هآرتس: 4 دقائق بتوقيت “الأم تيريزا”.. مخيم جنين تحت رعاية الدبابة الإسرائيلية “الطاهرة”!

حجم الخط
0

نسيم مغناجي، الذي قدم دعوى ضد محمد بكري، مخرج فيلم “جنين جنين”، قال في ملحق “يديعوت أحرونوت”: “عندما فحصت، قبل المحاكمة، من شاهد الفيلم في اللواء، اكتشفت أن لا أحد شاهده. كل من أعرفهم أرادوا الابتعاد ونسيان ذلك”. هذا مهم، لكن الشاويش (احتياط) يسرائيل كسبي، الذي كان هناك، قال: “حاربنا مثل الأم تيريزا، الممرضة الرحيمة”. إذا كانت الأمور هكذا فيمكن أن نتوقع بأن كل جندي من جنود اللواء سيذهب لزيارة من قدموا لهم علاج الأخت الرحيمة”. ولكن عميقاً في الداخل، الكل يعرف بأن هناك أمراً فظيعاً، من الأفضل السكوت عنه.

قبل مناقشة ما حدث، نقول إن مخيم جنين للاجئين أقيم في العام 1953، وأن معظم سكانه من اللاجئين من منطقة الكرمل في حيفا. وأثناء احتلال المخيم في العام 2002 كان يعيش فيه 15 ألف لاجئ في ظروف قاسية، على مساحة 473 دونماً، وكان لهم حلم التخلي عن هذه المكانة المؤلمة، مكانة اللاجئ.

لا أسال بصفتي فلسطينياً أو يهودياً، بل بصفتي إنساناً: ما الذي سيفعله جندي عندما يقف أمام مخيم محاصر وفي حوزته أحدث سلاح في العالم، بهدف إخضاع أشخاص بائسين قرروا عدم رفع الراية البيضاء، وأن لا يضيفوا لبنة أخرى إلى المأساة المتواصلة منذ العام 1948؟

قبل فترة قصيرة كان هناك جواب. هيلل رابين، تلك الشابة اليهودية، قررت ألا تغرق في وحل الاحتلال، ما الذي يدعوها أن تكون هناك، في الوقت الذي كان فيه أصدقاؤها ينوون القيام بأفعال نهايتها القتل والدمار؟ إن أي شخص عقلاني سيقول لنفسه: ابتعد عن ذلك، لا تكن بطلاً على ضعفاء. ولا تكن كالأم تيريزا لو كانت جاءت على ظهر دبابة. فالأم تيريزا الحقيقية جاءت وإحدى يديها تمسح الدموع والأخرى تقدم المساعدة.

ثقافة الاحتلال خلقت جنوداً يريدون خلق تسونامي من الدمار والخروج منه بدون أي ذرة غبار. هذا الطموح موجود منذ سنوات كثيرة، منذ جيل العام 1948 المبجل، الذي يتبين الآن أنه كان جيلاً من السارقين. إن تزيين الضمير يثير الشفقة. الجنود الذين أرادوا تنظيف أنفسهم مما نسبه إليهم كيدي كاتس في دراسته الأكاديمية، نسوا أن يشرحوا كيف أنهم، برعاية سلاحهم “الطاهر”، قاموا بطرد سكان قرية الطنطورة. والمهم هنا، وإن لم تكن هناك مذبحة، فقد أرسلوا هؤلاء المساكين إلى أماكن الذبح. تحدثت الكاتبة المصرية، رضوى عاشور، عن عدد من أبناء قرية الطنطورة الذين قتلوا في مخيمات اللاجئين صبرا وشاتيلا.

في مخيم جنين قتل 52 شخصاً من بين الـ 15 ألف لاجئ. وبالتناسب مع قطاع غزة الذي يبلغ عدد سكانه المليونين، فإن هذا العدد يصل إلى 7 آلاف قتيل. في المقابل، تم هدم حي كامل بواسطة الجرافات. و23 جندي إسرائيلي قتلوا على أرض غريبة، شباب، كان ينتظرهم مستقبل آخر بعيداً عن الموت. وقد توقعت أن يقوم هؤلاء القادة بإجراء حساب للنفس، ويسألوا أنفسهم لماذا -في الأصل- كانوا هناك، على أرض ليست لهم؟ لو أني مكانهم لحللت أربع دقائق في الفيلم، التي ظهر فيها عجوز مصدوم من القتل والدمار، ويتحدث عما شاهده وسمعه، حيث الأمور بطبيعة الحال وإزاء الصدمة، تميل إلى المبالغة. إذا كانت المشكلة هي الأربع دقائق فقط، فإن الخمسين دقيقة الأخرى في الفيلم حقيقية تماماً.

ولكن لا يوجد أي احتمال لأن يقوم هؤلاء القادة بمحاسبة للنفس. فمن يسمون محمد بكري بـ “قذارة تختفي تحت المواطنة الإسرائيلية” فإنهم، وبشعور التفوق القومي المحفور في أعماقهم، سيبقون منغلقين ولن يفهموا ما الذي ارتكبوه، حتى لو شطبنا الأربع دقائق من الفيلم.

بعد الفوز في المحكمة، لا يمكن لهؤلاء القادة التفاخر والقول بأنهم كانوا هناك في الساعة الصعبة لمخيم ينزف الدماء. وفي المقابل، قد يروي بكري لأحفاده بأنه كان يتحدث في لحظة الحقيقة باسم ضحايا الصدمة الذين لم يكن بإمكانهم التحدث.

بقلمعودة بشارات

 هآرتس 18/1/2021

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية