هآرتس: ماذا تقصد إسرائيل بقولها “انتقلنا من الضم إلى التطبيع”؟

حجم الخط
1

وزير الخارجية غابي أشكنازي هو الآن رجل دولة رفيع ويمثل أملاً كبيراً متقاعداً. ولكن معسكر الوسط الذي هو بحاجة ماسة إلى زعيم، قد يعيد هذا المتقاعد إلى الخدمة. تصريحاته نادرة، ولا يقول شيئاً عن أي شيء؛ فلا يوجد لديه ما يقوله، أو لأنه يخشى من أن يقول ما لديه. لذلك، أي جملة صغيرة يقولها تستحق الانتباه.

في الأسبوع الماضي، قال أشكنازي لوزير الخارجية الألماني بأن “إسرائيل انتقلت من مرحلة الضم إلى مرحلة التطبيع”. ورداً على ذلك استلقت أوروبا على الأرض من شدة السعادة، وأعلنت بأنها تأمل استئناف “مجلس التضامن لقاءاتها رفيعة المستوى الثابتة مع إسرائيل”. تتوق أوروبا للعودة إلى محبة عزيزتها إسرائيل، ويجب عليهم تخليصها من نتنياهو. ولزيادة التأكيد، أضاف أشكنازي عدداً من الكليشيهات التي لا أساس لها، والتي تنزلق في الحلق بسهولة منذ سنوات. “تركنا الباب مفتوحاً أمام جيراننا، ويتعلق هذا الأمر الآن بقرار منهم وبرغبتهم في الانضمام”. وعندما يقول رجل دولة إسرائيلي تطبيع، فهو يقصد الحفاظ على الوضع القائم، الذي هو الوضع الطبيعي بالنسبة لمعظم الإسرائيليين. وأي خرق يقتضي إعادة الوضع إلى سابق عهده. هل تريدون مثالاً؟ حكم على الأطفال الفلسطينيين بالسكن على بعد مسافة قصيرة من شاطئ البحر ويقضون حياتهم دون رؤية الشاطئ. هذا هو الوضع الطبيعي. وإذا تم العثور على ثغرات في الجدار ونجح الفلسطينيون في الوصول إلى شاطئ البحر في جو آب الحار، فقد تم خرق الوضع الطبيعي، الذي يجب إعادته بالقوة.

هاكم مثالاً آخر، التظاهر مسموح في شارع بلفور، لكنه ممنوع في بلعين، وهذا أمر طبيعي في الديمقراطية. ومن الطبيعي جداً أن تسجن مليوني شخص في قفص لسنوات طويلة. هل هناك طبيعية أكثر من أن تراهم يجلسون بهدوء، وإذا اتخذوا أي خطوة ضد هذا الواقع المجنون، فعليهم العمل على إعادة الوضع الطبيعي؛ أي إعادتهم إلى القفص، ليجلسوا في غزة ويتعفنوا إلى الأبد وليطبعوا مع إسرائيل.

من الطبيعي أن تسمى دولة ديمقراطية، في حين أن حوالي نصف الأشخاص الواقعين تحت سيطرتها، المباشرة وغير المباشرة، يعيشون تحت استبداد شامل. من الطبيعي أن يستطيع شعبان العيش على قطعة أرض واحدة… السكان الأصليون محرومون من أي حقوق، والمهاجرون وأولادهم يتمتعون بكل الحقوق. من الطبيعي أن يسمح لإسرائيل خرق السيادة الجوية لأي دولة في المنطقة، ولكن من غير المسموح لأي دولة من هذه الدول إطلاق حتى ولو بالوناً واحداً إلى أراضيها. من الطبيعي أن يبقى الفلسطينيون الشعب الوحيد على الكرة الأرضية الذي لا ينتمي لأي دولة.

من الطبيعي أن تسيطر دولة على المناطق التي لا تعترف بها أي دولة، ومع ذلك هي الدولة المحظية أكثر في العالم، باستثناء الولايات المتحدة، عندما يتعلق الأمر بتطبيق القانون الدولي. من الطبيعي أن ملحق “هآرتس” ينشر مقالاً عن مواقع الاستجمام داخل المستوطنات دون أن يذكر ما يوجد حولها وكيف نشأت. من الطبيعي أن تحصل إحدى الدول المسلحة والغنية في العالم على مساعدات اقتصادية من المساعدات السخية في التاريخ. ومن الطبيعي أن أحد آمال المعسكر غير اليميني يعلن عن دعمه للتطبيع.

عندما تحدث أشكنازي عن التطبيع، فهو لم يقصد الوضع الطبيعي، فالوضع الطبيعي يعني المساواة بين الشعبين، والوضع الطبيعي أن الاحتلال العسكري لن يستمر لأكثر من فترة زمنية قصيرة جداً. والوضع الطبيعي هو أن تخضع الدولة للقانون الدولي، وهذا أمر مثير للإعجاب. ومن الطبيعي معاقبة دولة على جرائم الحرب التي ارتكبتها.

  لا يريد أشكنازي كل ذلك، فالمستوى السياسي الذي يعتبر أشكنازي ممثله يريد الهدوء فقط. هذا هو التطبيع. ليتركوه مع الاحتلال، وأن يقوم العمال الفلسطينيون ببناء البيوت وشق الشوارع وأن يعودوا بصورة طبيعية إلى سجنهم. ويظل الجيش الإسرائيلي يمارس اقتحام البيوت ليلاً ويعتقل من فيها، ثم يقوم بإهانتهم وإطلاق النار عليهم نهاراً دون كابح… هذا وضع طبيعي، وأي سلوك غيره سيشوش على الوضع الطبيعي. أشكنازي يريد التطبيع، لهذا يعتبر أملاً. إن كل شيء يتعلق بالفلسطينيين، يجب عليهم الخضوع لهذا الواقع. وهكذا سيكون التطبيع معهم.

بقلم: جدعون ليفي
 هآرتس 30/8/2020

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول إبن كسيلة:

    و في المقابل إنتقلت الشعوب العربية من ” الضم ” إلى…… ” اللآت الثلاثة ” ….فمذا أنتم فاعلون ….؟

إشترك في قائمتنا البريدية