إن أقوال وزير الأمن الوطني، إيتمار بن غفير، بأن حقه في التجول في المناطق بكل حرية يفوق حق الفلسطينيين في الحركة، دوت في البلاد وفي أرجاء العالم وعلى صفحات هذه الصحيفة أيضاً. في اليسار – وسط احتفلوا، والإعلام في إسرائيل أطلق إشارات الاستغاثة، ونجوم الشبكة، بما في ذلك في وسائل الإعلام الأجنبية، اقتبسوا هذه الأقوال.
ولكن إضافة إلى الوقاحة واستخدام مقابلة لتحقيق إنجاز في الشبكات الاجتماعية، وحقيقة أن المتحدث هو إيتمار بن غفير، فليس في أقواله أي جديد. لو أن من قال ذلك هو جنرال مبجل أو شخص سابق في جهاز الأمن أو خبير في النزاع، يبرر ويشرح الواقع في الضفة الغربية ويتحدث عن الإجراءات الأمنية والحفاظ على حياة اليهود ومواطني إسرائيل، لما كان ذلك سيثير اهتمام أحد.
فعلياً، ما وصفه بن غفير هو الواقع الموجود منذ سنوات. في الضفة الغربية نظام أبرتهايد. وهذا النظام يتعزز ويضعف وفقاً للأجواء، وطبقاً لعدد الأحداث الأمنية، وبالأساس وفق عدد المصابين الإسرائيليين.
هذه الحكومة مثل سابقاتها، لم تخترع شيئاً. إذاً، من فضلكم، يجب على كل المتأثرين والغاضبين الاعتراف بالحقيقة المؤلمة، وهي أن الاحتلال لم يبدأ في الأسبوع الماضي. الفصل، وضمن ذلك الجدار، لم يبدأ بالأمس. تكفي قراءة رأي المحكمة الدولية لمعرفة أن جدار الفصل يضر بحقوق مختلفة منصوص عليها في المواثيق التي وقعت عليها إسرائيل. من بينها الحق في حرية الحركة وعدم التدخل في خصوصية البيت والعائلة والعمل، والحصول على مستوى حياة مناسب، والصحة والتعليم. شوارع التفافية بمئات الملايين تم شقها للمستوطنين، أراض صودرت أو سيطر عليها المستوطنون بالقوة، أما الحواجز والتفتيشات فباتت أموراً روتينية، وكل ذلك تحت غطاء الأمن الوطني وأمن المستوطنين.
ليس لدى الإسرائيليين مشكلة في الدخول إلى مناطق الضفة والعودة إلى إسرائيل. وبالنسبة للفلسطينيين، فإنهم جميعاً يمرون في الحواجز، وهذا ليس من اليوم أو من أمس. بدون مصادقة مسبقة وبطاقة هوية بيومترية وفحص أمني، لا يمكن العبور. وإذا قامت إسرائيل بغض النظر عن الدخول في مسار التفافي، فإن من يدخل بهذه الطريقة يعتبر “ماكثاً غير قانوني” وسيتعرض للعقوبة. إسرائيل هي التي تبت في كل أمر: الربط بشبكة الكهرباء والمياه، وحتى بمحطات الطاقة الشمسية.
ما يطلبه بن غفير وأصدقاؤه ليس تجديداً أو اختراع شيء، بل “تطوير” ما هو قائم، كي يكون متصلباً أكثر. الفلسطينيون يصرخون منذ سنوات ضد الوضع الذي يصفه بن غفير. عودوا إلى خطابات محمود عباس في الجمعية العمومية للأمم المتحدة في السنة الماضية، ويمكن كتابة ما سيقوله على منصة الأمم المتحدة في الشهر القادم. في هذا الأسبوع قال لي مصدر فلسطيني رفيع: “ربما يجب علينا أن ندفع لبن غفير راتباً مقابل الدعاية، لأن كل ما قلناه في السابق لم يتم استيعابه، والآن الجميع يقولون هذا أبرتهايد”. من فضلكم، أيها الإسرائيليون الجيدون، لا تظهروا أنكم متفاجئون ولا تتظاهروا وكأن هذا يؤلمكم ويزعجكم. كثيرون يعرفون أن أقوال بن غفير تحصل على الموافقة في أوساط كثيرة في المجتمع الإسرائيلي، لكن بهدوء وبدون ضجة.
الآن جاء “المهرج الوقح” وقال ذلك بصوت مرتفع. إذا كنتم، أيها الإسرائيليون، إن تفاجأتم فإن الفلسطينيين، بما في ذلك مواطنو الدولة العرب، لم يتفاجأوا، لأن هذا هو الواقع، ومن أراد وسعى إلى تغييره فعليه تسمية الولد باسمه: نظام أبرتهايد. هو قائم منذ سنوات. والخطر الآن ليس في ما يحدث خلف الجدار، بل ما يخططون له هنا، داخل الخط الأخضر. لأن ذلك سيصل أيضاً إلى هنا، أسرع مما نتخيل.
جاكي خوري
هآرتس 5/9/2023