لندن- “القدس العربي”:
نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريرا قالت فيه إن الرئيس الأمريكي جو بايدن يتحرك بين الانقسام بشأن غزة، وسط البيت الأبيض وخارجه.
وفي التقرير الذي أعدته إريكا أل غرين، قالت إن “ضيوف الرئيس لم يحاولوا إخفاء فزعهم. فبعد أسابيع من بداية الحرب بين إسرائيل وحماس، دعا بايدن مجموعة صغيرة من المسلمين الأمريكيين البارزين إلى البيت الأبيض لمناقشة الإسلاموفوبيا في أمريكا. وكان المشاركون صريحين معه، بحسب أربعة أشخاص حضروا اللقاء”. و”أخبروه أن تبنيه لإسرائيل بعد الهجمات في 7 تشرين الثاني/ أكتوبر، نُظر إليها على أنها تصريح لقصف غزة. وقالوا إن تصريحات الرئيس التي شككت بأرقام الضحايا بين الفلسطينيين كانت إهانة. وأضافوا أن الطعن المميت للطفل الفلسطيني خارج شيكاغو، كان واحدا من النتائج المدمرة لتجريد مجتمع من إنسانيته”.
وتقول الصحيفة إن اللقاء الذي خُصص له نصف ساعة امتد على أكثر من ساعة، حسب قول الذين حضروه. ولوّح بايدن رافضا لمساعديه الذين حاولوا إخراجه من الغرفة، حيث استمع للنقد وشارك الحاضرين تجربته في الحزن والفقدان.
وقال وائل الزيات، المدير التنفيذي لـ”إيمغيج”، وهي جماعة تهدف لتعبئة الناخبين المسلمين: “لقد اعترف الرئيس بأخطاء ربما حدثت في خطابه”، وحضر الزيات اللقاء الذي عقد في غرفة روزفلت بالبيت الأبيض في 26 تشرين الأول/ أكتوبر، وقال: “استمع الرئيس، لكنه أظهر تعاطفا ووعد بأن يعمل بشكل أفضل خاصة أنسنة الفلسطينيين”.
وقال المدعي العام لمينسوتا، كيث إيلسون، وهو أول مسلم يدخل الكونغرس، إن الحرب زادت من المخاطر على المسلمين الأمريكيين. وأكد: “أخبر قادةُ المجتمع الإسلامي الرئيسَ بايدن بأن معاناة الأبرياء الغزيين الذين يحاولون النجاة في ظروف صعبة جدا، زادت من احتمالات هجمات الإسلاموفوبيا داخل الولايات المتحدة”.
وانتهى اللقاء باحتضان بايدن سيدةً فقدت شقيقها في جريمة كراهية ضد المسلمين قبل عدة أعوام، لكن المجموعة غادرت بدون وعد: “دعوة الرئيس لوقف إطلاق النار”.
وتعلق الصحيفة أن اللقاء هو نظرة خاطفة واحدة عن المهمة التي تواجه الرئيس وهو يحاول التعامل مع الغضب العميق داخل القاعدة التي دعمته دائما داخل وحتى خارج البيت الأبيض، حيث عبّر أفراد الطاقم الشباب، خاصة من أصول مسلمة وعربية عن خيبة أملهم بالرئيس الذي يخدمونه.
وقال المسؤولون في إدارة بايدن، إن دعم الرئيس حق إسرائيل بالدفاع عن نفسها بعد الهجوم القاتل لحماس، هو جزء واحد من القصة، وبشكل متزايد زاوج بايدن كلماته الداعمة بدعوات قوية للحذر وحماية المدنيين الفلسطينيين، حيث وصلت حصيلة القتلى إلى مستويات كارثية.
وأشاروا إلى خطابه في المكتب البيضاوي يوم 20 تشرين الأول/ أكتوبر، حيث شجب الإسلاموفوبيا، ومقتل الطفل وائل الفيومي (6 أعوام) الذي طعنه صاحب البيت الذي تستأجره عائلته في إلينوي، فيما صنفته السلطات جريمة كراهية. وقال بايدن إن قلبه “تحطم” من خسارة أرواح الفلسطينيين في الحرب.
ويقول المسؤولون الذين تحدثوا شرط عدم الكشف عن هوياتهم، إن تضامن الرئيس مع إسرائيل منحه نفوذا على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الدعم الإنساني وفتح معبر رفح.
إلا أن الكثيرين داخل المجتمع العربي الأمريكي يعتقدون أن كلمات وأفعال بايدن بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر، والفلسطينيين الذين يموتون بالآلاف، تبدو وكأنها تفكير متأخر في الحرب. ويقول رئيس المعهد العربي في واشنطن، جيمس زغبي: “هناك حس بأن الصدمة التي يتعرض لها أناس، تعتبر أهم من صدمة أناس آخرين”.
ويقوم المعهد بإدارة استطلاعات داخل المجتمع العربي، “بدا الأمر وكأن هناك أمران لا يطاقان، وقرروا أي واحد منهما سيقبلونه”. وكان الغضب واضحا في اللقاء مع بايدن، فقبل يوم تحدث الرئيس في مؤتمر صحافي مع رئيس الوزراء الأسترالي، قائلا: “ليس لدي مفهوم بأن الفلسطينيين يقولون الحقيقة” حول أرقام الضحايا. وقال إن الأبرياء الذين قُتلوا هم “ثمن الحرب”.
وأشعلت تصريحات الرئيس القلق بين من يعتقدون أن دعمه لإسرائيل غير مشروط، حتى مع سقوط آلاف الضحايا، بحسب التقديرات الأمريكية أيضا. وأدت تعليقاته لإثارة الغضب داخل البيت الأبيض، ومن بينهم الذين رأوا في الرسائل الداعمة لليهود داخل الطاقم، تتعامى على مشاعرهم.
وعقد مساعدو بايدن البارزين، بمن فيهم جيفري دي زينتس، رئيس طاقم البيت الأبيض، عدة لقاءات مع المسؤولين الغاضبين، واستمعوا لشكاويهم. وعُقد لقاء أخير قاده زينتس وأنيتا دان، المستشارة البارزة للرئيس، وجون فاينر، نائب مستشار الأمن القومي، وستيفن بنجامين، مدير التواصل العام. وسمح اللقاء لأفراد الطاقم غير الراضين بالتعبير عن مظاهر القلق من استراتيجية الرئيس وخطابه.
وبحسب تقديرات، فقد ساعد اللقاء الذي نشرت تفاصيله سابقا في “واشنطن بوست” على تشكيل اللغة التي يستخدمها البيت الأبيض لمناقشة النزاع.
وفي مقال رأي كُتبت مسودته بعد لقاء زينتس والآخرين، ونشر في “واشنطن بوست” باسم الرئيس، اعتنى بشكل خاص لكي يظهر التعاطف مع المدنيين الفلسطينيين الذين تأثروا بالقصف الإسرائيلي، وليس فقط التعاطف مع الإسرائيليين ضحايا هجوم حماس. وقال بايدن: “أنا أيضا أشعر بالحزن الشديد من الصور التي خرجت من غزة ومقتل آلاف المدنيين بمن فيهم الأطفال.. كل حياة فلسطيني بريء تُفقد هي مأساة تمزق العائلات والمجتمعات”.
وطالما عبّر بايدن عن دعمه لإسرائيل، حيث قال: “لا تحتاج أن تكون يهوديا حتى تكون صهيونيا”، وهو ما وضع الرئيس على تناقض مع أعضاء حزبه، خاصة الميالين لليسار الذين ينظرون إلى القضية الفلسطينية كامتداد للكفاح ضد العنصرية ومن أجل العدالة الاجتماعية.
ومع تحضير بايدن لحملة إعادة انتخابه في 2024، فموقفه من الحرب قد يكون مهمّا في التنافس الذي قد يعتمد على الولايات المتأرجحة في جورجيا وشيكاغو التي خرج المسلمون والعرب بأعداد كبيرة فيها لانتخابه قبل 3 أعوام.
وتقول غادة النجار، الفلسطينية- الأمريكية التي بدأت بالحشد والتعبئة لبايدن في جورجيا عام 2020، مع مجموعة من العرب الأمريكيين، إن شعار الحملة في ذلك الوقت “جو بايدن يؤمن بقيمة وأحقية كل فلسطيني وإسرائيلي” يلاحقها. وقالت: “شعرت أننا تجمعنا معا كمجتمع لانتخاب رئيس يعترف بنا وسعيد بالشراكة معنا”.
وغيّرت المجموعة اسمها الآن إلى “العرب الأمريكيون للأمام” وشطبت اسم بايدن، حيث علمت النجار بمقتل 60 فردا من عائلتها الممتدة، ولا ترى أي فرصة لدعم بايدن الذي توصّل لهدنة في اليوم الذي نفد فيه الطعام من غزة. ويعتقد جيمس زغبي الذي قدم النصيحة لعدة حملات ديمقراطية بشأن الموضوع الفلسطيني، بما فيها حملة بايدن 2020، أن التداعيات ستمتد لأجيال.
وكما استحضرت إسرائيل الهولوكوست بعد هجمات حماس، فالرد الإسرائيلي أعاد استحضار النكبة الفلسطينية قبل 75 عاما. وقال زغبي: “عندما ينجلي الغبار وتجف الدموع، فكل ما سنجده المزيد من جثث الموتى والمزيد من الغضب والتطرف”.