كذبة جهاز الأمن الإسرائيلي البيضاء، التي استمرت لفترة طويلة وهي من اختراع الرقابة العسكرية، كما تظهر في وسائل الإعلام، هي جملة “حسب منشورات أجنبية”. بشكل خاص، رافقت هذا التعبير منشورات تتناول ما يدعيه كل العالم منذ خمسة عقود ونصف وهو “لدى إسرائيل سلاح نووي”. في هذا الأسبوع، يبدو أن هذه الخدعة، “المنشورات الأجنبية”، تبخرت.
في أخبار “كان”، بُث الجزء الأول من السلسلة الوثائقية الجديدة “الذرة وأنا”، التي تكشف للمرة الأولى عن قصة مشروع إسرائيل النووي. يتناول الجزء الأول قصة ولادة المشروع النووي: كيف اشترت إسرائيل المفاعل النووي من فرنسا، الذي بنته في ديمونا، والذي تشغله منذ 1960. في هذه المرة، لم ترفق بهذه الأقوال عبارة “حسب منشورات أجنبية”، لأنه السلسلة تتحدث عن عدد من الذين أجريت معهم المقابلات، مثل عاموس عيران، الذي كان المدير العام لمكتب رئيس الحكومة، وعن “السلاح النووي” في سياقات مختلفة، وضمن ذلك في سياق تجنيد الأموال للمشروع النووي الإسرائيلي.
في مركز الفصل، تم بث مقابلة مع بنيامين بلومبرغ، المتوفى، الذي اعتبر الرجل الرئيسي في “المشروع السري جداً لدولة إسرائيل لثلاثة عقود تقريباً”. هذا مبالغ فيه. لقد عرفت بلومبرغ قبل 25 سنة. في حينه، التقيته في شقته بتل أبيب. واستناداً لمحادثتي معه، نشرت في 2004 مقالين مطولين في “هآرتس” بعنوان “سري”. للأسف، طلب عدم اقتباس أقواله أو نسبها إليه. لذلك، لم يتم نشر المقالين كمقابلة، ولكني وصفت فيهما بالتفصيل سيرة حياته – بدءاً بنشاطه في “الهاغاناة” حتى أصبح ضابط الأمن الرئيسي في وزارة الدفاع عام 1949. وبحكم هذا المنصب وبسبب الصراعات الشخصية مع رئيس الموساد أيسر هرئيل، فقد كلفه شمعون بيرس، الذي كان المدير العام في وزارة الدفاع، بتشكيل وحدة تحافظ على سرية إقامة المفاعل النووي في ديمونا، لإخفاء من يقف خلفه في العالم، خاصة الولايات المتحدة. اعتبر المشروع النووي مخصصاً للأغراض السلمية، رغم أن الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد السوفيتي سابقاً وبعض الدول العربية، قدرت بأن الهدف منه هو إنتاج السلاح النووي.
بعد تغيير اسمها عدة مرات، حصلت وحدة بلومبرغ على اسم مستعار وبريء ومضلل هو “مكتب العلاقات العلمية”. كان له ثلاثة أدوار في بداية طريقه: حماية منشأة المفاعل في ديمونا مادياً، ومنع تسريب المعلومات عن وجود الـ 100 شخص مهني فرنسي، الذين شاركوا في بنائه، وبعد ذلك منع كشف نوايا إسرائيل الحقيقية. بعد ذلك، ألقى هذا المكتب على نفسه مهمات خاصة، مثل شراء المعدات والتكنولوجيا والمواد اللازمة للمفاعل ولصناعات أمنية أخرى. بكلمات أخرى، أصبح هذا المكتب وحدة استخبارات علمية – تكنولوجية، وبلغة أكثر وضوحاً، مقاول سرقات.
بهذه الطريقة حصلت إسرائيل على اليورانيوم الطبيعي المطلوب لتشغيل المفاعل، بعد أن أوقفت فرنسا دعمها للمشروع في 1961، وأوقفت جنوب إفريقيا بيع اليورانيوم لإسرائيل. كان البطل الحقيقي لحملات الشراء إلياهو سخروف، المقدم ورجل الصناعة، الذي أجرى علاقات مع رجال أعمال ألمان، من بينهم طيار في سلاح الجو في ألمانيا النازية. وفي كتاب لي، كتبت أن سخروف أبلغ بلومبرغ عن المجموعة الألمانية، التي تم بواسطتها شراء 200 طن يورانيوم طبيعي، بالخداع، والذي تم استخراجه في إقليم كتانغا في الكونغو، وبقي موضوعاً، كحجارة لا يمكن نقلها، في شركة تعدين في بلجيكا كانت تبحث عن مشترين له. بفضل سخروف، هذا اليورانيوم وصل في 1968 إلى ميناء أسدود، ومن هناك نقل إلى ديمونة.
في 1974، أي فترة ولاية إسحق رابين، قرر وزير الدفاع شمعون بيرس ومدير عام مكتبه إسحق عيروني، نقل منصب المسؤول عن الأمن في وزارة الدفاع من بلومبرغ إلى حاييم كرمون. استمر بلومبرغ في عمله رئيساً لمكتب العلاقات العلمية، لكن حكومة الليكود زادت الضغط لاستبداله، رغم معارضة رئيس الحكومة في حينه مناحيم بيغن. في العام 1981 استسلم بيغن لطلب وزير الدفاع في حينه ريئيل شارون، وقدم بلومبرغ استقالته وذهب للتقاعد. تم تعيين رافي ايتان كرئيس للمكتب بدلاً منه.
لا شك أن بلومبرغ جدير بالاحترام على دوره في مشروع ديمونا، لكنه لم يكن من مشكليه. الحقوق وكل الثناء من حق رئيس الحكومة دافيد بن غوريون ومن خلفه، ليفي أشكول، و”شباب بن غوريون” مثل موشيه ديان وشمعون بيرس، وعلماء الذرة: البروفيسور ارنست دافيد برغمان والبروفيسور يسرائيل دوستروفسكي وغيرهم من نفس جيلهم ومواصلي دربهم.
في بداية الستينيات، بسبب الضغوط الدولية، لا سيما من إدارة جون كنيدي ولندن جونسون، بلور قادة إسرائيل سياسة تحظى بلقب “الضبابية النووية” منذ ذلك الحين: إسرائيل لا تؤكد ولا تنفي أنها تمتلك السلاح النووي. هذا أحد القرارات الاستراتيجية الأكثر أهمية خلال سنوات وجودنا، وعلى إسرائيل الرسمية التمسك به. بالتأكيد، إن لم تصنع إيران السلاح النووي.
مع ذلك، تصميم الرقابة العسكرية على إجبار المراسلين على إضافة عبارة “حسب منشورات أجنبية” لكل نبأ في هذا الشأن، بات أمراً مضحكاً وقديماً. وسلسلة “الذرة وأنا” يجب أن تكون المسمار الأخير في هذا التابوت العفن.
يوسي ميلمان
هآرتس 4/12/2024