القاهرة ـ «القدس العربي»: سيطر الاحتفال بالمولد النبوي الشريف على اهتمامات الصحف المصرية الصادرة أمس الأربعاء 21 نوفمبر/تشرين الثاني، سواء كلمة الرئيس السيسي أو كلمة شيخ الأزهر أو وزير الأوقاف، وما ظهر فيها من تباينات وخلافات، والاهتمام الواسع بالمناسبة في المقالات والتحقيقات، لدرجة أن مجلة «المصور» خصصت أغلب صفحات عددها لهذه المناسبة.
شيخ الأزهر يشن هجوما ضد منكري السنة ووزير الأوقاف يؤكد حق الدولة في استعادة الأراضي وأوضاع المعلمين تدهورت
ولوحظ أن الصحف أولت اهتماما واسعا أيضا بالدورة الأربعين لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي، الذي بدأ أعماله يوم المولد النبوي الشريف الثلاثاء.
كما واصلت الصحف كذلك الإشارة إلى الشباب والشابات الذين تركوا العمل الحكومي ولجأوا إلى جهاز التنمية للمشروعات الصغيرة، وحصلوا على قروض منه، بدأوا بها مشروعات محدودة، وسرعان ما أصبحت مصانع متوسطة وكبيرة يعمل فيها آلاف العمال. والاهتمام متواصل بمباريات كرة القدم، ونجاح العملية الجراحية التي أجراها محمود الخطيب رئيس مجلس إدارة النادي الأهلي في ألمانيا، ونجاح مخطط الرئيس السيسي في القضاء على مرض «فيروس سي» الكبد الوبائي، والكشف عن أكثر من خمسين مليون مصري لتحديد المرضى منهم بأمراض القلب والضغط والسكري والبدانة والكبد والكلى، وعلاج غير القادرين منهم على نفقة الدولة، وتعاقد الدولة على مشروعات عملاقة للطرق. وإلى ما عندنا.
ونبدأ باحتفالات المولد النبوي الشريف وكلمة الرئيس التي نشرتها «الأهرام» و«المصري اليوم» و«اليوم السابع» وغيرها والتي قال فيها: «إن ديننا الحنيف علمنا أنه لا إكراه في الدين، ليرسخ بذلك قيم التسامح وقبول الآخر، إلا أنه من دواعي الأسف أن يكون من بيننا من لم يستوعب صحيح الدين، وتعاليم نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم فأخطأ الفهم وأساء التفسير وهجر الوسطية والاعتدال، منحرفاً عن تعاليم الشريعة السمحة، ليتبع آراء جامحة ورؤى متطرفة، متجاوزاً بذلك ما جاء في القرآن الكريم وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم من حرمة النفس وقدسية حمايتها وصونها من الأذى والاعتداء، ولمواجهة تلك الظاهرة فعلى كل فرد منا أن يقف بكل صدق أمام مسؤولياته، فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، وتأتي في مقدمة تلك المسؤوليات أمانة الكلمة وواجب تصحيح المفاهيم الخاطئة، وبيان حقيقة ديننا السمح وتفنيد مزاعم من يريدون استغلاله بالباطل بالحجة والبرهان. لا شك أن بناء الإنسان وتنوير العقول وتكوين الشخصية على أسس سليمة يعد المحور الأساسي في أي جهود للتقدم وتنمية المجتمعات، وهو ما وضعته الدولة هدفاً استراتيجياً لها خلال الفترة الحالية، لذا فإنني أدعو علماءنا وأئمتنا ومثقفينا إلى بذل المزيد من الجهد في دورهم التنويري، دعونا نستدعي القيم الفاضلة التي حثّ عليها الإسلام ورسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم والتي تنادي بالعمل والبناء والإتقان لنواجه بها أولئك الذين يدعون إلى التطرف والإرهاب».
أما وزير الأوقاف الدكتور الشيخ محمد مختار جمعة، فقد حرص على إثبات حق الدولة في استعادة الأراضي التي حصل عليها أفراد من وراء الحكومة لزراعتها وادعاء ملكيتهم لها استنادا إلى حديث للرسول صلى الله عليه وسلم من أحيا أرضا مواتا فهي له وقال في كلمته التي نقلتها معظم الجرائد والمواقع المصرية: «إن مراعاة مقتضيات الزمان والمكان والأحوال والعرف والعادة أحد أهم شروط الفتوى والخطاب الديني الرشيد معا. وقد أكد علماؤنا الأوائل على أنهم اجتهدوا لعصرهم في ضوء ظروفهم وأحوالهم، وأن علينا في ما يتصل بالمتغيرات والمستجدات أن نراعي ظروف عصرنا وأحواله، وألا نوصد أبواب الاجتهاد، وأن من أفتى الناس بمجرد المنقول من الكتب على اختلاف أزمنتهم وأمكنتهم وأعرافهم وقرائن أحوالهم، فقد ضل وأضل، وقد عدوا ذلك خلاف الإجماع وجهالة في الدين، كما فرّق العلماء بوضوح بين فقه الجماعة وفقه الدولة، وأفردوا لذلك مباحث وأبوابا فمثلا عندما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من أحيا أرضا مواتا فهي له» مشجعا على استصلاح الأراضي تصرف في ذلك بصفته رئيس دولة وفق مقتضيات عصره، فلا يأتي الآن من يضع يده على مئات أو آلاف الأفدنة ويقول، أحييتها فهي لي وبيني وبينكم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، نقول له إن النبي، تصرف في ذلك بصفته رئيس دولة، فهو من الشأن العام الذي لا يترك أمر التصرف فيه إلى الأفراد بعيدًا عن سلطة الدولة، وعليه فإن الخلط بين ما كان من شؤون العقائد أو العبادات، وما هو من شؤون نظام الدولة وإنزال هذا منزلة ذلك خلل في الفهم وضرب من الجهل».
أما كلمة شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب فكانت موجهة ضد الذين قال عنهم إنهم يشككون في السنة النبوية ورواتها وتكذيبهم، ومن يصفون أنفسهم بالقرآنيين، أي الاعتماد على القرآن فقط لا السنة، وأبرز ما قاله كان نقلا عن جريدة «صوت الأزهر»: «إن هذا النبي العالي القدر العظيم الجاه، الذي يحتفل بمولده قرابة مليار وثلث المليار من أتباعه في مشارق الأرض ومغاربها، له في رقابنا نحن المؤمنين به والمنتفعين بسننه وتعاليمه وتوجيهاته، أكثر من حق وأكثر من واجب، لأنه صلوات الله وسلامه عليه، لم يكن عظيما في باب واحد من أبواب العظمة الإنسانية، يشد الأنظار ويدهش العقول ولكنه كان مجمع العظمة في كل أبوابها التي تستوجب الاحترام والتوقير في كل عصر وكل قبيل من المستحيل في هذه الكلمة المحددة: زمانا ومساحة أن نلم بأي جانب من جوانب العظمة المحمدية المترامية الأطراف والأبعاد، التي اجتمعت لهذا الإنسان الكامل، وإني لأرجو أن يكون لكلمتي متسع في الإشارة إلى أمر قديم متجدد يتعلق بهذه المناسبة الشريفة من قريب أو بعيد، ذلكم الأمر هو: هذه الصيحات التي دأبت على التشكيك في قيمة السنة النبوية وفي ثبوتها وحجيتها والطعن في رواتها: من الصحابة والتابعين، ومن جاء بعدهم والمطالبة باستبعاد السنة جملة وتفصيلا من دائرة التشريع والأحكام، والاعتماد على القرآن الكريم فحسب، في كل ما نأتي وما ندع من عبادات ومعاملات، وما لم نجده منصوصا عليه في القرآن، فإن المسلمين فيه أحرار من قيود التحريم أو الوجوب، وقد ظهرت هذه الدعوة أول ما ظهرت في عصرنا الحديث في الهند، منذ نهاية القرن التاسع عشر وشاركت فيها شخصيات شهيرة هناك، منهم انتهى به الأمر إلى ادعاء النبوة، ومنهم من كان ولاؤه للاستعمار، ومنهم من أداه اجتهادا إلى إنكار الأحاديث النبوية ما كان منها متواترا وما كان غير متواتر، وزعم أن السنة ليست لها أي قيمة تشريعية في الإسلام، وأن القرآن وحده هو مصدر التشريع ولا مصدر سواه، ضاربا عرض الحائط بما أجمع عليه المسلمون من ضرورة بقاء السنة إلى جوار القرآن جنبا إلى جنب، وإلا ضاع ثلاثة أرباع الدين، وضربوا لذلك مثلا: الركن الثاني من أركان الإسلام بعد الشهادتين، وهو الصلاة فمن المعلوم أن الصلاة ثابتة بالقرآن الكريم، لكن لا توجد آية واحدة في طول القرآن وعرضه يتبين منها المسلم كيفية الصلوات الخمس، ولا عدد ركعاتها وسجداتها ولا هيئاتها من أول تكبيرة الإحرام إلى التسليم من التشهد الأخير، وأن هذه التفاصيل لا يمكن تبينها ومعرفتها إلا من السنة النبوية، التي هي المصدر الثاني من مصادر التشريع في الإسلام وحين طولب هذا المنكر لحجية السنة بإقامة الدليل على هيئات الصلاة من القرآن فقط حتى يتبعه المسلمون قال، وهو غارق إلى أذنيه في قياس الإحراج: «إن القرآن لم يأمرنا إلا بإقامة الصلاة، أما كيفية أداء الصلاة فأمر متروك لرئيس الدولة ويحدده بمشورة مستشاريه حسب الزمان والمكان». وفي هذا الاتجاه سار هؤلاء المقربون من أجهزة الاستعمار، فأنكروا آيات الجهاد وأفتوا بحرمة التصدي للمستعمرين، وأنكروا كل ما تنكره الثقافة الغربية، ولو كان دينا. وأثبتوا ما تثبته حتى لو جاء صادما للإسلام وإجماع المسلمين. ثم ما لبثت الفتنة أن انتقلت إلى مصر وتعصب لها طبيب في سجن طرة نشـر مقالتين في مجلة «المنار» عام 1906 و1907 بعنوان: «الإسلام هو القرآن وحده» ولقيت الفكرة دعما من بعض الكتاب المتربصين بالسنة النبوية والمنكرين ثبوتها».
أما جريدة «الدستور، فانفردت بالإشارة إلى الطبيب الذي ذكره شيخ الأزهر والمعارك التي دارت وقتها وكان ذلك عملا مهنيا من الطراز الأول نحييها عليه إذ قالت: «في كلمته خلال الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، الذي أقامته وزارة الأوقاف، أعاد الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف التذكير بمعركة عمرها 112 عامًا بالتمام والكمال. كان الإمام الأكبر يتحدث عن «قيمة السُنة النبوية» المصدر الثاني من مصادر التشريع في الإسلام، فهاجم «الصيحات التي دأبت على التشكيك في قيمة السُنة النبوية وفى ثبوتها» منددًا بـ«المطالبة باستبعاد السُنة من دائرة التشريع والأحكام، والاعتماد على القرآن الكريم وحده في كل ما يأتيه المسلم من عبادات ومعاملات»، جاء الشيخ الطيب على «سيرة القرآنيين» بعنف فذكر، أن «هذه الدعوة بدأت من الهند في بداية القرن العشرين ثم ما لبثت الفتنة أن انتقلت إلى مصر وتعصب لها طبيب في سجن طرة نشر مقالتين في مجلة «المنار» بعنوان «الإسلام هو القرآن وحده» ولقيت فكرته دعمًا من بعض الكتّاب المتربصين بالسُنة النبوية، وهؤلاء على اختلاف أماكنهم وأزمانهم وتباينات أذواقهم يجمعهم قاسم مشترك واحد هو الشك والريبة في رواة الأحاديث» إلى هنا ينتهى حديث الإمام الأكبر، أما القصة وراء حديثه فتستحق أن تروى. في عام 1906 طرح طبيب مصري كان يعمل في سجن طرة، كان مهتمًا بالبحث في مجال الدراسات الدينية، وهو الدكتور محمد توفيق صدقي- فكرته التي تقوم على أن السُنة ليست من أصول الدين، وأن المسلم ملزم باتباع ما جاء به القرآن الكريم فقط، بدون الالتزام بالسُنة النبوية والأحاديث. كانت مجلة «المنار» لصاحبها ومؤسسها المفكر الإسلامي الكبير محمد رشيد رضا هي ساحة المعركة، التي بدأت بمقال نشره الدكتور محمد توفيق بعنوان «الإسلام هو القرآن وحده» وقد نُشر في المجلد التاسع من المجلة مصحوبًا بدعوة من «المنار» لعلماء الأزهر وغيرهم، إلى بيان الحق في هذه المسألة بالدلائل. وقد اكتسبت هذه الدعوة قيمتها مما كتبه الدكتور توفيق في نهاية مقاله «هذه أفكاري في هذه المواضيع أعرضها على عقلاء المسلمين وعلمائهم، وأرجو ممن يعتقد أنني في ضلال أن يرشدني إلى الحق، وإلا كان عند الله آثمًا». كان أن تصدى لدعوة توفيق، الشيخ طه البشري، وهو من علماء الأزهر ونجل الشيخ سليم البشري الذي كان شيخ الجامع الأزهر، رئيس المعاهد العلمية الدينية في مصر في ذلك العهد – فكتب مقالًا تحت عنوان «أصول الإسلام الكتاب السُنة الإجماع القياس» نشر في المجلد التاسع نفسه، ومقالًا آخر عنوانه «الدين والعقل». ثم رد الدكتور توفيق على الشيخ البشري، في رسالة عنوانها «الإسلام هو القرآن وحده- رد لرد» نشر في المجلد التاسع أيضًا، ثم كان أن دخل الشيخ رشيد المعركة بتعليق على رسالة توفيق تحت عنوان «الإسلام هو القرآن والسُنة». اقتنع الدكتور توفيق بخطأ فكرته، فكتب رسالة مختصرة عنوانها «أصول الإسلام – كلمة إنصاف واعتراف» نشرت في المجلد العاشر من مجلة «المنار» صرّح فيها بأنه ارتكب الشطط حيث قال: «أنا أعترف بخطئي هذا على رؤوس الأشهاد، وأستغفر الله مما قلته أو كتبته في ذلك، وأسأله الصيانة عن الوقوع في مثل هذا الخطأ مرة أخرى، وأصرح بأن اعتقادي الذي ظهر لي من هذا البحث بعد طول التفكر والتدبر، هو أن الإسلام هو القرآن وما أجمع عليه السلف والخلف من المسلمين عملًا واعتقادًا أنه دين واجب، وبعبارة أخرى أن أصلي الإسلام اللذين عليهما بني هما الكتاب والسُنة النبوية بمعناها عند السلف».
وبعدها اندلعت نيران الخلافات ففي «الوطن» شن الدكتور خالد منتصر هجوما عنيفا على كلمة شيخ الأزهر تحت عنوان «يا فضيلة الإمام هل محمد عبده والغزالي منكران للسنة؟» قال فيه: «هاجم فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر في كلمته بمناسبة المولد النبوي، منتقدي كتب الأحاديث وحدّدهم قائلاً: «ليسامحني شيخنا الجليل على تساؤلي الساذج وهو: هل الأحاديث هي السُّنة؟ والسؤال الأكثر سذاجة، هل يعني إنكار أحاديث في «البخاري» خروجاً على الدين وهدماً للركن الثاني من الإسلام؟ ولكي نتعلم من فضيلته نتساءل عن موقفه من الشيخ محمد عبده والشيخ الغزالي والشيخ رشيد رضا، الذين رفضوا أحاديث في البخاري، وذلك بعض ما ذكروه كمجرد دلائل أطرحها على فضيلتكم: أولاً: رفض الشيخ الغزالي حديث فقء سيدنا موسى عين ملك الموت حيث كتب في كتابه «السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث» الذي هوجم عليه أقسى هجوم وأُلِّف ضده 14 كتاباً قال الشيخ الجليل: «إن الحديث صحيح السند، لكن متنه يثير الريبة، إذ يفيد بأن موسى يكره الموت ولا يحب لقاء الله، بعد ما انتهى أجله، وهذا المعنى مرفوض. ثانياً: رفض الشيخ الإمام محمد عبده حديث سحر الرسول وقال: «لا يخفى أن تأثير السحر في نفسه يصل به الأمر إلى أن يظن أنه يفعل شيئاً وهو لا يفعله، ليس من قبيل تأثير الأمراض في الأبدان، ولا من قبيل عروض السهو والنسيان في بعض الأمور العادية، بل هو ماس بالعقل آخذ بالروح، وهو مما يصدق قول المشركين فيه: «إن تتبعون إلا رجلاً مسحوراً» وليس المسحور عندهم إلا من خولط في عقله وخُيل له أن شيئاً يقع وهو ما لا يقع فيُخيل إليه أنه يوحَى إليه ولا يوحَى إليه». ثالثاً: رفض الشيخ رشيد رضا حديث الذبابة الشهير التي في جناحها داء والآخر دواء قائلاً: «في مجلته «المنار» المجلد 29 الجزء الأول»: «حديث الذبابة المذكور غريب عن الرأي والتشريع فمن قواعد الشرع العامة أن كل ضار قطعاً فهو محرم قطعاً، وكل ضار ظناً فهو مكروه كراهة تحريمية أو تنزيهية على الأقل» وكان بعض الشيوخ قد كفّروا الدكتور محمد توفيق صدقي حين هاجم هذا الحديث في العشرينيات في المجلة نفسها».
لم يقصد الرئيس في الاحتفال بالمولد النبوي الشريف أن يقول إننا شعب كذاب؟ ولم يقصد أن يشوه صورة مصر إطلاقاً، إنما أراد حسب محمد أمين في «المصري اليوم»، أن يستغل الفرصة في وجود رجال الدين، ويقول: علموا الناس الفضيلة.. وحين قال: كم من المصريين لم يكذب؟ كان يريد أن نكون صادقين، فالرئيس يأتي من خلفية عسكرية انضباطية، ويريد أن يكون الشعب «منضبطاً» وصادقاً فهل نحن شعب يكذب فعلاً؟ وكم من الشعب يكذب؟ أيهما يكذب أكثر الرجل أم المرأة؟ الموظفون أم ستات البيوت؟ من يراوغ ويلاوع أكثر؟ هل نحن شعب فهلوي؟ ما هي طبيعة الشخصية المصرية بالضبط؟ هناك دراسة اجتماعية تقول إن 55٪ من المصريين يحبون الكذب. وزارة التنمية الإدارية هي التي أجرت الاستطلاع، وتوصلت لهذه النتيجة المؤسفة فلم يُذع الرئيس سراً حين تساءل في الاحتفال. بالتأكيد كان يريد البحث عن حل.. كان يوجه اتهاماً لرجال الدين، أنهم لا يقومون بواجباتهم، هذه الخصلة تؤدي إلى تراجع الإنتاج. تؤدي أيضاً إلى التلفيق، وللأسف الدراسات الاجتماعية تؤكد الفكرة. الاستطلاع الحكومي قال إن الرجال يعتادون الكذب أكثر من النساء، ولا يخجلون أن يكذبوا ويرون أنه أمر طبيعي، وتعالوا نتعرف على ملامح الدراسة، تقول الدراسة إن الرجل يكذب نحو 1092 كذبة في الشهر بالمعدّل، في حين أن المرأة المصرية تكذب «فقط» 728 مرة في الشهر.. وليس مفاجئا أن 33٪ من الكذبات تتعلق بالزواج السابق، 30٪ بالشؤون الشخصية، 20٪ بتعاطي السجائر والمخدّرات و17٪ بتنفيذ جرائم ومخالفات قانونية أياً كانت المخالفات طبعاً. وتشير الدراسة إلى أن المصريين مستعدّون للكذب على شركائهم، أطفالهم، أقاربهم، زملائهم في العمل، بل حتى على أصدقائهم المقرّبين.. وتقول إن الآثار الاجتماعية لعدم قول الحقيقة كارثية. وقد سُجّلت في سنة واحدة 13 ألف حالة طلاق في عام 2015، بسبب كذب أحد الزوجين أو كليهما، بالإضافة إلى 1200 حادثة قتل أيضًاً نتيجة للأكاذيب الزوجية المتكررة، ولك أن تتخيل مثلاً أن حجم الخسائر الســــــنوية نتيجة الكـــــذب المتعلق بالتأخر عن العمل، الغياب المتكرر، واختلاس الأموال، أكثر من 55 مليون دولار.. وأظن أن هذا الرقم يمكن أن يتضاعف لو أنه كان على شريحــــة أكبر، فالذين يوقعون في الدفاتر ويغــــادرون العمل مباشرة أكبر بكثير من هذا الرقم. وطبعا يمكن التفرقة بين أكاذيب اجتماعية يومية، وأكاذيب تخص العمل فما قاله الرئيس كان يقصد به تأثير الكذب على الأداء الحكومي، وكان يقصد تراجع معدل النمو، بسبب الهروب من العمل، والفساد، والرشوة.. ولذلك قال «أنا بشوف العجب وأنا بدير الدولة». وفي كل الأحوال لقد فجر الرئيس قضية خطيرة.. «شعوب لا تكذب هي شعوب متقدمة بالضرورة».
وعن الموضوع نفسه كتب سامح فوزي في «الشروق» قائلا: «سلوكياتنا بعيدة عن صحيح الدين في الصدق والأمانة. هذه العبارة وردت في ثنايا كلمة الرئيس عبدالفتاح السيسي، في الاحتفال بذكرى المولد النبوي، وهي تعبير صادق وواقعي عن حال المجتمع المصري الذي أصبح يعاني من فائض في الكذب والادعاء وغياب المهنية، والتبجح في تبرير الأخطاء. ليس هناك سبب واحد يفسر هذه الظاهرة، بل جملة من الأسباب تتعلق بتحولات الحياة في المجتمع، أهمها التغيرات الاقتصادية المتلاحقة على مدى عقود، التي غيرت نفسية الشعب المصري من اقتصاد اشتراكي إلى انفتاح غير منضبط إلى إصلاح اقتصادي، من دولة تدعم كل شيء بحق أو بباطل إلى دولة تريد أن تتخفف من الدعم، وتصبح السلع بسعرها الحقيقي، هذه التقلبات تركت آثارا اجتماعية تمثلت في صعود وهبوط طبقات اجتماعية، خاصة الطبقة الوسطى، وأدت إلى تحول المجتمع نحو ثقافة مادية، تفرضها احتياجات المعيشة، ما يدفع إلى التحايل والكذب، خاصة في ضوء تراجع الفرص الاقتصادية. وقد أدت هذه التحولات إلى تفسخ عرى الأسر تدريجيا، نتيجة انتقال عائلها إلى العمل خارجها، أو دفع الأبناء إلى كسب رزقهم بأنفسهم في مراحل تعليمهم. سبب آخر لا يقل أهمية عن الأول هو التدين الشكلي الذي شاع، وكأنه المبرر للتحولات الاقتصادية، يعطيها الشرعية، وظهور نمط الفاسد المتدين، والتاجر الغاش المتدين، خاصة مع زيادة جرعة استخدام الدين في الحديث، والمظهر، والعلاقات الاجتماعية، وظهر من ينتجون خطابات دينية لصالح فئات اجتماعية صاعدة، تلائمهم، وتشعرهم بالاستقرار، وتوجد مسوغات لبعض السلوكيات الخاطئة، ولا أحد ينكر أن الحركة الإسلامية، وما رافقها من مظاهر مماثلة مشوهة على الجانب القبطى، كان لها دور في إضفاء الشكل ــ دون المضمون ــ على التدين، ولعل ظهور العديد من الكتابات في الفترة الأخيرة التي تتحدث عن القيم، وأهمية العودة إلى ممارسات التدين الصحيح يثبت أن الجرعة الدينية الشكلية التي غزت المجتمع المصري منذ سبعينيات القرن الماضي شكلت استثمارا خاطئا في رأس المال الديني، وحان الآن الوقت لاستثمار صحيح فيه على نحو يقدم الدين بوصفه تحررا من الاستغلال، وبناء الانسان، والتأكيد على قيم الصدق والثقة والأخلاق، ومكافحة جميع صور الاتجار في البشر، ونهب المال العام، والاعتداء على حقوق المواطنين، والافتئات على الدولة نفسها مما نراه في العديد من الممارسات الخاطئة التي نراها حولنا. الإشكالية الحقيقية أن هذا المجتمع لابد أن يعترف أنه بحاجة إلى ثورة أخلاقية حقيقية، يعززها خطاب ديني يركز على الجوهر دون الشكل، وممارسات تربوية وتعليمية تذكى الشعور بالضمير».
وإلى الحكومة والبشرى التي زفها وزير التموين والتجارة الداخلية الدكتور علي المصيلحي بان أسعار البطاطس ستشهد بعد أيام انخفاضا كبيرا بعد طرح المحصول الجديد في الأسواق لكن الرسام عبد الله أخبرنا أنه كان في زيارة قريب له من البؤساء فسمع زوجته تقول له: الظاهر مش مكتوبلنا نعمل صينية الفراخ بالبطاطس، نجيب البطاطس الفراخ تغلى، نجيب الفراخ البطاطس تغلى.
أما الدكتور سامح العلايلي العميد السابق واستاذ التخطيط العمراني في جامعة القاهرة فقد شن أعنف هجوم ضد سياسة النظام الاقتصادية واتهمها بالفشل وقال في «الشروق»: «تتردد منذ حين وبازدياد مُطرد أنباء عن حدوث نهضة اقتصادية لافتة للأنظار، جار بناؤها في مصر من خلال مشروعات كُبرى وقرارات جريئة، تدعم ذلك إشادة مؤسسات دولية دائنة لمصر، كما يتبنى الترويج المكثف لما يحدث جوقة هائلة من إعلاميين ومؤسسات إعلامية تابعة محلية وأحيانا أجنبية موالية بتنوعها وتشعبها، لكن السؤال المُحير هنا هو أنه إذا كانت هناك بالفعل نهضة اقتصادية حقيقية طبقا لما يجب أن نسعى إليه وما نتمناه جميعا، ألم يكن من البديهي أن يكون ذلك قد انعكس إيجابا على حجم التضخم وقيمة العملة المحلية والقوة الشرائية للمواطنين وحجم الديون المستحقة على الخزانة العامة داخليا وخارجيا أليس كذلك؟ إلا أن الشواهد والبيانات المتداولة تُؤكد العكس تماما، حيث أن هناك تراجعا متواصلا في الجوانب الأربعة المذكورة لا تُخطئه العين والبصيرة، إذن أين هي الحقيقة؟ ولماذا هذا التعارض فيما يُروج له وما يحدث على أرض الواقع؟ إن جهات الاختصاص وتوابعها في الإعلام إضافة إلى الأطراف الخارجية تُمثل جانب الفاعل الحقيقي لما يحدث، لأنها في مجموعها ذات توجه واحد لذلك فإنه من البديهي ألا تكون هي الطرف المناسب للحُكم على ما يحدث، كما أن الأفكار والمبادرات والسياسات والخطط والأبحاث التي تُعد في غُرف مغلقة ويُعلن عنها فجأة، بدون إحاطة أو مشاركة المجتمع بدراسات جدواها لا تخرج عن كونها اجتهادات بشرية تحتمل الصواب كما تحتمل الخطأ، إلا أنه يبدو أن متخذي القرار ليس لديهم رغبة في اتباع مثل هذا المنهج، فهم يُفضلون انفرادهم بالقرار لأن ذلك يُتيح لهم حُرية الحركة لاتخاذ ما يعتقدون أنه في الصالح العام من قرارات، بدون إزعاج أو انتقادات من أطراف خارج منظومة الحكم، بذلك هم وضعوا أنفسهم في موقع الحَكَم على تصرفاتهم وليس لأحد أيا من كان إمكانية إبداء رأي موضوعي بدون تحيز يُمكن أن يُصحح الأمور أو يُعالج قصور هنا أو هناك. من جهة أخرى فإن الإشادات الدولية يجب أن تُوضع في مكانها الصحيح، فهناك دول لديها مصالح مع مصر وتفضل الحفاظ عليها بالتماشي مع التيار السائد، بغض النظر عن أي اعتبار آخر، لذلك فإن الإشادة لن تُكلفها شيئا، بل على العكس فإن ذلك يضعها في مرتبة غير المغضوب عليهم وبما يدر عليهم فوائد ومميزات في التعامل».
أزمة التعليم في مصر أزمة عميقة، والتعامل معه على أنه مصلحة حكومية تتطلب قرارات فجائية وغير مدروسة أمر يعقد أزمته كل يوم. ما قاله وزير التعليم عن أن المجانية ظلم اجتماعي، كلام كالعادة غير دقيق، لأن الظلم الاجتماعي، في رأي عمرو الشوبكي في «المصري اليوم»، هو أن يُمنع طالب متفوق من الاستمرار في الدراسة لأنه غير قادر على تسديد المصاريف، في حين أن المطلوب هو بناء نظام تعليمي حديث، ثم نبحث بعد ذلك عن الإجابة عن سؤال: هل الدولة قادرة على الإنفاق على التعليم لا اختزال مشاكله بسطحية شديدة في المجانية؟ يقينا، في العالم المتقدم هناك نموذجان (كلاهما ناجح ومتقدم) في قضية الإنفاق على التعليم: الأول مجاني مثل فرنسا وألمانيا، في الأولى تعلمت من الماجستير حتى الدكتوراه بالمجاني، أي بمصروفات رمزية مثل ما يدفعه الطالب الفرنسي، وحصلت على المميزات والخدمات نفسها، وهناك النموذج الأنكلوساكسوني في بريطانيا وأمريكا، حيث التعليم بنفقات، وهنا يتّبع نظام منح للطلاب غير القادرين، بحيث يستحيل أن يُمنع طالب من استكمال دراسته، بسبب عدم مقدرته على دفع المصروفات. إذن تحميل المجانية مسؤولية فشل النظام التعليمي هو فشل مكتمل الأركان، فالمطلوب أولا أن يكون هناك تعليم، وإذا ثبت أن الدولة غير قادرة على الإنفاق على التعليم، خاصة الجامعي، فعليها أن تبدأ بمطالبة الطلاب القادرين بدفع مصروفات معقولة لتعليمهم (لا تُقارن بما يدفعه طلاب الجامعة الأمريكية مثلا)، ويستثنى منها الطلاب غير القادرين. فالمطلوب تطوير منظومة التعليم، لا استهداف المجتهدين من غير القادرين، وكأنهم أعداء للوزارة والدولة. يقينا، تحتاج مصر إلى ثورة في منظومة التعليم ومناهجه، ومراجعة شعار المجانية الذي أفرز طلابا لا يتعلمون الكثير في المدارس الحكومية، وغير قادرين على منافسة خريجي المدارس الأجنبية في سوق العمل، وفي الوقت نفسه ينفقون أموالا على الدروس الخصوصية، ومع ذلك نسميه التعليم المجاني. مشاكل التعليم كثيرة، وتركناها حتى وصلت لمنحنى خطر، وأهمها وضع التعليم الحكومي والمدارس الحكومية (لم يتطور)، ومناهج التعليم (تطورت جزئيا)، وأوضاع المعلمين (تدهورت). على الدولة ووزيرها، الذي لا يُصلح التعليم، التركيز على تطوير مناهج التعليم والمعلم بدلا من اعتبار التابلت هو رمز التقدم، والتوقف عن استهداف بعض المدارس الخاصة ثم البحث بعد ذلك عن نفقات تطوير التعليم، بما فيها دفع القادرين على المساهمة في مصروفات التعليم بضوابط وبشرط ألا تمس الطلاب المجتهدين من غير القادرين. أصلحوا منظومة التعليم، وضعوا خطة جديدة لتطويره بعيدا عن الشعارات المكررة التي تختزل مشاكل التعليم في المجانية، فالتعليم يجب أن يكون عنوان تقدمنا لا دليل أزماتنا».
أما في «الأهرام» فقد تناول الدكتور عمرو عبد السميع ظاهرة انحطاط مستوى الإعلاميين وما تقدمه وسائل الإعلام، بدون أن يشير صراحة لتدخل الدولة، بدون مبرر لشراء قنوات عديدة وإنشاء أخرى تكبدت فيها خسائر بمليارات الجنيهات وقال: «صار الإعلام ساحة واسعة يتمرغ فيها وبالذات في السنوات التي أعقبت عملية يناير/كانون الثاني عام 2011، جماعات من الجهلاء والمغرضين وينتجون رسائل اتصالية متواضعة جدا من حيث الشكل والمضمون، وهبطوا على نحو مزر للغاية بمستويات الحوار عند المحاورين والمتحاورين ونشطت في هذا الفراغ مجموعة من «الإعلاميين بقرار» الذين اندمجوا في صناعة نخبة إعلامية وصحافية جديدة باستسهال شديد وعلى طريقة تكوين عصابات الأرياف ولا بأس أن يكون هدفنا هو صناعة نخبة جديدة ولكن كيف؟ أولا لا يمكن «منطقيا وعمليا» أن يتم ذلك بإبادة كل كبار الصحافيين والإعلاميين وإحلال شباب «كتاكيت» محلهم، ولا يمكن أن يجري ذلك ومستوى التعليم الإعلامي والتدريب المهني منخفض إلى الحد الذي نراه الآن، وغير معقول أن نخضع لطريقة التناطح وحفلات الردح في إدارة تصميم الرسائل الإعلامية ومن غير المقبول أن تسود الشللية في تشكيل الجماعات الإعلامية والصحافية».