ينجح وابل العناوين التي توفرها الاتفاقات الائتلافية حول مواضيع الدين والدولة في إثارة عاصفة إعلامية جديدة كل بضع ساعات في الأيام الأخيرة. يصعب التنافس مع المجموعة المختارة من القضايا التي تعرضها حكومة نتنياهو الآخذة في التبلور. بدءاً بالحق المعطى للتحريض على العنصرية والتمييز ضد الأقليات، ومروراً بالسماح للأطباء بالامتناع عن تقديم العلاج لمريض لأسباب دينية، وانتهاء براتب شهري لطلاب المدارس الدينية، الذي يفوق راتب الجنود المقاتلين. هذه هي الهدية التي لا تتوقف عن الإعطاء، وعلى المدى البعيد قد تؤدي إلى تآكل تعاطف الناخبين العلمانيين والتقليديين مع الليكود.
لكن للتنبه لما يحدث على الصعيد الأمني، والاتفاقات الائتلافية خلف الكواليس، والاتصالات والتفاهمات غير الرسمية للشركاء في الحكومة المستقبلية، تبدو التنازلات التي قدمها نتنياهو للشركاء المستقبليين واسعة ومتنوعة ولا تقل عما كشف عنه في موضوع الدين والدولة. هذه تنازلات شاملة تقلص صلاحية الجيش ووزارة الدفاع وتقوض سلسلة القيادة في الجيش.
التغيير الأبعد هو ذلك الذي يظهر في “المناطق” [الضفة الغربية]. ففي إطار الاتفاقات، أعطى نتنياهو لشريكيه في اليمين المتطرف، بتسلئيل سموتريتش وايتمار بن غفير، صلاحيات غير مسبوقة.
ستعطى لسموتريتش السيطرة على جهاز منسق أعمال الحكومة في “المناطق”، التابع للإدارة المدنية في الضفة الغربية، وتعيين المستشارين القانونيين الذين سيتعاملون مع الأحداث في “المناطق”. بن غفير، كوزير للأمن القومي، ستعطى له صلاحيات موسعة على المفتش العام للشرطة وعلى الشرطة، بل وسيطرة مباشرة على حرس الحدود بصورة يتمكن من خلالها التأثير على التعليمات الموجهة للقوات في الميدان، وحتى تحريك فصائل حرس الحدود من الضفة إلى النقب والجليل، كما يريد.
هذه الخطوات مكملة ستضعف أداء الجيش في “المناطق”. للمرة الأولى، أضيفت جهات خارجية إلى الهرمية العسكرية – الأمنية. رغم أن إدارة جهاز الأمن لم تكن مهنية، لكن الجهات التي دخلت إلى هذه الهرمية هي سموتريتش وبن غفير، وهما من أصحاب الميول السياسية والواضحة، التي كل هدفها توسيع المستوطنات وشرعنة البؤر الاستيطانية غير القانونية وتخريب العلاقات المتبقية بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل.
حصانة للجنود. حسب طلب بن غفير، ستتم المصادقة على تشريع يقلص إمكانية تقديم الجنود للمحاكمة بسبب نشاطات عملياتية. ومثلما بين ينيف كوفوفيتش الأسبوع الماضي، فإن توفير حصانة جزئية للجنود قد يحقق هدفاً معاكساً للهدف المعلن. تقوم إسرائيل حتى الآن بصد، منذ 55 سنة، طلبات لمحاكمة دولية للجنود في “المناطق” بتهمة جرائم حرب. ومبررها الرئيسي أنها تدير منظومة قضائية ناجعة ومستقلة، تهتم بإنفاذ القانون على من يستحق ذلك. ومن اللحظة التي سيتم فيها إلغاء هذه الاحتمالية- التحقيق والتقديم للمحاكمة، استناداً لمبرر سياسي يتمثل بدعم الجنود- وستكون النتيجة سلسلة طلبات تهدف إلى جر جنود وضباط إسرائيليين إلى محكمة الجنايات الدولية في لاهاي.
من الذي سيعين الحاخام العسكري؟ قد يعود الائتلاف القادم ويدفع قدماً بمشروع قانون قديم، الذي بحسبه يتم تعيين الحاخام العسكري الرئيسي بناء على توصية من لجنة، يكون من بين أعضائها الحاخام الرئيسي السفاردي. الحاخام العسكري الرئيسي، كما تم الاتفاق، لن يكون خاضعاً لرئيس الأركان (في المواضيع الدينية – المهنية). وإذا لم يكن هذا كافياً، فإن قائمة “الصهيونية الدينية” تطالب بإعادة رتبة جنرال التي خفضت قبل عشرين سنة إلى الحاخام العسكري الرئيسي.
هذه الخطوة لها تأثيرات خطيرة محتملة: الأول، سيضعف خضوع الحاخام العسكري الرئيسي لرئيس الأركان، وستتم شرعنة عملية تجري في الأصل بشكل تدريجي، وإخضاع الحاخام العسكري الرئيسي لصلاحية حاخامية مدنية. وهذا أمر إشكالي، لأنه بذلك سيتم إدخال أجندات خارجية، مدنية وربما سياسية، إلى الجيش الإسرائيلي من البوابة الرئيسية. الثاني، يمكن أن يكون خطراً على إدخال أحكام دينية متشددة، التي تم كبحها حتى الآن بفضل خضوع الحاخام العسكري الرئيسي المباشر لرئيس الأركان، وهكذا الأمر بالنسبة لوحدة منسق أعمال الحكومة في “المناطق”، فله هنا خصخصة لصلاحيات عسكرية ونقلها إلى جهة خارجية، جهة لها ميول سياسية واضحة في موضوع الدين والجيش.
قانون التجنيد. ربما يكمن التحدي الأكبر أمام علاقات الجيش مع المجتمع في إسرائيل على المدى البعيد في خضوع نتنياهو الذي يلوح في الأفق لطلبات الحزبين لسن قانون جديد للتجنيد. وهو قانون يتوقع أن يعفي، إلى الأبد، الأغلبية الساحقة من الشباب المتدينين من واجب الخدمة في الجيش. ورغم أن خدمة المتدينين في الجيش مقلصة جداً حتى الآن، فإن إعطاء خاتم قانوني لهذا الاتفاق ربما يضعضع نموذج الخدمة في الجيش. قد يضر هذا بدافعية التجند في أوساط هذه المجموعة السكانية، الآخذة في التقلص، التي ما زال الشباب والفتيات فيها يلزمون بأداء الخدمة الكاملة بدون صفقات وبدون تصاريح قانونية أو إلهية.
اتفاق الخضوع
في الوقت الذي استجاب فيه نتنياهو، كما يبدو، لطلبات شركائه في اليمين بعيدة المدى، يبدو أنه يجمد وإلى الأبد الطلب الذي طلبه بصوت عال وبدراماتيكية في الفترة الأخيرة لحملة الليكود في الانتخابات الأخيرة. أعضاء الليكود في الكنيست هاجموا بشدة الاتفاق الذي وقعت عليه الحكومة السابقة في اللحظة الأخيرة قبل الانتخابات، وهو ترسيم حدود المياه الإقليمية مع لبنان. وإن محاولتهم التشويش على هذه الخطوة رفضها قضاة المحكمة العليا، الذين وافقوا على مواقف حكومة لبيد – بينيت وجهاز الأمن. وقال هؤلاء بأن الاتفاق مطلوب وأن انسحاب إسرائيل منه في اللحظة الأخيرة قد يؤدي إلى الاشتعال في المنطقة الشمالية.
في التصريحات قبل الانتخابات، كان نتنياهو فظاً وواضحاً. “يئير لبيد خضع لتهديدات حزب الله”. “اتفاق الخضوع الذي عقده غير قانوني ولن يلزمنا”، قال في مناسبة أخرى. وعد في مناسبة أخرى بتغريدة في تويتر بأننا “سنفوز في الانتخابات وسنلغي هذا الاتفاق المخجل”.
في الحقيقة فاز نتنياهو في الانتخابات. ولكن في مقابلة باللغة الإنجليزية أجرتها معه قناة “العربية”، سمع بشكل مختلف. “قلت بأنني سأفحص (الاتفاق – ع.هـ)، وسأجد طرقاً – إذا كانت هناك أمور سيئة وضارة، من أجل إصلاح ذلك بطريقة مسؤولة. ليس بالضرورة أن أمزق وثائق. ولا أعتقد أن هذا ما ستكون عليه الحال”.
هذا بالطبع رد منطقي في هذه الظروف. نتنياهو سياسي مجرب بما فيه الكفاية كي لا يقفز ويشطب اتفاقات دولية حصلت على دعم الولايات المتحدة والأمم المتحدة، التي قد يكون العنف ثمن تحطيمها. لا مناص من التوصل إلى استنتاج أن الانتقاد الانفعالي لنتنياهو والليكود لاتفاق الخضوع الذي يعرض أمن إسرائيل للخطر، لم يكن إلا خدعة انتخابية. من اللحظة التي توقف فيها هذا الأمر عن خدمته، يبدو أن نتنياهو قد تنازل عنه. ومن الواضح أن لديه في هذه الأثناء مواضيع ملحة أكثر على جدول الأعمال.
بقلم: عاموس هرئيل
هآرتس 26/12/2022
لقد باع نتانياهو دوله اسرائيل وشعبها وباع كل من صوت له في الانتخابات …كل ذلك ليس حبا في بن غفير او سميريتش فهو يدرك ان كلاهما لايمتلك من الخبرة السياسيه حتى ان قائد الشرطه اقر باننا لن نخضع لأوامر بن غفير …فهو سيؤدي الى مزيد من العنف بالمنطقه وستعمل الحركات سواء الجهاد او حماس او غيرها الى تغيير تكتيكاتها في استهداف الداخل الاسرائيلي وما اعلان الشرطه عن تفكيك مفخخة الا دليل على ذلك …ويتحمل عواقبه نتانياهو واستطلاعات الرأي الاخيره تشير الى ان 51بالمئة من الاسرائليين غيرراضي عن هذه الحكومه …المواطن الاسرائيلي ادرك اخيرا انه مضلل وان نتانياهو على استعداد ان يسلم وزارة الامن لبن غفير حتى يستطيع ان يفلت من النيابة العامه والمحاكمه فهل يدرك المواطن الاسرائيلي وعلى رأي المثل لاتصدق كل ماتسمع ولا نصف ماترى ….