“الإسلام دين الشعب وليس دين الدولة. لا نصلي أو نصوم لأن البند الأول في الدستور ينص على ذلك، بل بناء على أمر إلهي. الدولة كيان يشبه الشخصية الاعتبارية، ولا معنى لدينها. العلاقة مع الله وليس مع الذي يدعي بأنه الجهة الوحيدة المسؤولة عن عبادة الله”، كان هذا نص القنبلة التي ألقاها الرئيس التونسي قيس سعيد، في رمضان الماضي. معنى هذه المقولة هو الفصل بين الدين والدولة، وإلغاء الدين على اعتبار أنه مصدر السلطات الرئيسي أو الوحيد للدستور، وبعد ذلك إلغاء النشاطات السياسية للأحزاب المتنافسة على برنامج سياسي ديني.
في الأسبوع الماضي تمت ترجمة مقولة سعيد إلى عملية دستورية فعلية. منسق لجنة صياغة الدستور، صادق بلعيد، الذي عينه الرئيس في هذا المنصب، قال في مقابلة تلفزيونية بأنه “لن تتم الإشارة أبداً إلى كلمة دين” في الدستور الجديد الذي سيعرضه على الرئيس، وأن البند الأول في الدستور الذي ينص على أن “تونس دولة حرة ومستقلة، والإسلام دينها، واللغة العربية لغتها، والنظام الجمهوري نظام الحكم فيها”، سيتم تعديله ولن تتم الإشارة فيه إلى أن الإسلام دين الدولة، أو أي ذكر آخر للدين.
ثمة دولة عربية واحدة، هي لبنان، لا تشير إلى أن الدين هو مصدر التشريع، وثمة دولة إسلامية واحدة ما تزال تعتبر نفسها دولة علمانية، وهي تركيا. رغم الميل الديني الواضح لرجب طيب اردوغان وتعديلات الدستور الكثيرة التي أجراها، لم يتجرأ حتى الآن على المس بالتعريف العلماني لتركيا. في مصر كان بند سلطات الدين في شؤون التشريع مركز خلاف رئيسي قبل صياغة الدستور الجديد. في نهاية المطاف، تقرر أن الشريعة ستكون مصدر السلطات الرئيسي لكل تشريع، أي لا يمكن سن قانون يناقضها. السؤال الذي ما يزال مطروحاً هو: من المخول بتفسير الشريعة؟ صحيح أن السلطة أعطيت للمؤسسة الدينية الأهم “الأزهر”، إلا أن المواجهات العلنية المتواترة للأزهر مع الرئيس عبد الفتاح السيسي ما زالت تثير صدى مهدداً.
الدستور الجديد في تونس يتوقع طرحه للاستفتاء الشعبي في 25 تموز القادم، بعد سنة على إقالة سعيد للحكومة على نحو فظ هز الدولة. ثم علق أعمال البرلمان وعزل عشرات القضاة وبدأ في إدارة الدولة عن طريق أوامر رئاسية. في الواقع، كان هذا انقلاباً أبيض، لكن الكثيرين رأوا في ذلك تحطيماً للبنية التحتية للديمقراطية في الدولة التي تم تحقيقها بدماء كثيرة في ثورة الربيع العربي.
منذ ذلك الحين أصبحت تونس نموذجاً لنجاح تاريخي لدولة عربية أقامت وبحق نظاماً ديمقراطياً وصاغت دستوراً يعطي حقوقاً متساوية للرجال والنساء وأنشأت نموذج حكم جديراً بالمحاكاة. النظام الذي نشأ بعد الثورة عزل الديكتاتور زين العابدين بن علي. وليس هذا فقط، بل اعتمد أيضاً على تحالف شارك فيه الحزب الديني “النهضة”، وهو فرع لحركة الإخوان المسلمين، الذي تنازل في قرار استثنائي عن الحكم الحصري رغم فوزه الساحق في الانتخابات.
الآن تحول الحزب في نظر الرئيس إلى هدف للتصفية السياسية. “سنمنع استغلال الدين للتطرف الديني”، قال بلعيد. “عندنا أحزاب سياسية يدها ملطخة. أيها الديمقراطيون الفرنسيون والأوروبيون، سواء شئتم أم لا، لن نوافق على شخصيات قذرة في ديمقراطيتنا”. وهو بذلك أرسل سهماً مسموماً تجاه الانتقاد الذي وجهته الدول الأوروبية ضد سعيد، ولا سيما فرنسا، بعد الانقلاب في نظام الحكم الذي قام به.
قد يكون لفصل الدين عن الدولة، إذا تمت المصادقة على الدستور الجديد في تونس، تأثيرات على مجالات كثيرة في الحياة، بالأساس قوانين الأحوال الشخصية وقوانين العائلة، ولا يقل عن ذلك الخطاب السياسي ومستقبل أحزاب لم تدفع قدماً حتى الآن بالهوية الدينية في الدولة. صحيح أن تونس لم تصل إلى مستوى تركيا التي تمنع تشكيل أحزاب برنامجها السياسي ديني، أو مصر التي تعتبر حركة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية، لكن الجهود المبذولة لتصفية حركة النهضة سياسياً تناقض تماماً هدف ثورة الربيع العربي التي سعت إلى إعطاء القوة لكل من تم اضطهاده في فترة النظام الديكتاتوري.
حركات مثل “النهضة” أو كتلة الأحزاب “ائتلاف الكرامة” التي تشارك فيها أحزاب ذات هوية دينية، خرجت الآن ضد نية اجتثاث الإسلام من الدستور. وليس هي فقط، فمنظمات حقوق إنسان تعتبرها استمراراً لسعي سعيد كبح أي مناهضة لحكمه وترسيخ حكم الفرد.
هذه الحركات التي تعارض مشروع الدستور الجديد، تعرض سعيد أنه إنسان يريد خدمة الغرب للحصول على الشرعية وعلى المساعدات المالية لإنقاذ تونس من الأزمة الاقتصادية. تعديل الدستور هو “رسالة واضحة للغرب لدعم سعيد، الذي يغازل الخوف من الإسلام في الغرب… هذه رسالة تهدئة ورسالة لطلب الدعم مقابل تصفية الإسلام السياسي في تونس”، قال يسري الدالي، رئيس المكتب السياسي في “تحالف الكرامة”. هذا الادعاء ليس أصيلاً. فمن الأزل، عرضت العلمانية هناك كرمز للتغرب، التي هدفها حرمان الدول الإسلامية من تراثها الديني. ولكن تونس لا تعارض الغرب. هي غاضبة على سعيد الذي سرق منها إنجازات الثورة وحطم صورتها الديمقراطية.
بقلم: تسفي برئيل
هآرتس 13/6/2022