لندن-“القدس العربي”: نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريرا أعده ديفيد سانغر قال فيه إن الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن يواجه تيارات متداخلة بكثافة فيما يتعلق بالسياسة تجاه إيران.
وأشار سانغر إلى أن الغارات الجوية التي أمر بها بايدن ضد ميليشيات شيعية في العراق وسوريا تكشف عن ضرورة التحرك بين استخدام القوة والدبلوماسية كي يستطيع إحياء الملف النووي مع طهران. فهو بحاجة لأن يظهر استعداده استخدام القوة حماية للمصالح الأمريكية وفي الوقت نفسه الحفاظ على الاتصالات الدبلوماسية الهشة حيث يحاول البلدان التفاوض للعودة إلى الاتفاقية النووية عام 2015 والتي حدت من البرنامج النووي الإيراني.
ويؤكد المسؤولون الأمريكيون في تصريحاتهم العامة أن الملفين منفصلان. وقال بايدن يوم الإثنين إنه تصرف بناء على الصلاحية الدستورية لحماية القوات الأمريكية وشن غارات جوية على مواقع تستخدم لشن طائرات بدون طيار هجمات على القوات الأمريكية في العراق. وقال المسؤولون الأمريكيون إن الغارات يجب ألا تؤثر على الدفعة الأخيرة لعودة البلدين للالتزام بالمعاهدة النووية. ويناقش سانغر قائلا إن الملفين متداخلان. وبالنسبة للإيرانيين فالزحف نحو امتلاك القدرات النووية هو جزء من محاولة تأكيد إيران كقوة يحسب لها حساب في الشرق الأوسط وأبعد منه.
وعززت إيران اليوم ترسانتها من الطائرات بدون طيار الدقيقة والصواريخ الباليتسية طويلة الأمد والقدرات العالية في الحرب الإلكترونية والتي كانت كلها بعيدة عن قدراتها وقت توقيع الاتفاقية في 2015. وجزء من هدف بايدن إحياء الاتفاق النووي هو استخدامه كخطوة أولى من أجل الضغط على إيران كي تعالج الموضوعات الأخرى، مثل دعمها للحركات الإرهابية في المنطقة وتوسعتها لترسانتها العسكرية. وعلى هذه الجبهة، فالغارات التي أمر بها الرئيس يوم الأحد ونفذتها المقاتلات الأمريكية صباح الإثنين ليس من المتوقع أن تكون إلا نكسة مؤقتة لإيران، بل وهي مرشحة للتصعيد، ففي نهاية يوم الإثنين اتهمت المليشيات التي تدعمها إيران بإطلاق مقذوفات صاروخية ضد القوات الأمريكية في سوريا.
وحتى لو نجح بايدن بالاتفاق على إحياء الاتفاق النووي فعليه البحث عن طرق لمعالجة التأثير الإيراني بالمنطقة، وهو أمر أكد الرئيس الإيراني المنتخب إبراهيم رئيسي، وبعد يوم من إعلان فوزه، أن بلاده لن توافق عليه. وبهذه المثابة فالغارات الجوية تؤكد عدد التيارات المتقاطعة التي تواجه بايدن وهو يحاول تشكيل سياسة متماسكة من إيران. فهو يواجه ضغوطا من عدة اتجاهات، من الكونغرس وإسرائيل والحلفاء العرب بالإضافة إلى الرئيس الإيراني القادم والذي فرضت عليه وزارة الخزانة الأمريكية في 2019 عقوبات بعدما توصلت إلى أنه شارك في لجنة الموت التي أمرت بالقتل الفوري لآلاف من المعتقلين السياسيين قبل أكثر من 30 عاما. وفي الكونغرس، تساءل بعض الديمقراطيين إن كانت الغارات التي أمر بها بايدن هي شكل مستمر من الصلاحيات الرئاسية واستخدامها بدون استشارة أو موافقة من الكونغرس.
وتساءل السيناتور الديمقراطي عن كونيكتيكت كريستوفر ميرفي إن كانت الهجمات الإيرانية عبر جماعاتها الوكيلة في العراق تصل إلى ما أسماه “الحرب ذات الوتيرة المنخفضة”. وقال “لا يمكنك الإعلان عن بند 2 من سلطات الحرب مرة بعد الأخرى”، في إشارة إلى البند الذي قال الرئيس إن له حق تفعيله بدون إبلاغ سلطات الكونغرس. وفي مقابلة مع ميرفي قال إن “الغارات الجوية الانتقامية المتكررة ضد القوات الوكيلة عن إيران باتت تبدو لما نعتبره شكلا من الأعمال العدوانية، وهو ما يحتاج من الكونغرس مناقشة إعلان الحرب أو صلاحيات أخرى تمكن الرئيس من استخدام القوة العسكرية”. وأضاف ميرفي “يتطلب الدستور وقانون سلطة الحرب من الرئيس العودة للكونغرس من أجل إعلان الحرب في ظل هذه الظروف”. لكن بايدن يقول إن الغارات المستهدفة والمحادثات للعودة إلى الاتفاقية النووية التي خرج منها الرئيس دونالد ترامب تهدف إلى تجنب الحرب.
ويقول المسؤولون في البيت الأبيض ألا نية لهم طلب إعلان حرب ضد إيران أو جماعاتها الوكيلة. ووصف وزير الخارجية أنتوني بلينكن الذي يزور أوروبا الغارات بـ “الضرورية والمناسبة والعمل المقصود الهادف للحد من مخاطر التصعيد. ولكنها ترسل رسالة ردع لا غموض فيها”. وفي نفس الوقت فالغارات هي رسالة بايدن إلى الجمهوريين في أمريكا الذين يحاولون تصوير بايدن بالضعف أمام العدوان الإيراني. وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض جين ساكي إن المنطق وراء الغارات بسيط “يجب توقف الهجمات ضد قواتنا ولهذا أمر الرئيس بالعملية الليلة الماضية للدفاع عن النفس وقواتنا”.
وقالت إن الميليشيات الشيعية أطلقت خمس طائرات مسيرة ضد القوات الأمريكية منذ نيسان/إبريل وإن الوقت قد حان لرسم خط.
وبالنسبة لبايدن فالكونغرس هو جزء من التعقيدات التي يواجهها في التعامل مع إيران، فقد عبرت الحكومة الإسرائيلية الجديدة عن تحفظ من العودة للاتفاقية النووية التي حاول رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو وقفها وخاطب الكونغرس أثناء فترة باراك أوباما. والتقى يوم الإثنين مع الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين الذي تنتهي ولايته قريبا، وكان لقاء وداعيا لشكره على سنوات من الشراكة مع الولايات المتحدة منها 7 أعوام كرئيس. واستغل بايدن المناسبة في المكتب البيضاوي وأعلن “لن تحصل إيران على السلاح النووي وأنا موجود”. وكانت محاولة من بايدن للتأكيد على الهدف المشترك نحو إيران وإن اختلف البلدان في كيفية نزع سلاح إيران النووي. ولكن الخلافات باتت واضحة حول طبيعة الاتفاقية الجديدة التي ستخرج من المفاوضات بعد ستة أعوام على الاتفاقية الأصلية. فقد تقدمت قدرات إيران وطورت أنظمتها العسكرية بشكل كبير منذ توقيع اتفاقية 2015.
ويعترف المسؤولون البارزون في إدارة بايدن من بلينكن وإلى من هم تحته بأن الاتفاقية القديمة كان يجب أن تكون “أطول وأقوى” وشملت على برامج إيران الصاروخية ودعمها للإرهاب. لكن الفجوة اتسعت الآن، فمن الواضح وبشكل متزايد أن أي اتفاقية شاملة تعالج الشكاوى الأمريكية بشأن السلوك الإيراني يجب أن تضم عددا متنوعا من الأسلحة التي كانت إيران تعمل عليها قبل 6 أعوام. وتضم الطائرات المسيرة التي تستطيع حمل أسلحة تقليدية وإسقاطها بدقة متناهية وكذا الصواريخ التي يمكن أن تستهدف كل دول الشرق الأوسط وتخوم أوروبا والأسلحة الإلكترونية التي يمكن أن تستخدم ضد المؤسسات المالية الأمريكية وتستخدمها القوات الإيرانية بشكل منتظم. ولم تشمل المعاهدة الأصلية أيا من هذه الأسلحة، صحيح أن هناك اتفاقا منفصلا للصواريخ صادق عليه مجلس الأمن القومي وتجاهلته إيران.
وهناك حس متزايد أن على بلينكن أن يشمل في الاتفاقية الجديدة الكثير من الأسلحة إن أراد الوفاء بتعهده عن اتفاقية “طويلة وقوية”. والسؤال إن كانت إيران ستوافق على التفاوض حول أسلحتها والتكنولوجيا التي توصلت إليها، لكن هناك شعورا بأن الأمريكيين لديهم نفوذ حالة تم إحياء اتفاقية 2015 وبخاصة أن إيران بحاجة للحصول على دعم أمريكي في مجال التعامل مع المؤسسات المالية العالمية والسماح لها بتصدير النفط. ومع ذلك تظل الإشارات المقلقة حاضرة في ظل عدم التحاور مع الرئيس المتشدد لإيران.
الإيرانيون يحاولون زيادة الضغط حتى يحصلوا على صفقة بناء على شروطهم فلن تكون للغرب فرصة لمعرفة ما يجري في المنشآت النووية.
فقد قررت إيران عدم تجديد رخصة السماح للمفتشين الدوليين إلى منشآتها والتدقيق في الكاميرات المركبة فيها، وهذا أمر مهم لأن أمريكا بحاجة لأن تقنع حلفاءها في إسرائيل والسعودية أنه لم يتم حرف أي من الترسانة النووية لأغراض عسكرية في أثناء المفاوضات. وقال الأمريكيون يوم الإثنين إنهم لا يجدون سببا يقودهم للاعتقاد أن الإيرانيين أغلقوا الكاميرات، لكن الإيرانيين يحاولون زيادة الضغط حتى يحصلوا على صفقة بناء على شروطهم ولن تكون للغرب فرصة لمعرفة ما يجري في المنشآت النووية.
وهو وضع يهدد باندلاع دورة تصعيد جديدة تحاول الإدارة تجنبها.