هجرة العالم: جسور الإنسانية وأسوار الطغيان!

حجم الخط
15

تفيض أخبار العالم، ومنذ وقت طويل جدا، بأخبار عن مآسي اللاجئين والمهاجرين، لكنّها انتقلت، في الفترة الأخيرة، إلى فصل جديد اختلطت فيه محاولات عشرات الآلاف من البشر للوصول إلى القارة الأوروبية، وفي مناطق أخرى إلى الولايات المتحدة الأمريكية وأستراليا، مع عمليات الاستخدام السياسيّ من جهتي الانتقال، وأعمال التضليل والكذب والابتزاز والسرقة والإجرام، من كل الجهات.
بقرار شجاع كبير تحمّلت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل حينها مسؤوليته، انفتحت أبواب أوروبا عام 2015 للاجئين، من السوريين والفلسطينيين والعراقيين والأفغان واليمنيين وغيرهم، فوصل ألمانيا مليونا مهاجر ولاجئ، وتواصل هذا الأمر في السنوات الخمس التالية حتى وصل العدد إلى قرابة ثلاثة ملايين شخص.
كان ذلك حدثا تاريخيا يشبه سقوط جدار برلين عام 1989، كما حمل، بالنسبة لجيل قديم من الألمان، والأوروبيين، تذكيرا بالمأساة الكبرى التي خاضتها البلاد خلال الحرب العالمية الثانية، وضمن ذلك مزيج العار الناتج عن مسؤولية البلاد، خلال الحقبة النازية، عن حرب عالميّة مهولة، والهزيمة التي ألحقتها الجيوش الأجنبية بها والتقسيم الذي تعرّضت إليه، وكذلك لتداعيات الهجرة والانقسام والفاقة والجوع الذي ضرب البلاد بعد ذلك.
كان سور برلين سياجا كهربائيا يمتد على طول الحدود بين هنغاريا والنمسا، وقبل بنائه عام 1961 تمكن قرابة 3,5 مليون شخصا من ألمانيا الشرقية من التحايل على الإجراءات المشددة لمنعهم من السفر إلى ألمانيا الغربية، أما خلال الفترة التي أسس فيها الجدار فحاول أكثر من 100 ألف شخص الهروب، ولم ينجح منهم أكثر من 5 آلاف فيما قُتل قرابة 200 خلال محاولات الهرب.
كان سقوط الجدار إذن حدثا تاريخيا، فهو لم يعد توحيد ألمانيا فحسب، بل فتح الحدود بين أوروبا الشرقية والغربية، وأنهى، عمليا، الحرب الباردة بين المنظومة الغربية والاتحاد السوفييتي والدول التي كانت دائرة في فلكه، بل إن الاتحاد السوفييتي تفكك بعد ذلك وتلاشى من الوجود، ككيان سياسي، مع نهاية عام 1991.
عارضت الاتجاهات السياسية اليمينية المتطرّفة (والمحافظة عموما) قدوم المهاجرين، واستغلت ذلك في التعبئة المرتكزة على كراهية الآخر، وتراكمت هذه السياسات ضمن ظاهرة عالميّة كانت رئاسة الأمريكي دونالد ترامب، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وتمكّن اليمين العنصريّ من الوصول إلى السلطة في أكثر من مكان كهنغاريا والنمسا، وتقاربت أحزاب يمين الوسط مع تلك الاتجاهات، كما في حالة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، كما انعكس ذلك على بلدان خارج المنظومة الغربية كالهند والبرازيل، وأسهم، بالتأكيد، في زيادة التوتّرات الكبيرة في العالم، وكان أثر ذلك على البلاد العربية شديد الوضوح، مع وصول مد الثورة المضادة إلى أقصاه.
لكونها تيارات تعتاش على العنصرية وكره الآخر فإن الاتجاهات العنصرية تركّز على الجوانب السلبية ولا تهتم بالفوائد الكبرى التي يقدمها المهاجرون للبلدان التي يصلون إليها، فقد أدت هجرة ثلاثة ملايين شخص إلى ألمانيا، على سبيل المثال، إلى وقف الانكماش في عدد السكان، ونمو عدد العاملين، وانخفض معدل البطالة بين 2015 و2019 إلى 5٪ من 6,3٪، وساعد المهاجرون في رفع معدل المواليد ونسبة الأطفال، وهو ما يوازن مشكلة الشيخوخة التي تعاني منها البلاد.
ما تفعله الاتجاهات اليمينية في العالم هو بناء أسوار برلين بين الأمم والشعوب، كما أنها تسعّر النزاعات الاجتماعية والاقتصادية داخل شعوبها، وضد الأقليات الإثنية والدينية بشكل خاص، وهي تلقى دعما من أنظمة الاستبداد والحكم المطلق والطغيان والاحتلال بحيث يدور المهاجرون في حلقة جهنمية يخاطرون فيها بترك بلدانهم ويموتون في سبيل دخول بلدان أخرى.
العالم في حالة هجرة بين جسور الإنسانية وأسوار الطغيان.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول مهراوي:

    مع الأسف ان أغلبية المهاجرين والمشردين في العالم من أصول دول عربية وإسلامية هربوا من بطش الأنظمة الاستبدادية والفاشية التي تستبيح حياة البشر لأتفه الاشياء او لأغراض سياسية محضة. الهجرة الجماعية من سوريا ولبنان والعراق والجزائر واليمن وايران وافغانستان وليبيا ومصر لن تتوقف في المنظور القريب والمتوسط حسب الأمم المتحدة والانظمة الحاكمة في إنكار تام لأكبر الجرائم في حق الانسانية وهو توفير العيش الكريم وابسط الحقوق في الحياة التي جاء الإسلام لصيانتها ولو بالقوة لإحقاق العدل في المجتمع.

  2. يقول الكروي داود النرويج:

    أوروبا العجوز بحاجة لشباب يعملون بها بعد أن زادت نسبة الوفيات على نسبة المواليد!
    معظم النساء يردن الإستمتاع بالحياة على ولادة أطفال يحرموها متعة التسكع بالبارات!! ولا حول ولا قوة الا بالله

    1. يقول علي مهدي:

      أوروبا العجوز قدمت ومازالت تقدم الكثير للإنسانية بينما دولنا العربية والإسلامية وانت تنتمي لأحد تلك الدول صار العيش فيها جحيما.

  3. يقول الكروي داود النرويج:

    معظم الشباب بأوروبا يخرجوا من بيت أهلهم بلا عودة إلا بالمناسبات!
    هؤلاء الشباب تصرف عليهم الحكومات لغاية حصولهم على وظيفة بعد التعليم!!
    والسؤال هو:
    ماذا يستفيد الأهل من هؤلاء بعد أن يشيخوا ببيوت العجزة؟ ولا حول ولا قوة الا بالله

  4. يقول م. محمد جبرؤوتي:

    حياكم الله. الغرب ديكتاتوري لكن لم نر ديكتاتوريته بشكل جلي لأنه ينفذ جرائمه ع/ط الحركة الصهيونية والحاكم المستبد لولا تدخل الغرب بإشارة من الحركة الصهيونية لما تمكن مستبد في بلادنا من البقاء على كرسي الحكم ولفشلت كل الثورات المضادة ولما تجرأ معارض على أن يرتد ويحمل مرض التطبيع الذي لا يقل خطورة عن مرض الأيدز.

  5. يقول أبو جاسم:

    لو أن عندنا حكام شرفاء وجاءت للحاكم الشريف شكوى ضد تصرف عنصري في الغرب ضد أحد أبناء البلد كان الحاكم الشريف لغى صفقة شراء طائرات إيرباص مثلا أو طرد عمال أو شركات من البلد التي صدر من أحد مواطنيها أذى لكن بدلا من ذلك يلعقون حذاء الصهاينة.. الغرب أوجد لقاحا للكورونا لكن الأيدذ والتطبيع لا لقاح لهما.

  6. يقول م. محمد جبرؤوتي:

    الطبع يلي بالبدن ما يغيره إلا الكفن : المستبد والصهيوني والمطبع المتصهين لا علاج لهم إلا الثورة.

  7. يقول سامح //الأردن:

    *كان الله في عون الشعوب العربية المنكوبة بحكام فاسدين مستبدين (أجبرت) الكثيرين
    ع (الهجرة والتشرد).
    حسبنا الله ونعم الوكيل في كل فاسد مستبد.

  8. يقول زيد:

    من وراء فكرة إحلال شعب مكان شعب وزرع إسرائيل واحتلال البلدان في أفريقيا وآسيا ونهب الثروات وزرع المشاكل أليس الغرب الديمقراطي المتوحش.؟

  9. يقول د.منصور الزعبي:

    العراق ، ليبيا ، اليمن ، سوريا ،أفغانستان جميعها دول ساهمت بتدميرها امريكا و أوروبا الغربية بحروب و تجريب أسلحة هذا هو السبب الأساسي للهجرة ، قبل نشر الديموقراطية عن طريق تدمير الدول لم نشاهد لا هجرة و لا غيرها

  10. يقول محمد عزيز:

    يحز في نفسي أن أرى عربا من مختلف الأجيال يتهافتون على الحدود البيلاروسية البولندية من أجل الدخول الى منطقة اليورو..
    لم هذه الهجرة الجماعية من بلدان عربية مختلفة الى الضفة الاخرى ..؟ شرقا وغربا جحافل المهاجرين ترمي بأنفسها عرض البحر أو عرض الغابات والجبال الحدودية لتجد نفسها في الأخير تحت سطوة جند الحدود ..اهانة و تعنيف يزيدان من قساوة الطقس والجغرافيا ويعمقان المأساة ..صحيح أن للمأساة بعدا انسانيا.. وعلى الضفة الأخرى مراعاته بشيء من الحكمة.. ولكن إلى متى تحمل الٱخر عبء مٱسينا ؟ ..أليست هي من صنع انفسنا ..؟ ساهم فيها ثالوث الرعب فقرنا و حروبنا واستبدادنا استهتارا بحق إنساني شرائعي في ان يعيش الانسان العربي حرا كريما كما ولدته أمه حرا كريما ..لماذا نعيب على الموجات اليمينية والشعبوية الرافضة لنا ولو وضعها انفسنا مقامهم لعذرناها.. لماذا ساهمنا في تهجير ابنائنا واردنا من الٱخر احتضانهم أو أننا قد لم نرد ذلك ..بل اشتهينا ارجاعهم كي نبيدهم على ٱخرهم..بعدما فضحوا وجوهنا القبيحة وافواهنا الوالغة في الدماء..
    أسفي على خير أمة أخرجت الناس..

    1. يقول .دمنصور الزعبي:

      لا تبرير أخلاقي لليمين الأوروبي او غيره بموضوع الهجرة، بلادهم سرقت و نهبت ثروات بلادنا، هم قامو بتدمير بلادنا من اجل مصلحة بلادهم ،هم القتلة و نحن الضحايا، كل حرب من حربهم كلفت ما كان يمكن ان يساعد نمو الشرق الاوسط و افريقيا، و لكن عندما يقومون بتدمير البنى التحتية و مفهوم الدولة في بلادنا فعليهم تحمل النتائج الاخلاقية و استقبال المهاجرين

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية