نيويورك تايمز: تغطية الإعلام الأمريكي لكوفيد-19 ظلت سلبية.. فهل يحب الجمهور تلك الأخبار؟

إبراهيم درويش
حجم الخط
0

لندن- “القدس العربي”: نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريرا أعده ديفيد ليونهارت قال فيه إن الإعلام الأمريكي يقدم صورة مختلفة عن كوفيد-19 عن تلك الصورة التي تقدمها المجلات العلمية والإعلام العالمي. وأشار لدراسة في توجهات الإعلام الأمريكي المتعلقة بفيروس كورونا وأعدها بالتعاون مع بروفسور الاقتصاد في كلية دراتموث، بروس سكاردوت، حيث لاحظ في العام الماضي شيئا غريبا في تغطية الإعلام الأمريكي لكوفيد مثل شبكة سي أن ان وبي بي أس ووجده أنه سلبي وبعيد عما كان يراه في البيانات أو سمعه من الباحثين العلميين الذين يعرفهم. فعندما كانت حالات الإصابات في ارتفاع بالولايات المتحدة ركز الإعلام على زيادة الحالات. ولما تراجعت الحالات بحث الإعلام عن الأماكن التي زادت فيها وأكد عليها.

وعندما بدأت أبحاث اللقاحات تظهر نتائج إيجابية بدأ الإعلام بالتقليل من أمرها أو هكذا اعتقد سكاردوت. ولكنه لم يكن متأكدا من صحة رأيه، ولهذا قام بالعمل مع باحثين آخرين من أجل بناء قاعدة بيانات عن تغطية كبرى المؤسسات الإعلامية لكوفيد-19 مثل سي أن ان وفوكس نيوز ونيويورك تايمز وبوليتكو ومئات المصادر الأخرى للمعلومات في الولايات المتحدة وخارجها. ثم قام الباحثون بتحليل البيانات بناء على تقنية علمية- اجتماعية وتصنيف النبرة أو اللغة في التغطيات بناء على ثلاثة معايير – إيجابية- محايدة أو سلبية. وكشف التحليل أن حدس سكاردوت كان صحيحا وليس لأن قصة الوباء كانت قاتمة.

من الملاحظ أن السلبية في التغطية كانت واضحة في المؤسسات الإعلامية التي توجه محتوياتها للجمهور الليبرالي مثل شبكة أم أس أن بي سي وتلك التي توجه برامجها للمحافظين مثل فوكس نيوز

فقد كانت تغطية النشرات الأمريكية الموجهة للجمهور المحلي سلبية في الأغلب وأكثر من أي مصدر للمعلومات حلله الباحثون بما في ذلك المجلات العلمية وكبرى النشريات الدولية والإعلام الجهوي في الولايات المتحدة. وكانت النشريات الأمريكية كما تقول مولي كوك، الباحثة المشاركة في الدراسة “مختلفة من ناحية سلبيتها”. وكانت نسبة 87% من التغطية المتعلقة بكوفيد في الإعلام الوطني الأمريكي، العام الماضي، سلبية، مقارنة مع نسبة 51% للصحافة الدولية و53% للصحافة الجهوية أو الإقليمية و64% في المجلات العلمية.

ومن الملاحظ أن السلبية في التغطية كانت واضحة في المؤسسات الإعلامية التي توجه محتوياتها للجمهور الليبرالي مثل شبكة أم أس أن بي سي وتلك التي توجه برامجها للمحافظين مثل فوكس نيوز. وأكد سكاردوت ان الصحافيين لم يكونوا ينشرون أو يروجون للأكاذيب، ولكن المسألة تتعلق بموضوع التأكيد على الحقائق. لكن الدراسة التي أصدرها المكتب الوطني للأبحاث الإقتصادية بعنوان “لماذا يعتبر كوفيد-19 أخبارا سيئة” تدعو لحالة تأمل في الذات ممن يعملون في الإعلام. ولم تقم الصحافة بنشر قصة سلبية فإنها لا تقول القصة الحقيقية للجمهور وما يحدث بالضبط على الواقع. فالإعلام يقوم بمهمة جيدة عندما يقول إن الحالات ارتفعت في مكان وانخفضت في أماكن أخرى وكيف أن اللقاحات يمكن أن تنقذ حياة الناس، وربما كان االغموض في التغطية نابعا من عدم توضيح الإعلام التطورات المتعلقة بكوفيد وأخطرها. ويقول رانجان سيغال، المؤلف المشارك في الدراسة “يقدم الإعلام صورة مختلفة قليلا عما يتحدث عنها العلماء”.

والباحثون غير متأكدين من طريقة شرح نتائج بحثهم، لكنهم يرون أن الإعلام قدم للقراء والجماهير ما يحبون سماعه. فعندما فحص الباحثون التقارير الأكثر قراءة او مشاركة على صفحات الفيسبوك وجدوا أنها القصص السلبية. وبطريقة أخرى فالقصص التي بحث عنها القراء هي السلبية وليس التي اختارت المنظمات الإعلامية نشرها. ويرى سكاردوت أن “البشر وبالتحديد المستهلكين للإعلام يحبون السلبية في القصص” و”نعتقد أن المؤسسات الكبرى ترد على مطالب المستهلك”.

يرى سكاردوت أن البشر وبالتحديد المستهلكين للإعلام يحبون السلبية في القصص والمؤسسات الكبرى تستجيب لمطالب المستهلك

وأضاف سكاردوت أن هذا منطقي لأن النشريات الوطنية لديها حدس للوصول إلى الجماهير أحسن من المجلات العلمية. أما المؤسسات العالمية الكبرى الناطقة بالإنكليزية مثل بي بي سي والتي تحصل على تمويل حكومي فإنها أقل ميلا للتركيز على احتياجات المستهلك. وكل هذا معقول ولكنه لا يقدم تفسيرا كاملا للظاهرة. ويرى كاتب المقال أنه عمل في الإعلام لمدة ثلاثة عقود ويعرف أن الصحافيين لا يقضون وقتا طويلا في الحديث عن حجم الجمهور. وهم يهتمون به ولكن الصحافيين تشغلهم عوامل أخرى مثل القيام بعمل يترك أثرا. وفي العصر الحديث من الصحافة والتي تعود إلى حرب فيتنام ووترغيت، فيتم قياس الأثر من خلال طرح الأسئلة الصعبة والكشف عن المشكلة. وهناك عدة أسباب لهذا، أهمها وجود ساسة ومدراء شركات ونجوم يحاول كل واحد منهم تقديم نفيسه بأحسن صورة. ومهمة الصحافي هي الدخول في عملية الترويج للنفس والكشف عن الحقيقة. وإن لم ينشر الإعلام الأخبار السيئة فلن تعرف الحقيقة. وأحيانا يتحول الشك الصحي إلى سخرية انعكاسية وينتهي الأمر بأن يقول الصحافيون شيئا أقل من القصة الكاملة. وهذا لا يقلل من قيمة الدراسة التي قام سكاردوت وسيغال وكوك لأنها أعطت الصحافيين فرصة للنظر في صورتهم بالمرآة كما يقول الكاتب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية