هآرتس: بعد الزلزال… هكذا بقيت سوريا خارج شبكة المساعدة الدولية

حجم الخط
1

فيلم قصير نشر في موقع “عنب بلدي”، المقرب من المعارضة السورية، عرض مبادرات مساعدة من مواطنين عاديين مضطرين لإنقاذ الجثث وإخلاء الأنقاض ودعم المتضررين في المكان الذي يخلو من الحكومة أو قوات الإنقاذ، ويخلو أيضاً من أي تدخل دولي وفي وقت لا يمكن لقوافل الغذاء والإنقاذ الوصول إليه. الزلزال لا يعترف بالحدود السياسية ولا يفحص الاستعدادات السياسية في البداية. وفي الوقت الذي تهبط فيه بعثات المساعدة والمؤن والآلات الهندسية الثقيلة في تركيا بوفرة، وتوزع الحكومة مساعدات أولية، حيث لا نقص في الأطباء والمعدات الطبية – نجد الوضع في سوريا مختلفاً تماماً.
يظهر الفيلم إحدى النساء وهي محجبة، تشرح: “لا يوجد هنا من نثق به. يمكننا المساعدة، لأننا جميعنا أبناء شعب واحد. جميعنا بشر”. كانت تقف في بيتها قرب أوعية ضخمة يطبخ فيها الأرز والخضراوات. خرج أولادها في سيارتهم لتوزيع الطعام قرب الأنقاض. متطوعون آخرون يعدون الفطائر ويحملون صناديق من الكرتون فيها مشروبات خفيفة لتصل خلال دقائق إلى “مركز استيعاب” مؤقت، الذي هو ليس سوى خيمة فرش على أرضيتها أغطية خفيفة، تجلس عليها عشرات النساء مع الأولاد والأحفاد ويحاولون أن يتدفأوا. لا تعدّ مبادرات المساعدة الخاصة والفورية أمراً جديداً في سوريا؛ ففي الـ 12 سنة للحرب الأهلية تحولت المساعدة المتبادلة إلى نمط حياة، التي لا احتمالية للبقاء بدونها. “كل واحد لديه شيء ما ليعطيه لآخر”، قالت إحدى النساء في مقابلة مع الموقع. “أنا وزوجي جمعنا الطعام للأطفال. طبخت. وأنا الآن ذاهبة لتوزيعها. آسفة لأن هذا هو كل ما استطيع فعله”.
إذا كانت المساعدات الإنسانية من الخارج في الأوقات العادية ركيزة لمعظم المهجرين في سوريا، فقد أصبحت الآن أمراً حاسماً، لأن مخازن المعدات والغذاء لوكالة الغوث التابعة للأمم المتحدة بدأت تفرغ. وكالات الغذاء الدولية أعلنت في نهاية الأسبوع الماضي بأن لديها نحو 30 ألف رزمة من المعدات الأساسية، بما في ذلك البطانيات والفرشات وأدوات مطبخ وأوعية ونحو 20 ألف خيمة تم تخزينها في سوريا قبل الزلزال، ولديها مخزون طعام جاهز يكفي لنحو 125 ألف شخص. هذا المخزون ينفد بسرعة، وبدون التجديد الفوري فمن شأن آلاف السكان أن يبقوا من دون مأوى في الأمطار والبرد الشديد وبدون لوازم أساسية.
يوم الجمعة الماضي وصلت قافلة مساعدة أخرى اجتازت الحدود مع تركيا. في البداية، لم يسمح نظام الأسد بمرور قوافل المساعدات، وأعلن سفيره في الأمم المتحدة بأن سوريا ستهتم هي نفسها بالمتضررين من الكارثة. بين سوريا وتركيا معبر واحد هو “باب الهوى”، الذي يمكن من خلاله نقل المساعدات. لكن عندما يسمح النظام للقوافل بالدخول فإنه يطلب أن تمر كل المساعدات عبر دمشق، ومنها يتم توزيعها للمحتاجين، وحصراً في المناطق التي تقع تحت سيطرة النظام. “إذا أراد المجتمع الدولي المساعدة فليرفع أولاً العقوبات عن سوريا”، قال المتحدثون بلسان الأسد. هكذا، في نهاية الأسبوع الماضي، أعلنت الإدارة الأمريكية عن رفع جزء من العقوبات، بحيث إن الدول والمنظمات، بالأساس البنوك، يمكنها تحويل الأموال ومساعدات أخرى بدون الخوف من العقاب. إسرائيل في المقابل، سارعت إلى التحذير من أنها لن تتردد في ضرب القوافل التي ستصل من إيران إذا تبين أنها تستغل الحاجة إلى المساعدة لنقل السلاح والوسائل القتالية إلى سوريا.
في هذه الأثناء بقيت سوريا خارج شبكة المساعدة العالمية، وبقي نصيبها في شبكات الاتصالات العالمية ضئيلاً مقارنة مع تركيا. المراسلون الأجانب لا يأتون تقريباً إلى البلدات والقرى المدمرة، والتقارير تعتمد بالأساس على الشبكات الاجتماعية، وهناك صعوبة كبيرة يواجهها السوريون في تجنيد الدعم من الخارج.
صورة سوريا إلى جانب الصعوبات التي تضعها هي بلا شك عامل آخر في إبعادها إلى هامش المساعدة الدولية. يبدو أن المواطنين حتى في وقت الكارثة يضطرون لدفع ثمن هذا السلوك والصورة التي يعطيها النظام. إضافة إلى ذلك، كلما اعتبرت الدولة غربية أكثر فستحصل على مساعدات أكبر وأسرع، وسوريا في هذا التصنيف واقعة في درجة أقل بكثير من تركيا. هكذا، رغم قدرة تركيا، الأكبر بكثير من قدرة سوريا، فهي تحصل على مساعدات كثيفة وبصورة أسرع.
إن عبء المساعدة والإنقاذ في سوريا يتحمله الآن متطوعو “الخوذات البيضاء” الذين يواصلون إثبات النجاعة والتصميم منذ الأيام الأولى للحرب الأهلية. أقيم هذا التنظيم في 2012 ويبلغ عدد المتطوعين فيه نحو 5 آلاف شخص يعملون في عشرات المدن في أرجاء الدولة، ويشغلون نحو 100 مركز للمساعدة والإنقاذ، وحتى إنهم كانوا مرشحين للحصول على جائزة نوبل للسلام في 2016. ولكن ليس لديهم أي حصانة من قذائف النظام أو إطلاق النار المتعمد. أكثر من 120 متطوعاً قتلوا في سنوات الحرب.
الجمعة الماضي، أعلنت هذه المنظمة بأنها ستوقف عمليات البحث والإنقاذ؛ لأنه -حسب رأيها- انتهت احتمالية العثور على أحياء. واهم لآن سيركزون الجهود للعثور على الجثث وتشخيصها وإخلاء الأنقاض. بقي للمدنيين أن يحاولوا البحث بأنفسهم عن أعزائهم على أمل التوصل إلى تسوية معينة مع الحكومة السورية كي تسمح للمعدات الطبية وبعثات المساعدة من الخارج بالوصول إلى الدولة.

بقلم: تسفي برئيل
هآرتس 13/2/2023

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول قلم حر في زمن مر:

    الزلزال عرى الغرب المنافق العنصري البغيض المتغطرس الذي يكيل بمكيالين ???

إشترك في قائمتنا البريدية