هآرتس: اغتيال إسرائيل لهنية وشكر… جس نبض إقليمي أم إقحام واشنطن في حرب شاملة؟

حجم الخط
0

الاغتيالات التي نفذت في أقل من سبع ساعات، في بيروت ثم طهران، أعادت صورة الردع والمبادرة إلى إسرائيل، التي نسبت لها العملية الأخيرة، إذا لم تكن في نظر جيرانها فعلى الأقل في نظرها هي نفسها. دمج القدرة الاستخبارية والعملياتية الدقيقة، اخترق دوائر الحماية لدى حزب الله وإيران، وأدى إلى موت قادة إرهاب كبار في المنطقة، فؤاد شكر الذي وصف كرئيس أركان حزب الله، وإسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحماس. هما في الحالتين، لا يستحقان ذرف الدموع عليهما؛ فشكر هو المسؤول المباشر عن قتل عشرات الإسرائيليين والأمريكيين؛ وهنية قاد كبار قادة حماس في قطر لاحتفال شكر بعد نشر الصور الأولى لأحداث 7 تشرين الأول.

لكن موتهما يقرب الشرق الأوسط من الاشتعال الإقليمي الشامل. يبدو أن إسرائيل لجأت لذلك لكسر دائرة الاستنزاف التي وجدت نفسها عالقة فيها أمام إيران ووكلائها. تصفية شكر كانت رداً إسرائيلياً مباشراً وعلنياً على موت الـ 12 فتى وطفلاً في مجدل شمس السبت الماضي، نتيجة صاروخ أطلقه حزب الله. عملية التصفية المركزة في حي الضاحية الشيعي تورط حزب الله بخصوص قوة الرد المطلوبة، إذا كان يريد المس بإسرائيل وفي الوقت نفسه تجنب الحرب الشاملة.

عملية الاغتيال الثانية، إسماعيل هنية، تضم إيران إلى هذا التخبط، حيث حدثت العملية فيها وكشفت عجزها عن حماية رعاياها. في نيسان ردت إيران بإطلاق 330 صاروخاً ومسيرة نحو إسرائيل بعد تصفية الجنرال حسن مهداوي، القائد في حرس الثورة، في مبنى السفارة الإيرانية في دمشق. والآن يهدد كل من حزب الله وحماس وإيران برد قاس. أعلنت إيران بأنها تجري مشاورات، وهذا قد يستغرق وقتاً؛ يبدو أن اغتيال هنية بطهران فاجأهم. ربما يرون أهمية لشد أعصاب إسرائيل طوال بضعة أيام، كما حدث في السابق.

 تعهدت الولايات المتحدة بحماية إسرائيل، وتقول إنها لم تعرف مسبقاً عن نية إسرائيل اغتيال هنية. من هنا يتبين ضمنياً أنها عرفت عن العملية المخطط لها ضد فؤاد شكر، وناقش قادة كبار في أمريكا الوضع في الشمال مع نظرائهم الإسرائيليين خلال الأيام الأخيرة.

رئيس الحكومة، نتنياهو، سيحظى بلحظة نادرة نسبياً من رضا الجمهور بعد فشل ذريع في بداية الحرب. بعض وسائل الإعلام بدأت تتملق الآن. ولكن لنتنياهو دوافع أخرى تتجاوز وعده بالفوز على أعداء إسرائيل. واضح منذ فترة طويلة أنه يسعى لحرب استنزاف طويلة، ستفشل أي جهود لإسقاط الحكومة، وتؤجل محاكمته، وتمكن من إعادة تشريع الانقلاب النظامي من البوابة الخلفية.

يمكن إيجاد الإشارات على ذلك في مقاربة صفقة المخطوفين مع حماس؛ فقد أفشل فنتنياهو مؤخراً التوصل إلى الصفقة، بما في ذلك التصلب في المواقف في المفاوضات بعد مرونة أظهرتها حماس. والآن، حيث إمكانية لتحقيق حلم السنوار بحرب إقليمية يشارك فيها حزب الله، يبدو أنه لم يعد للسنوار أي مصلحة في التقدم.

مشكوك فيه أن يكون السنوار في حالة حداد على موت خصمه السياسي هنية، الذي غادر القطاع ووجد ملجأ له في فنادق قطر الفاخرة. ولكن التصفية قد يراها السنوار مبرراً آخر للاستمرار في الحرب وعدم التوصل إلى صفقة. يبدو هذا بشرى سيئة لدى أوساط عائلات المخطوفين. رئيس حكومة قطر، محمد آل ثاني، تساءل أمس “كيف يمكننا النجاح في الوساطة في الوقت الذي يقوم فيه أحد الأطراف بعملية اغتيال الطرف الآخر؟”.

وقال وزير الدفاع، غالانت، في محادثة مع نظيره الأمريكي لويد أوستن بأن “إسرائيل تعمل الآن على التوصل إلى خطة تعيد المخطوفين”. وهذا يبدو كرسالة مزدوجة، أولاً، للجمهور في إسرائيل، وكأنه لم يتم التنازل عن إجراء المفاوضات، على الأقل فيما يتعلق بالقيادة الأمنية التي تؤيد الصفقة؛ ثم للوسطاء وكأن تصفية هنية ستمكن نتنياهو من المضي بالصفقة من موقع قوة.

أثناء النقاشات التي جرت حول رد إسرائيل على إطلاق النار نحو مجدل شمس، طُرح ادعاء بضرورة تصعيد متعمد حتى لو كان محدداً زمنياً، للتوصل إلى التهدئة فيما بعد. وإذا لم يكن توجه إسرائيل نحو حرب شاملة، فمن الواضح أن سياستها في الشمال لا تنجح في ردع حزب الله، وأن هناك من يؤيدون حرباً أكثر كثافة لبضعة أيام على أمل أن تستيقظ بيروت وطهران بسرعة. المشكلة أنه يصعب السيطرة على شدة اللهب، خصوصاً مع توجه للتصعيد. إيران الآن في موقع المصابين الذين يريدون الانتقام، ما سيصعب التوصل إلى التهدئة.

يجري في إسرائيل خلال عقود نقاش حول موضوع نجاعة اغتيال شخصيات رفيعة في التنظيمات الإرهابية. لقد فقدت حماس وحزب الله وتنظيمات أخرى، العشرات من قادتها في عمليات تصفية إسرائيلية، ومع ذلك لم تتوقف عن القتال.

في المقابل، كان هناك إسهام كبير لسلسلة تصفيات طالت كبار قادة حماس في الأعوام 2003 – 2006، على رأسهم الشيخ أحمد ياسين رئيس حماس في القطاع، ما أثر في قرار حماس للتوقف عن العمليات الانتحارية ولاحقاً إنهاء الانتفاضة الثانية. والآن يتعلق السؤال الأساسي باعتبارات السنوار نفسه. فالاستخبارات الإسرائيلية تصفه وكأنه يتعرض لنوبة مستمرة من المسيحانية منذ نجاح المذبحة. 

أما في نطاق التوضيحات والاعتبارات، فينبغي أخذ توصيات كبار قادة الأجهزة الأمنية بالحسبان. جينهم العملياتي مبني على المبادرة، الهجوم والعمل. وعندما يجدون فرصة تكتيكية للتصفية، فالأجهزة الأمنية تؤيدها غالباً، حتى مع إمكانية تطور تداعيات استراتيجية مقلقة. لكن الموضوع أخطر في نظر الجيش الإسرائيلي، على خلفية إحساس بالذنب في أوساط كبار الضباط، في إصلاح جزء من الأضرار الكبيرة التي حدثت تحت مسؤوليتهم في 7 تشرين الأول.

ثمة سؤال أساسي سيؤثر على الأحداث لاحقاً، يتعلق بموقف الولايات المتحدة. قال الوزير أوستن أثناء زيارته للفلبين، إن بلاده ستساعد إسرائيل في الدفاع عن ذاتها إذا هوجمت. وأضاف بأن الحرب الشاملة في الشرق الأوسط أمر يمكن منعه. ولكن ما الذي تريده إسرائيل وبحق؟

يتعزز حوار في الأشهر الأخيرة حول خطة إيران الكبيرة، التي تطمح إلى إنهاك، وبعد ذلك إخضاع، إسرائيل بواسطة استخدام الضغط المتزايد بواسطة “دائرة النيران” التي تنتهجها التنظيمات الإرهابية العاملة في محيطها. فهل يفكر نتنياهو في جر الإدارة الأمريكية لمعركة مباشرة ضد إيران على خلفية التصعيد الإقليمي، حتى قبل انتخابات الرئاسة الأمريكية في تشرين الثاني؟ في هذه الأثناء، يصعب تشخيص سياسة واضحة للإدارة الأمريكية فيما يتعلق بالشرق الأوسط عقب انسحاب الرئيس بايدن من المنافسة واستبداله بنائبته كامالا هاريس، وخوف الديمقراطيين من فوز ترامب.

عاموس هرئيل

 هآرتس 1/8/2024

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية