نيويورك تايمز: لبنان بات منهكا ولم تعد “أسطورة” صلابته تنفع في الظروف المزرية الحالية

حجم الخط
0

لندن ـ “القدس العربي”:
أي شخص يعرف لبنان سمع بعبارة “اللبنانيون شعب صلب”، وهذا بسبب قدرتهم على مواجهة سلسلة من التحديات الكبرى مثل الحرب الأهلية التي استمرت 15 عاما وتوتر مع سوريا وحروب مع إسرائيل وانهيار البنية التحتية والخدمات. وكان الانهيار الاقتصادي الذي فاقمه وصول فيروس كورونا في آذار/مارس آخر التحديات التي واجهت هذا الشعب.
وبعد سنوات من المناورات المالية وإدارة الدين من الحكومة والمصرف المركزي قادت إلى نضوب الاحتياطات من العملة الأجنبية بشكل أسهم بفقدان العملة اللبنانية المربوطة بالدولار قيمتها بنسبة 80%. وخسر الناس مدخراتهم في ليلة وضحاها كما تقول لينا منذر، الكاتبة والمترجمة اللبنانية، بمقال نشرته صحيفة “نيويورك تايمز”، في وقت ارتفعت فيه أسعار المواد الغذائية والأساسية بنسبة 50% وللشهر الثالث على التوالي، بشكل جعل لبنان أول دولة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تعاني من التضخم المفرط. ولأن اقتصاد لبنان قائم على الخدمات فالبلد لا ينتج إلا القليل ويستورد الكثير. ونظرا لهبوط قيمة الليرة اللبنانية وعدم القدرة على الحصول على الدولار فإن الكثير من محلات التجار لن تكون قادرة على العمل أو البقاء مفتوحة. فالرواتب التي لم تخفض فقدت قدرتها الشرائية. وعانت السياحة التي كانت عمادا من أعمدة الاقتصاد اللبناني من الوضع السياسي والاقتصادي المتردي ومن الإغلاق لمواجهة فيروس كورونا. وتقول منذر إن حوالي 1.000 مطعم أغلقت أبوابها وخسر 25.000 من العاملين بالمطاعم وظائفهم. ولم تعد التحويلات من الخليج والذي يعمل فيه آلاف اللبنانيين تتدفق بالقدر الكافي لسد العجز بالميزانية، نظرا لهبوط سعر النفط. ورغم عدم توفر البيانات لعام 2020 بعد إلا أن التحويلات المالية ستنخفض بسبب غياب الثقة بالبنوك أو القيود على السفر، مما يعني أن المال لن يصل عبر التحويلات المصرفية أو الشخصية. وأدى الأثر التراكمي لهذه العوامل إلى محو معظم الطبقة المتوسطة التي يبلغ أفرادها 3.5 ملايين نسمة أو ما نسبته 65% وأصبحوا فقراء. وأصبح الفقراء أكثر فقرا ويعانون من الجوع. ويجد الناس أنفسهم مرة أخرى يدفعون ثمن أخطاء الحكومة. وكمثال على هذا ظهور مجموعات على صفحات فيسبوك تحاول مبادلة كل ما لديها من أجل توفير ما تحتاجه: فالملابس الباهظة الأثمان يتم مبادلتها بحليب الأطفال، مجموعة من كاسات الشرب مقابل كيس أرز. وقام رجل بمداهمة صيدلية للحصول على حفاظات أطفال. وقام شخص آخر بسرقة آخر بعدما رفع عليه السكين ليعود وهو يعتذر لأنه لا يجد ما يطعم به أولاده.

أدى الأثر التراكمي إلى محو معظم الطبقة المتوسطة التي يبلغ أفرادها 3.5 ملايين نسمة أو ما نسبته 65% وأصبحوا فقراء. وأصبح الفقراء أكثر فقرا ويعانون من الجوع

ورغم ما حققته حركة الاحتجاج في تشرين الأول/أكتوبر 2019 التي طالبت بوقف الفساد والنظام الطائفي الذي يسود النظام السياسي من إجبار الحكومة على الاستقالة إلا أن التي تلتها لم تقم بعمل ما يجب أو معالجة الظروف المتدهورة. وبات البؤس واضحا في صفوف المحلات المغلقة ومن خلال أكوام النفايات في مختلف الأحياء والتي تعاني من تقطع في الخدمات ومن شوارع بيروت المظلمة في الليل حيث تنقطع الكهرباء لعشرين ساعة في اليوم. فهذه ليست بيروت التي نالت مديحا لحياتها الليلية وحاناتها الصاخبة، وهو موضوع كتب عنه الصحافيون الغربيون في كل صحيفة مهمة. وكررت المقالات الحديث عن نفس الأسطورة التي صدقها اللبنانيون وهي أنهم يعرفون الرقص وسط تطاير الرصاص، وكيف يحولون ملاجئ الحرب إلى نواد ليلية والعثور على طريقة لسد ما يحتاجونه والسبب هو أن اللبنانيين صلبون وبارعون. وكانت فكرة منحت العزاء في أثناء الظروف الصعبة ونقطة فخر حول الطريقة التي يتعاملون معها. ولم يعد هناك ما يشي بصلابة اللبنانيين باستثناء السياسيين وأمراء الحرب القدماء الذين يرفضون التخلي عن مناصبهم حتى بعدما أسهموا في إفلاس البلد وشعبه.
وتقول إن المصارف اللبنانية التي نظر إليها بالمؤسسات المرنة والصلبة فإن الوضع الحالي لا يصدق على المؤسسات هذه بقدر ما ينسحب على المصرفيين أنفسهم. وحتى صندوق النقد الدولي الذي ينظر إليه بـ”مقرض الملاذ الأخير” لم يكن قادرا على إقناع المصارف على التوافق حول الخسائر المالية المطلوبة للموافقة على قرض. واستقال مسؤولان بارزان بسبب تعثر المفاوضات، وكان أحدهما إلين بيفاني، مدير عام وزارة المالية، والذي كشف أن البنوك هربت 6 مليارات دولار إلى خارج البلاد في وقت منعت فيه المودعين الصغار سحب حتى 100 دولار من أموالهم. وتقول كريستين طعمة مؤسسة منظمة الفن “أشكال ألوان” التي بدأتها في سيارتها في عام 1993 واستطاعت على مدى 27 عاما رغم نقص التمويل تنظيم برنامج لتدريس الفن إنها أجبرت على وقف البرنامج لأن البنوك صادرت المال المخصص للطلاب. وقالت: “حاولنا وبجهد كبير لجعل الأمور تبدو جيدة وانظر أين نحن الآن” و”أشعر بالحزن لأنني لم أعد قادرة على الحلم أو التفكير بالمستقبل، أنا منهكة”. وتقول منذر إن الإجهاد واضح على وجوه الناس الذين تقابلهم: “ربما كانت الصلابة كذبة ظللنا نتغذى عليها ونحدث بها أنفسنا لمواصلة العمل في ظل دولة فاسدة جدا لا تستطيع تقديم أدنى الخدمات العامة والاجتماعية”. وهي دولة لا تفكر بشعبها وتتشاحن حول معونة زهيدة وعدت بها العائلات الفقيرة خلال وباء كورونا إلا بعدما أصبح قيمة المعونة من 180 دولارا إلى 50 دولارا بسبب انهيار قيمة العملة. إلا أن التظاهرات العام الماضي كانت دليلا على أن رفض الصلابة والعزيمة هو رفض للقبول بالظروف التي جعلت من الضروري الاعتماد على الفكرة بالمقام الأول. ورفض العثور على حلول للمشاكل التي يجب أن تحل من الدولة.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية