لندن ـ «القدس العربي»: شنت إسرائيل سلسلة هجمات، على أربع جولات، مساء السبت، رداً على الهجوم الإيراني على إسرائيل في الأول من تشرين الأول/اكتوبر، إلا أنه بناء على المواقع التي استهدفها جيش الاحتلال بضربات «دقيقة وموجهة» على مواقع تصنيع صواريخ وقدرات جوية أخرى، يبدو أنها كانت خطوة بهدف خفض التصعيد، إذ تناقلت أنباء في الأيام الأخيرة عن قيام إيران بتوصيل رسائل لواشنطن بأن إيران ستعتبر الحلقة مغلقة في حال كان الهجوم الإسرائيلي محدوداً.
وتشير التصريحات الإيرانية أيضاً إلى رغبتها في الاحتواء، إذ أكدت طهران أن هجوما إسرائيليا استهدف مواقع عسكرية في طهران ومناطق أخرى في البلاد و«تسبب بأضرار محدودة».
إلا أن الجيش الإيراني أعلن عن مقتل عسكريين اثنين جراء الاعتداء الإسرائيلي، إذ نقلت وكالة «تسنيم» الدولية للأنباء عن الجيش الإيراني قوله في بيان: «إن جيش الجمهورية الإسلامية الإيرانية قدم اثنين من مقاتليه الليلة الماضية أثناء تصديه لمقذوفات الكيان الصهيوني المجرم، وذلك تضحية في سبيل الدفاع عن أمن إيران ومنع المساس بالشعب ومصالح إيران».
ونقل موقع «أكسيوس» الأمريكي عن مصادر إسرائيلية أنه «أوضح الإسرائيليون للإيرانيين مسبقًا نوع الأهداف التي سيهاجمونها بشكل عام وما سيمتنعون عن استهدافه». كما أشار الموقع إلى قيام إسرائيل بتحذير الإيرانيين من الرد على الهجوم مهددة بهجوم آخر أكثر شدة، خاصة في حال قتل أو أصيب مدنيون إسرائيليون.
وقبيل السادسة صباحا، أعلن الجيش الإسرائيلي انتهاء الضربات الجوية على أهداف عسكرية في إيران موضحاً في بيان «الضربة الانتقامية تمت والمهمة أنجِزَت». وأضاف أنه «بناء على معلومات استخبارية، قصفت طائرات سلاح الجو الإسرائيلي منشآت تصنيع صواريخ أنتِجت فيها صواريخ أطلقتها إيران على دولة إسرائيل خلال العام الفائت». وتابع: «في الوقت نفسه، ضرب الجيش الإسرائيلي منظومات صواريخ أرض-جو وقدرات جوية إيرانية إضافية، كانت تهدف إلى تقييد حرية عملية إسرائيل الجوية في إيران».
وقال المتحدث باسم الجيش دانيال هغاري في بيان منفصل: «إذا ارتكب النظام الإيراني خطأ ببدء دورة تصعيد جديدة، سنضطر إلى الرد» مضيفا «رسالتنا واضحة: كل الذين يهدّدون دولة إسرائيل ويحاولون إغراق المنطقة في تصعيد أوسع سيدفعون ثمنا باهظا».
ونفّذت إيران هجومها الأول على إسرائيل، ردّا على غارة إسرائيلية على القنصلية الإيرانية في دمشق قتل فيها قادة وعناصر في الحرس الثوري الإيراني. وجاء الهجوم الثاني ردّا على مقتل الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله ومعه قيادي في الحرس الثوري في غارات إسرائيلية في الضاحية الجنوبية لبيروت في 27 أيلول/سبتمبر إلى جانب اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس اسماعيل هنية في هجوم في طهران في 31 تموز/يوليو.
وقالت قوات الدفاع الجوي الإيرانية في بيان إنّ إسرائيل قامت «بمهاجمة مراكز عسكرية في محافظات طهران وخوزستان (جنوب غرب) وإيلام (غرب)» عند الحدود مع العراق «في خطوة تثير توترا». وأضافت: «بينما تم اعتراض هذا العمل العدواني ومواجهته بنجاح من قبل المنظومة الشاملة للدفاع الجوي، فقد لحقت أضرار محدودة ببعض النقاط، ويجري التحقيق في أبعاد الحادث».
وبعد إعلان الهجوم على إيران، ترأس رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو اجتماعا تقييميا، السبت، ضمّ كبار المسؤولين العسكريين والأمنيين في البلاد، وفق ما ذكر متحدث باسمه.
وقال المتحدث في بيان إنّ الاجتماع الذي عقد في قاعدة كيريا العسكرية في تل أبيب حضره «وزير الدفاع ورئيس أركان الجيش ورئيس الموساد (الاستخبارات الخارجية) ورئيس الشاباك (الاستخبارات الداخلية)».
ونددت وزارة الخارجية الإيرانية بالهجمات الإسرائيلية، إذ قالت في بيان لها، السبت، إن «العدوان الإسرائيلي على منشآت عسكرية» في إيران، يعد انتهاكا للقانون الدولي. وأضافت أن «إيران وكما أكدت عليه مرارا، تمتلك حق الدفاع عن نفسها كما هو منصوص عليه في المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، ضد الأنشطة العدوانية الخارجية».
كما أعربت عن شكرها للدول التي نددت بالهجوم الإسرائيلي وقالت إنها «ستستخدم جميع الإمكانيات في سبيل الدفاع عن شعبها، وأمنها ومصالحها الحيوية».
وفي واشنطن، قال مسؤول أمريكي إن الولايات المتحدة علمت مسبقا بالضربات الإسرائيلية على إيران لكنها غير مشاركة فيها. وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي شون سافيت إن «الضربات الموجهة ضد أهداف عسكرية» تأتي في إطار «الدفاع عن النفس وردا على هجوم إيران بصواريخ بالستية ضد إسرائيل في الأول من تشرين الأول/أكتوبر». وأضاف: «نحث طهران على وقف هجماتها على إسرائيل لإنهاء دوامة القتال من دون مزيد من التصعيد».
وقال مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية إن الرئيس جو بايدن وفريق الأمن القومي في البيت الأبيض عملوا مع «الإسرائيليين في الأسابيع الأخيرة لحثهم على القيام برد محدد الأهداف ومتناسب مع خطر متدن لإلحاق أضرار مدنية».
أما بريطانيا، فحثت طهران، السبت، على عدم الرد على الهجوم، مؤكدة «حق إسرائيل بالدفاع عن النفس».
في المقابل، توالت الإدانات من الدول عربية والإسلامية الهجوم الإسرائيلي، فيما أكد الجيش الأردني، عدم سماحه لأي طائرة عسكرية بعبور أجواء المملكة.
وفي الأسابيع الأخيرة، عملت إيران على احتواء الرد الإسرائيلي عبر جهود دبلوماسية وتحذيرات شبه يومية للاحتلال بأن ردها سيكون شديدا في حال قامت إسرائيل بمهاجمتها. فبينما توعد قائد الحرس الثوري الإيراني حسين سلامي إسرائيل الخميس بضربة «موجعة» كان وزير الخارجية عباس عراقجي منخرطاً في حملة دبلوماسية مكثّفة زار خلالها جميع دول الشرق الأوسط.
بناء على الخطاب الاحتوائي لإيراني عقب الهجمة وتأكيدها على محدودية الأضرار، تبدو «الحلقة مقفلة» علماً أن طهران أكدت مراراً عدم رغبتها في الانخراط بصراع إقليمي في حين أن إسرائيل قد لا تتحمل فتح جبهة إضافية مع تعاظم الكلفة الاقتصادية للحرب التي تشنها على قطاع غزة ولبنان، خاصة في ظل نجاح حزب الله، على ما يبدو، في احتواء الأضرار البنيوية والعسكرية التي عاناها إثر سلسلة هجمات إسرائيلية، منذ نصف أيلول/سبتمبر الماضي. ففي الأيام الأخيرة بدت هجمات الحزب وكأنها تشهد تصعيداً تدريجياً، في حين أن التوغل البري الإسرائيلي في جنوب لبنان لم يسفر عن أي إنجازات تذكر بعد شهر من انطلاقه.