غزة- “القدس العربي”:
نام سكان غزة ليلة اليوم السادس للهدنة المؤقتة، وأفاقوا مبكرا صبيحة الخميس، وهم قلقون بشأن مصير الأوضاع الميدانية، وإمكانية استئناف جيش الاحتلال الحرب الدامية ضدهم، بعد أن بقيت الأمور الخاصة بتمديد الهدنة متعثرة حتى قبل خمس دقائق من انتهاء مدة وقف القتال.
مع حلول مساء يوم الأربعاء، راقب سكان غزة باهتمام كبير الأخبار، سعيا لسماع أنباء جديدة عن تمديد الهدنة الإنسانية، على غرار ما حصل قبل يومين، حين انتهت مدة الهدنة الأولى وجرى تميديها ليومين إضافيين.
وكان السكان يتوقعون أن يجري الإعلان ليل الأربعاء عن تمديد جديد للهدنة، في ظل مباحثات واتصالات يجريها الوسطاء القطريون والمصريون والأمريكيون، خاصة وأن لقاء عقد بين مسؤولين من هذه الدول لبحث سبل إنهاء الحرب.
وظل الحديث الأكثر بين السكان في غزة هو مصير الهدنة، وإمكانية تجديدها لعدة أيام تكون أكبر مما كانت عليه خلال الأيام الماضية، وتؤسس لمرحلة جديدة، تبعدهم عن شبح استئناف الحرب من جديد.
وجرى تداول أخبار غير صحيحة بين السكان، قبل حلول ليل الأربعاء، من بينها الاتفاق على تمديد الهدنة لثلاثة أيام، يُسمح فيها بعودة سكان غزة والشمال النازحين إلى مناطق سكنهم.
ولاحظت “القدس العربي” أن هذه الأخبار جرى تداولها على نطاق واسع في الطرق والأسواق والمواصلات العامة، حتى أن حركة السكان بقيت نشطة بعد حلول الظلام في الشوارع، وهو أمر لم يكن فترة الحرب، حيث كانت الحركة تتوقف تماما، وذلك في ظل توقعاتهم أيضا بأن الأمر سيتم على غرار ما جرى مؤخرا من التوصل إلى هدنة لأربعة أيام ومن ثم تمديدها ليومين.
لكن خابت توقعات السكان الذين ناموا ليلة الأربعاء قلقين، لعدم ورود أنباء حول التمديد، وقد أفاقوا فجر الخميس، وزاد توترهم أكثر، بعد أن بثت على مواقع الأخبار وشبكات التواصل الاجتماعي، أنباء عن صعوبة المفاوضات في الساعات الأخيرة، وشروع جيش الاحتلال والمقاومة في الاستعداد لجولة جديدة من القتال.
وقد أكد هذا القلق، ما صدر من تصريحات عن حركة حماس ودولة الاحتلال، فقد أعلنت الأولى في بيان رسمي أن الاحتلال رفض تسلم سبعة من المحتجزين من النساء والأطفال (الخميس) وجثامين ثلاثة من ذات الفئة ممن قُتلوا بسبب القصف على غزة.
وقالت إنها اقترحت في مقابل تمديد الهدنة الإنسانية المؤقتة نفس متطلبات الأيام الست الماضية “وذلك رغم التأكيد عبر الوسطاء أن هذا العدد هو كل ما توصلت له الحركة من المحتجزين من نفس الفئة التي جرى حولها الاتفاق”.
في المقابل، أعلنت دولة الاحتلال أن حماس اقترحت عبر وسطاء، إطلاق سراح أقل من 10 محتجزين، أو إطلاق سراح مجتجزين ليسوا من النساء والأطفال.
ونقلت تقارير عبرية عن مسؤولين إسرائيليين قولهم إنه إذا لم تقدم حماس قائمة تضم 10 نساء وأطفال بحلول الساعة السابعة صباحا بالتوقيت المحلي، فسوف يستأنف القتال.
وترافق ذلك مع إعلان المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي، أن رئيس الأركان صادق على خطط عملياتية لاستمرار الحرب على غزة.
وقد سبق ذلك، أن أعلنت الإذاعة العبرية العامة، انتهاء اجتماع مجلس الحرب الإسرائيلي، دون أن يجري أي اتفاق على قائمة المفرج عنهم ليوم الخميس.
ونقلت الإذاعة عن مسئولين إسرائيليين تهديدات جديدة باستئناف القتال في الصباح (الخميس) إذا لم تقدم حماس قائمة أخرى مستوفية للشروط الإسرائيلية.
وقد أعلنت أيضا أن الحكومة الإسرائيلية “غير راضية” عن قائمة المحتجزين التي سلمتها حركة حماس.
وكان من بين التصريحات التوتيرية أيضا، ما أدلى به رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، حين قال: “في بداية الحرب حددت ثلاثة أهداف: القضاء على حماس، وعودة جميع المختطفين لدينا، والتأكد من أن غزة لن تشكل مرة أخرى تهديدا لإسرائيل”.
وأضاف: “هذه الأهداف الثلاثة تبقى كما هي”، وتابع: “لقد حققنا في الأسبوع الماضي إنجازاً عظيماً للغاية، ألا وهو عودة العشرات من المختطفين.. قبل أسبوع كان الأمر يبدو خياليا، لكننا حققناه”.
ومضى يقول: “في الأيام الأخيرة أسمع سؤالاً: هل ستعود إسرائيل إلى القتال بعد استنفاد مرحلة إعادة المختطفين؟ لذا فإن إجابتي لا لبس فيها.. نعم”.
هذا وقد زادت المخاوف أكثر بشأن إمكانية استئناف الحرب، مع حديث الإدارة الأمريكية أيضا عن إمكانية استئناف القتال من جديد، حيث نقل عن مسؤولين أمريكيين، قولهم إنهم بحثوا مع الإسرائيليين “كيفية حماية المدنيين في جنوب قطاع غزة بعد انتهاء الهدنة”، ما كان يشير إلى إمكانية استئناف القتال والحرب.
ولذلك، طلبت كتائب القسام من قواتها العاملة في الميدان، البقاء على “جاهزية قتالية” عالية في الساعات الأخيرة من الهدنة، تحسباً لتجدد القتال والبقاء على ذلك ما لم يصدر بيان رسمي يؤكد تمديد الهدنة.
وبموجب اتفاقيات الهدن المؤقتة، كان موعد انتهاء الأخيرة منها، يوم الخميس عند الساعة السابعة صباحا، وزاد قلق السكان في غزة، مع مرور عقارب الساعة سريعا، معتقدين أن أوضاعهم تتجه صوب جولة جديدة من الحرب، تستأنف فيها قوات الاحتلال الغارات الدامية، وتقوم فيها قواتها البرية المتوغلة داخل حدود مدينة غزة والشمال، بأعمال عسكرية أخرى توقع مئات الضحايا يوميا.
وظل الوضع حتى قبل خمس دقائق من الوصول للوقت المحدد، لتعلن كل من حركة حماس ودولة الاحتلال، التوصل إلى اتفاق جديد للهدنة يستمر يوما آخر، أي حتى صبيحة الجمعة.
الجدير ذكره أن السكان في غزة شعروا بالراحة من أهوال الحرب خلال فترة الهدن، وظهر ذلك في تنقلاتهم وزيارتهم للأقارب وكذلك في حركة الأسواق.
وقابلت “القدس العربي” العديد من السكان، الذين عبّروا عن أملهم في سماع أخبار عن نهاية كاملة للحرب، لا تعود فيها آلة الحرب الإسرائيلية للقتل والتدمير.
وقال محمود صالحة من وسط القطاع، إنه وأسرته كباقي سكان غزة، عاشوا أياما مريرة بسبب الحرب، لافتا إلى أنهم كغيرهم سمعوا أصوات الغارات التي ضربت أماكن قريبة من سكنه، وتسببت في أضرار مادية. ويؤكد هذا الرجل أن تحطيم نوافذ منزله بسبب غارات قريبة، أصاب أطفاله بنزلات برد خلال المنخفض الجوي السابق.
وقد تفشت نزلات البرد كثيرا بين سكان القطاع، خاصة في صفوف النازحين بمراكز الإيواء التي تفتقر لكل مقومات الحياة.
ويشير هذا الرجل إلى أنه كان يوميا يخشى من موته وأسرته بسبب الغارات الجوية التي كانت تأتي على أحياء سكنية كاملة، لافتا إلى أن أطفاله من شدة الخوف، كانوا يتحدثون عن الحرب حتى في أيام الهدن.
كما عبّر رجل مسنّ يقطن وأسرته المكونة من أبنائه وزوجاتهم وأبنائهم في أحد مراكز الإيواء، عن أمله في انتهاء الحرب قريبا، والعودة إلى مسكنه في مدينة غزة.
ويؤكد هذا المسن ويدعى أبو أحمد، ويقيم حاليا في مركز إيواء شرق مخيم النصيرات، أنه ينتظر التوصل إلى وقف لإطلاق النار وهدنة تفتح فيها قوات الاحتلال طريق العودة إلى مدينة غزة.
ورغم تمديد الهدنة ليوم واحد، إلا أن هذا الرجل الذي يتابع الأخبار كثيرا من خلال المذياع، قال لـ”القدس العربي” إنه يخشى من عودة الحرب مجددا، بعد سماعه تهديدات أطلقها مسؤولون إسرائيليون.
ولم تتغير الأوضاع الإنسانية حتى فترة الهدن، حيث يواجه السكان صعوبات بالغة في الحصول على الطعام، بما في ذلك المواد الغذائية الأساسية، والتي نفدت من الأسواق، ولم يجر إدخالها إلا عبر المساعدات الإنسانية والتي تدخل بكميات لا تناسب احتياجات السكان.
كما يواجه سكان غزة صعوبات في الحصول على الماء المخصص للشرب، والمياه المخصصة لاستخدامات أخرى، وفي الحصول أيضا على غاز الطهي، إذ لا زال الغالبية العظمى من السكان، يحضّرون طعامهم على مواقد الحطب.