جانب من جنازة الأطفال من ضحايا قصف تحالف في صعدة (رويترز)
لندن ـ “القدس العربي” ـ إبراهيم درويش
“44 قبرا صغيرا تثير أسئلة حول السياسة الأمريكية في اليمن”، هو عنوان تقرير نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” وقالت فيه إن الإطفال حشروا أنفسهم في الحافلة حيث جلس ثلاثة في كل مقعد بينما جلس الذين جاؤوا متأخرين في الممر بين صفي الكراسي وكان الامل والفرح يملؤهم ويتطلعون للرحلة المدرسية وبدأوا بالحديث بصوت عال لدرجة ان طفلا طويلا كان يحاول أن يثير انتباههم وضع يديه على أذنيه وصرخ. وبعد ساعات كانوا جميعا موتى.
فعندما توقفت الحافلة لشراء مقبلات ضرب التحالف الذي تقوده السعودية الحافلة بقنبلة حولته إلى حديد ملتو ونثرت ركابه ما بين جريح ونازف وقتيل تحت الشارع حسب شهود العيان والآباء.
وقال المسؤولون الصحيون اليمنيون إن 54 شخصا قتلوا من بينهم 44 طفلا بالإضافة لجرحى كثر.
وتضيف أن هجوم التاسع من آب (أغسطس) كان صادما حتى في الحرب التي كان الأطفال هم ضحاياها وعانوا من أكبر كارثة إنسانية في العالم حيث انتشر سوء التغذية وموجات من مرض الكوليرا. وقتلت الحرب أكثر من 10.000 شخصا قبل أن تتوقف الأمم المتحدة عن إحصاء عدد الوفيات منذ عامين.
وتعلق أن الغارة الجوية أعادت الأسئلة حول أساليب التحالف والدعم الأمريكي له. مشيرة لسخط القادة العسكريين الأمريكيين من الغارات التي قتلت المدنيين في الأسواق والأعراس والجنائز وتأكيدهم أن لا دور للولايات المتحدة فيها.
وترى منظمات حقوق الإنسان أن الولايات المتحدة لا يمكنها إنكار دورها في الحرب خاصة أنها باعت اسلحة بمليارات الدولارات إلى دول التحالف وقدمت لها الدعم الأمني وزودت طائراتها بالوقود أثناء تحليقها في الجو.
وعبر الكونغرس في الأونة الاخيرة عن قلقه بشأن الحرب. وفي مشروع قانون دفاع وقعه الرئيس دونالد ترامب يوم الإثنين احتوى على بند دعمه الحزبين يطلب من وزير الخارجية مايك بومبيو تقديم شهادة ان السعودية وحليفتها الإمارات العربية تتخذان الخطوات اللازمة لتجنب القتلى المدنيين. ولو لم يقدم بومبيو الشهادة فالقانون إذن يحظر على الطائرات الأمريكية تقديم الوقود لمقاتلات التحالف. وتقول الصحيفة إن بومبيو طرح الهجوم الذي تعرضت له حافلة الاطفال في مكالمة مع ولي العهد السعودي ووزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان. وأرسل وزير الدفاع جيمس ماتيس جنرالا من ثلاث نجوم إلى الرياض للضغط على القيادة السعودية التحقيق في قصف الحافلة. وفي أعقاب هذا الهجوم ذهب المشرعون في الكونغرس أبعد من هذا حيث طالبوا الجيش بتقديم توضيح للدور الذي يلعبه في الغارات الجوية على اليمن والتحقيق فيما إن كان دعم الغارات الجوية سيعرض الجنود الأمريكيين للمساءلة القانونية بما في ذلك اتهامات بارتكاب جرائم حرب.
وفي نفس الوقت حاولت شركة التعهدات الدفاعية “ريثيون” التاثير على المشرعين ووزارة الخارجية من أجل السماح لها ببيع 60.000 قنبلة دقيقة للسعودية والإمارات في صفقة بمليارات الدولارات. ويقول التحالف بقيادة السعودية إنه يعمل على تجنب استهداف المدنيين متهما الحوثيين باستخدامهم كدروع بشرية. وفي نفس الغارة قال المتحدث باسم التحالف العقيد تركي المالكي إن التحالف قام بعملية مشروعة بعدما قتل الحوثيون جنديا و جرح 11 جنديا آخرين بصاروخ أطلق على المنطقة الجنوبية من السعودية. لكن التحالف قال في اليوم التالي إن حادث الحافلة احيل إلى التحقيق الداخلي بعد تقارير قالت ان ضرب الحافلة كان ضررا جانبيا غير مقصود.
وتقول منظمات حقوق الإنسان إنهم يشكون في تحقيق تدين فيه السعودية نفسها. وقال لاري لويس، المسؤول السابق في الخارجية والذي زار السعودية خمس مرات ما بين 2015-2016 لمساعدتها في تحسين ادائها وطريقة الإستهداف والتحقيق “لم يتعلم السعوديون” و “هم يواصلون ارتكاب نفس الأخطاء التي ارتكبوها طوال الوقت ونحن لا نضغط عليهم ونتركهم يفلتون”. وفي زيارة لموقع الحادث ومراجعة لصور الفيديو ومقابلات مع الشهود تكشف عن صورة مختلفة والثمن البشري. وكان معظم ركابها من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم 5- 16 عاما ومن بلدة ضحيان الفقيرة في محافظة صعدة قرب الحدود اليمنية مع السعودية. والمنطقة هي معقل الحوثيين وكانت محلا للغارات المكثفة من التحالف. وفي المقابل استخدمها الحوثيون كنقطة انطلاق للصواريخ التي أرسلوها إلى داخل السعودية. وكانت الرحلة هي جزء من برنامج ديني صيفي وبالتالي فالنزهة الخارجية هي بمثابة مكافأة. وعندما جلسوا في مقاعدهم صورهم طفل اسمه أسامة الحمران من عدسة هاتفه وهم فرحون وكان معظمهم يرتدي سترا رياضية. وبعد ذلك صورتهم عدسة الهاتف وهم يزورون مقبرة اسمها “بستان الشهداء” في قرية قريبة، وظهرت لوحة عليها شعار الحوثيين “الله اكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود والنصر للإسلام”. وضحك بعض الأطفال عندما صورهم أسامة أو حاولوا وضع أيديهم على الكاميرا. ثم ركضوا بين القبور التي نبتت فيها النباتات ووضعت شواهد بيضاء او بلاستيكية تحمل صورا للموتى. وسمع صوت اسامة وهو يمشي قائلا “أنا أصور”. وكان هناك طفلان إلى جانب نافورة وطلب منهما مرافقته لأخذ صورة لهما وعند هذه ينتهي الفيديو. وكان من المفترض أن تواصل الحافلة السير حتى صعدة وزيارة المسجد التاريخي فيها لكنه لم يصل إليها أبدا. فقد توقفت الحافلة لشراء الشراب والمقبلات عندما ضربها الصاروخ. ويقول علي عبدالله الحملة إنه سمع صوت انفجار ضخم قبل أن يشاهد جثث سبعة من الأطفال. وقال “في بعض الأحيان لم يعثر إلا على الجزء العلوي من الأطفال” وعثر على جثة مشوهة لطفل على سطح أحد المنازل. وبعد أيام من الغارة قدم السكان قطعة معدنية تكشف أن القنبلة مصنوعة في أمريكا من قبل “جنرال داينمكس” ولم تتأكد الصحيفة إن كانت القطعة من القنبلة وزنتها 500 رطلا التي استخدمت في الغارة. إلا أن بقايا القنابل المصنعة أمريكيا عادة ما يعثر في اماكن الغارات باليمن. وتقول الإدارة الأمريكية انها لا تسيطر على القنابل التي تشتريها السعودية والإمارات بطريقة تجارية من امريكا او شركات غربية وان البنتاغون عرضت أكثر من مرة المساعدة في تحديد قائمة بالأهداف الواجب تجنبها وأن الأمريكيين لا علاقة لهم باختيار الاهداف.