، فاتفاقية نووية جديدة ستكون مفيدة لإيران، حيث سيتم بموجبها الإفراج عن مليارات الدولارات المجمدة، وتسمح ببيع النفط والغاز الإيراني في الأسواق العالمية. إلا أن الإيرانيين يرون أن الحل هو التخلص من سوء الإدارة والفساد الذي عانى منه الاقتصاد. ويرى البعض في طهران أن فرصة توقيع الاتفاقية تستحق، لكن الحكومة الإيرانية يبدو أنها ليست على عجلة من أمرها قبل أن تحقق تنازلات.
ويقول هنري روم، مدير البحث في مجموعة أبحاث المخاطر يوريشيا: “ما ستفعله الاتفاقية النووية هو أنها ستقدم منافع اقتصادية واضحة وتعطي الحكومة مساحة كبيرة للتنفس”. ومشكلة إيران أنها تحاول الحصول على هذا بدون اتفاقية، رغم قدرتها على الخوض في المشاكل.
وفي الوقت الحالي، يواصل الإيرانيون معاناتهم. وفي العام الماضي اندلعت تظاهرات بسبب نقص المياه الصحية في أصفهان وخوزستان وبسبب ارتفاع أسعار الباستا والخبز، واحتج المدرسون وتجار البازار وسائقو الحافلات بسبب رواتب التقاعد أو الأسعار. وعندما انتشرت الأخبار عن أميني، كان الجميع جاهزين للخروج والاحتجاج.