لندن – “القدس العربي”:
تساءل كريستين كوتس أورليشسن مؤلف كتاب ” دول الخليج في الاقتصاد العالمي” والزميل الباحث في معهد بيكر لشؤون الشرق الأوسط بجامعة رايس عن السبب الذي دفع قطر لمغادرة منظمة الدول المنتجة والمصدرة للنفط (أوبك)؟
وأجاب في مقال نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” أن السبب متعلق بمحاولات الدولة الصغيرة تأكيد استقلاليتها عن بقية دول الخليج.
وقال في البداية إن قرار قطر المفاجئ ترك أوبك بحلول الأول من كانون الثاني (يناير) هو رد استراتيجي من البلد على تغير خريطة الطاقة العالمية وحصار 18 شهرا من دول الجوار السعودية والإمارات والبحرين بالإضافة لمصر.
وقال إن قرار قطر الابتعاد عن الإجماع الأوسع بين دول الخليج الأعضاء في أوبك هو تذكير بالتوترات النابعة من سياسة الحزم التي تقودها السعودية في ظل ولي العهد محمد بن سلمان.
وبدت الاستقلالية واضحة في لقاء دول مجلس التعاون الخليجي الستة الذي عقد نهاية الأسبوع بالرياض. ولم يحضر الأمير تميم بن حمد آل ثاني القمة وأرسل مسؤولا على مستوى وزير دولة ليمثل قطر. ولدى كل من الكويت وعمان تحفظات على المواقف الصقورية من المحور السعودي-الإماراتي وستراقبان قرار قطر بتمعن.
ولاحظ الكاتب أن القمة لم تناقش حصار قطر وظلت الخلافات بدون حل وربما أصبحت بدون حل. ومع تعقد المواقف فإنه لا الرباعي الذي تقوده السعودية ولا قطر تريد أن ترمش أولا. وجاء قرار قطر كأول دولة خليجية تخرج من المنظمة تعبيرا عن عدم رضاها عن المسار الذي باتت تسير فيه والتدخل السعودي المتزايد فيها. وبدا التدخل السعودي واضحا في نيسان (إبريل) 2016 عندما اجتمعت المنظمة في الدوحة، العاصمة القطرية عندما تدخل الأمير محمد بن سلمان وعرقل اتفاق للحد من انتاج النفط بين دول أوبك الأعضاء والدول غير الأعضاء في أوبك. وكان الأمير تميم بن حمد قد عمل جهده لتأمين اتفاق بين دول أوبك وروسيا ليتعرض لضغوط من السعودية وولي ولي عهدها في ذلك الوقت لكي لا يدعو إيران إلى المؤتمر. وبذلك قضى السعوديون على الاتفاقية في وسط اللقاء. ومع أن اللقاء كان يهدف لمواجهة التراجع المتزايد في أسعار النفط بمرحلة ما بعد 2014 إلا أن الحرب الباردة بين السعودية وإيران دعت حسب رأي الأمير للحاجة إلى تأمين اتفاق يؤدي لاستقرار أسعار النفط ويساعد اقتصاديات المنتجين التي تأثرت بسبب تراجع موارد النفط. ويرى الباحث أن قرار قطر الخروج من أوبك قام على قرارين اتخذا قبل وبعد حصار الرباعي لها في حزيران (يونيو) 2017. فقد قررت قطر توسيع قدراتها في مجال إنتاج الغاز الطبيعي بنسبة 43% أي 110 مليون طن سنويا. وردت قطر على محاولات عزلها عبر سلسلة من الاتفاقيات طويلة الأمد لتصدير الغاز الطبيعي مع دول عدة بمن فيها الصين واليابان وبريطانيا بشكل أظهر أن قطر لا تزال مفتوحة للتعاملات التجارية والتعاون الدولي. واتخذت قطر قرارا استراتيجيا يوجه مصادرها الوطنية باتجاه الغاز الطبيعي باعتباره عماد سياستها للطاقة وليس النفط. ورغم اكتشاف النفط في قطر عام 1937 بعد عام من اكتشافه في السعودية والكويت وانضمت إلى أوبك عام 1961 ،إلا أنها لم تكن لاعبا مهما في سوق النفط العالمي لأن صادراتها ظلت قليلة بالمعايير الخليجية. وفي السبعينات من القرن الماضي تم اكتشاف احتياط هائل من الغاز الطبيعي في حقل الشمال على المنطقة الواقعة بينها وإيران والجزء الأكبر منه يقع في المياه الإقليمية القطرية. ولا يزال الحقل الشمالي من أكبر الحقول التي اكتشفت باحتياط لمدة 130 عاما وقدرة انتاجية بـ 77 مليون طنا في العام.
ومنذ بداية التسعينات من القرن الماضي استثمرت قطر بشكل واسع في البنية التحتية لتصدير الغاز المسال عبر أنابيب. وبحلول عام 2007 كانت قطر أكبر مصدر للغاز المسال في العالم حيث وصل انتاجها عام 2010 إلى 77 مليون طنا في العام.
وبالمقارنة فإنتاج قطر من النفط لا يزيد عن 607.000 برميل في اليوم عام 2017 أي 2% من حجم انتاج أوبك الإجمالي. وفي نيسان (إبريل) 2017 قررت قطر رفع التعليق الذي فرضته لمدة 12 عاما على مصادرها الطبيعية عام 2005 لدراسة إثر الإنتاج المتزايد على حقل الشمال وطرق الحفاظ عليه وتوسيعه في المستقبل.
وكان قرار قطر زيادة قدراتها لإنتاج الغاز المسال إلى 110 مليون طن من 77 مليون طن في العام قبل شهرين من الحصار الذي قادته قطر عليها.
وظلت طوال فترة الحصار تزود الإمارات بالغاز عبر أنابيب والذي يشكل ربع ما تحتاجه من الغاز يوميا.
وفي تشرين الثاني (نوفمبر) أجرى الامير تعديلا في الحكومة عين بموجبه سعد الكعبي، المدير السابق لشركة البترول القطرية وزير دولة لشؤون الطاقة. وأشرف الكعبي خلال إدارته لشركة النفط على رفع التعليق عن التنقيب وتطوير حقل الشمال وفي موقعه الجديد فقد كلفه الأمير بالإشراف على المرحلة المقبلة من تطوير الغاز القطري. وهناك خطط لزيادة التطوير والشراكات الدولية لتعزيز دور قطر كمصدر رئيسي للغاز المسال في العالم. وبعد أن أظهر القطريون صمودهم في وجه الحصار يبدو أنهم مصممون للتحرك من أوبك ورسم طريق جديد لهم في سوق الغاز العالمي.
ووقعت قطر اتفاقا مع بريطانيا عندما بدأ يسري مفعول الحصار لتزويدها بالغاز، حيث تحصل بريطانيا على ثلث احتياجاتها من قطر.
وفي أيلول (سبتمبر) وقعت قطر اتفاقية مع بتروتشاينا لتزويد الصين 3.4 مليون طن من الغاز المسال حتى عام 2040.
وعززت الاتفاقيات مع استمرارها لتزويد الإمارات بالغاز طوال فترة الحصار، من صورة قطر كمزود يعتمد عليه في مجال الغاز وعضو مسؤول في المجتمع الدولي.
ويتماشى الخروج من أوبك مع خطط قطر والتطور الاستراتيجي للطاقة التي تزيد من قوتها كقوة عظمى في مجال تصدير الغاز. وهو قرار صائب من ناحية التركيز على قطاع تملك فيه قطر نسبة 30% من السوق العالمي مقارنة مع الإنتاج البسيط في مجال النفط. ومن خلال تعزيز الاستقلالية عن دول الخليج الأخرى فإن خروجها من أوبك يؤكد فشل حصار 2017 والذي كان يهدف لقصقصه جناحي قطر وإجبارها على العودة الى مجال التأثير السعودي. ويختم بالقول إن رفض السعودية والإمارات الاعتراف بالهزيمة أو التراجع فالصدع الخليجي يقوم بإعادة تشكيل المنطقة وعلاقات الشراكة ويزيد من التباعد بين الأطراف المتنازعة.