نيويورك تايمز: السعودية راهنت على رئيس يمثل الوجه الأقبح لأمريكا وقد تجد نفسها بلا مال ولا أصدقاء

إبراهيم درويش
حجم الخط
0

لندن – “القدس العربي”:

في مقال نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” لديفيد ويرينغ المتخصص في العلاقات البريطانية -الخليجية ومؤلف كتاب ” شبه الجزيرة الإنكليزية: لماذا تعتبر ثروة الخليج مهمة لبريطانيا” وتحدث فيه عن السعودية التي لم يعد لديها أصدقاء مشيرا إلى أن الأسبوع الماضي “كان سيئا للعائلة السعودية المالكة”، ففي يوم الأربعاء أصدرت خبيرة في الأمم المتحدة تقريرا دعت فيه للتحقيق بدور ولي العهد محمد بن سلمان بجريمة قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي. وفي اليوم التالي صوت مجلس الشيوخ على منع صفقة سلاح بالمليارات إلى السعودية، وهو التصويت الأخير في سلسلة من الجهود التي يقوم بها الكونغرس لوقف الدعم الأمريكي للحرب التي تقودها السعودية في اليمن.

وفي نفس اليوم أصدرت محكمة في لندن قرار أدان الحكومة البريطانية وأنها تصرفت بطريقة غير قانونية عندما صادقت على بيع السلاح إلى السعودية. ويرى ويرنغ أن هذه التطورات تعتبر توبيخا كبيرا وإشارة عن أزمة سياسية نتيجتها ليست واضحة. خاصة أن المملكة العربية السعودية تمتعت بحماية القوى الأطلنطية منذ وجودها الذي مضى عليه قرن تقريبا. إلا أن الروابط الأنكلو-أمريكية مع آل سعود ربما في طريقها نحو عاصفة تامة حيث لم يعد فيها هناك إمكانية للحفاظ على العلاقات مثلما بدأ فيه المنطق الإستراتيجي الذي دعمها يتداعى. وتساءل الكاتب عن السبب الذي أدى إلى هذه الحالة؟ ويجيب إلى حادثتين قوضتا سمعة السعودية على المستوى الدولي وأضعفت بالضرورة الدعم الأنكلو- أمريكي الذي تعتمد عليه المملكة. الأولى هي الحرب الكارثية في اليمن، ومع أن الحقائق معروفة لكن من المفيد تكرارها هنا. فالتحالف الذي تقودع السعودية مسؤول عن مقتل معظم قتلى الحرب الذين يعدون بعشرات الألاف، وقام باستهداف “واسع ومنظم” للمدنيين. كما قام التحالف بحصار قاد لما أسمته الأمم المتحدة “أسوأ كارثة إنسانية” ووفاة 85.000 طفلا بسبب الجوع. وكانت واشنطن ولندن المسهلان لهذه المذبحة وقدمتا الدعم الحيوي الذي لم يكن التحالف السعودي قادرا على القيام بعمليات القصف بدونه. ومع زيادة الشجب وارتفاع الأصوات الداعية لوقف الدعم بات من الصعب على لندن وواشنطن الدفاع عن صفقات السلاح للتحالف. أما الحادث الثاني والمهم فقد كانت الجريمة البشعة لجمال خاشقجي والتي يعتقد بشكل واسع أن الأوامر لتنفيذها صدرت من مستويات عليا في الحكومة السعودية. ويشير الكاتب إلى أن ولي العهد السعودي كان منشغلا خلال الأشهر التي سبقت الجريمة بتقديم نفسه للغرب كإصلاحي متنور الذي كان الغرب مستعدا لمنحه مصداقية.

وتركت الجريمة في اسطنبول التي ترافقت مع حملات قمع ضد المعارضين ودعاة الإصلاح رواية “المصلح” والإصلاح ممزقة وأصبحت تعبر عن الوحشية وعدم النضج وسوء التقدير من ولي العهد.  ويمكننا استنباط تيارين في المعارضة داخل الكونغرس للتحالف الأمريكي- السعودي.الأول، يضم المؤسسة الديمقراطية وبعض الجمهوريين الملتزمين بالمبادئ الأساسية التي تعلم التحالف بين البلدين لكنهم قلقين من سوء الإدارة التي يقوم بها الرئيس دونالد ترامب وولي العهد بشكل يصعب الحفاظ على العلاقة في شكلها التقليدي. ويريد هذا التيار حل مصادر الأزمة وعدم تركها لكي تتقيح وتكبر كالدمل، مما يعني وقف سريع للحرب في اليمن ومحاسبة مقبولة لقتلة جمال خاشقجي.

أما التيار الثاني، فهو اليسار البارز في صفوف الديمقراطيين بمن فيهم بيرني ساندرز والنائبة إلهان عمر والذين يقدمون رؤية تحذر من الدعم الأمريكي للسعودية.

ويدعو هذا التيار لتغيير جوهري في السياسة لا الحفاظ على الأسس التي تعلم العلاقة. ولا يمكن استبعاد هذا المنظور في ظل بروز جيل جديد من الناخبين الشباب. ورغم التقاطع في التيارين وتلاقيهما بطريقة مثيرة للدهشة، إلا أن بيت ترامب الأبيض اضطر للإعتماد على الأوامر الرئاسية من أجل تجاوز المعارضة داخل الكونغرس، مما يعني أن الدعم مستمر، بشكل عام للمملكة، ولكن يجب عدم التعامل معه كأنه أمر واقع. ويقول الكاتب إن العالم لو قرر التعامل وبجدية مع مخاطر المناخ فإن كمية كبيرة من النفط الموجود في السعودية سيظل في الأرض تاركا السعودية جالسة على رصيد عالق. وطالما ظل النفط شريان الحياة للإقتصاد العالمي فالسيطرة الإستراتيجية على الأرصدة الأساسية له في الخليج ستظل مصدرا للسلطة في النظام العالمي. ويعتبر البترو دولار الناجم عن مبيعات النفط مصدرا للإستثمار وصفقات السلاح. ولو قرر العالم التخلص من ثاني أوكسيد الكربون أي التخلص من النفط، فلا سبب يدعو لدعم نظام ديكتاتوري تتراجع ثروته وأهميته. وكما في المجالات الأخرى فالتغيرات المناخية قد تعيد تفكيك السياسة الخارجية. ونلاحظ نفس الدينامية في دول أخرى مثل بريطانيا الحليف الغربي للسعودي، فقرار المحكمة لم يؤد إلى وقف كل مبيعات السلاح وهو محل استئناف حكومي. لكن عرقلة المبيعات ولو مؤقتا مهم لو أخذنا بعين الإعتبار اعتماد التحالف على السلاح البريطاني وأهمية صفقات السلاح للعلاقات البريطانية- السعودية. وبنفس السياق يتعرض حزب العمال المعارض بعملية تغير صعبة تشبه تلك التي يمر بها الحزب الديمقراطي. وعبر الحزب وبشكل مستمر عن انتقاده لسجل حقوق الإنسان وحرب اليمن وهمش النواب المؤيدين للسعودية في صفوفه. ودخلت إلى قطاعات الحزب أصوات داعية لتغيير مسار السياسة الخارجية البريطانية.

ويرى الكاتب أن العلاقات السعودية مع دول الأطلنطي نجت عدة أزمات خلال القرن الماضي ويمكن أن تستمر لقرن آخر لكن التهديدات الوجودية أصبحت واضحة للعيان ولو كان لدى أي طرف في واشنطن أو لندن خطة جدية للحفاظ عليها فهو يتكتم عليها. ويقول إن محاولة السعوديين التقارب مع إدارة ترامب كانت ناجحة لكنهم قد يندمون على رهانهم على رئاسة واحدة يبدو أنها تمثل الوجه القبيح من الماضي الامريكي لا المستقبل، وقد سيجد النظام السعودي نفسه “بدون مال ولا أصدقاء ولا وقت”.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية