احتل خبر علمي، في الاسبوع الماضي الموقع الثاني بعد « البريكست» في اجهزة الاعلام البريطانية. وتناول خبر ثان موضوعا مماثلا ولكن في أمريكا. وللخبرين علاقة وثيقة بالعراق والدول المحيطة به. تناول الخبر الأول نتائج الابحاث التي أجرتها جامعة « سنترال لانكشاير»، ببريطانيا، على مقربة من «غرينفيل تاور»، بلندن، الذي تعرض لحريق هائل أودى بحياة 72 من سكانه في حزيران/يونيو 2017.
أجريت الابحاث بعد ان اشتكى عدد من السكان المقيمين على مقربة من المبنى من مشاكل صحية تراوح أعراضها بين السعال المصحوب بالدم والامراض الجلدية وصعوبة التنفس. بعد مرور ستة أشهر على الحريق، تم تجميع عينات من التربة، فتبين إن مستويات المواد الكيميائية السامة التي أطلقها الحريق عالية وأن كثيرا منها سامة بشكل حاد أو مزمن، مما سيزيد من احتمال الاصابة بأمراض الربو والسرطان. وحين قام فريق من جامعة كاليفورنيا، في لوس أنجلوس، بتحليل عينات من التربة والحطام مأخوذة من ستة مواقع على بعد 1.2 كم من المبنى، كشفت الدراسة عن «تلوث بيئي كبير» في المنطقة المحيطة، بما في ذلك الرواسب الزيتية التي جمعت بعد 17 شهرًا. بناءً على مستوى المواد الكيميائية التي تم اكتشافها، خلص العلماء إلى زيادة خطر حدوث عدد من المشكلات الصحية لتلك الموجودة في المنطقة. وأوصوا باجراء فحص صحي، طويل الأجل، لتقييم أي آثار صحية ضارة للحريق وما أفرزه من مواد، على المدى البعيد، على السكان المحليين وحتى فرق الانقاذ وعمال التنظيف.
أما الخبر الثاني فمفاده تبنى الكونغرس الأمريكي مطالبات الجنود بالتعويضات المادية والرعاية الصحية، وهم الذين قاتلوا بالعراق وأفغانستان واصيبوا بالامراض جراء التلوث الناتج عن حرق النفايات في القواعد الأمريكية. وصفت السناتور آمي كلوبوشار، من الحزب الديمقراطي، حرق النفايات قائلة «هذا هو عامل جيلنا البرتقالي»، في إشارة إلى مبيد الأعشاب السام الذي رشته أمريكا على غابات فيتنام بين 1955 و 1975، للقضاء على المقاومة الفيتنامية، وأصاب رذاذه الجنود الأمريكيين ايضا، مسببا لهم أمراضا مستعصية.
لهذين الخبرين، علاقة وثيقة بالتلوث البيئي الهائل، المسكوت عنه رسميا، الذي يعيش في ظله المواطن العراقي. وقد يصلحان، بالاضافة الى ما هو متوفر من بحوث عراقية ودولية، كنقطة انطلاق لمحاكمة الدول التي استخدمت أنواع الاسلحة (وبعضها محرم دوليا) وما نتج عنها من تفجيرات واطلاق لملوثات سامة على مدى عقود بدءا منذ التسعينيات. ان ما توصل اليه العلماء من تأثير السموم الكيمياوية على السكان المقيمين على مبعدة كيلومترات من غرينفيل تاور نتيجة حريق تم حصره بشكل سريع بالمبنى نفسه ولم يمتد الى أماكن أخرى (وهذا ما يجب ان يكون حرصا على حياة المواطنين)، يشكل مقارنة مرعبة بما تعرض له العراقيون، في عديد الأماكن والمدن، على مدى عقود وليس أياما.
إن السموم الموجودة في الدخان الناتجة عن حرق النفايات في المنشآت العسكرية الأمريكية في العراق، يمكن أن تلعب دورًا مهمًا في التسبب في سرطان قدامى المحاربين». وإن «نسبة الإصابة بالسرطان الأعلى بكثير تأتي من العراق الآن ومن أفغانستان أكثر من الحروب الأخرى
تشكل أصناف الاسلحة ونوعية القنابل والمواد الكيميائية التي تم استخدامها ضد العراقيين، من قبل قوات التحالف بقيادة أمريكا وبريطانيا، قائمة لا تساويها بطولها غير قائمة الامراض التي تغزو أجسادهم، وتتجذر في حالة النساء الحوامل وصولا الى الأجنة حيث أثبتت البحوث المستقلة قدرتها على التغيير الجيني.
من بين الأسلحة التي تم استخدامها، بالاضافة الى التجريبية، اليورانيوم المنضب، القنابل العنقودية والنيوترنية والحرارية، الفسفور الابيض (نوعه المحرم)، النابالم، وبحدود 19 ألف قنبلة « ذكية» و حوالي 9 آلاف «غبية». هذا جزء بسيط مما رصدته. د سعاد ناجي العزاوي، الاستاذ المشارك في الهندسة البيئية، في بحوثها وأوراقها العلمية العديدة. ومن أهم هذه البحوث 12 بحثا، حول التلوث الإشعاعي باليورانيوم المنضب في العراق، بعد حرب الخليج الأولى، واختيار أفضل المواقع لردم والتخلص من النفايات الصناعية والمشعة. توصلت في آخر ورقة علمية لها، بعنوان «نمذجة انتقال ملوثات اليورانيوم المنضب جنوب العراق»، الى استنتاجات مهمة من بينها ان التربة الملوثة بتركيز عال ومتوسط هي مصدر مستمر لانبعاث غاز الرادون الذي يستنشقه المواطنون بشكل مستمر. وان المناطق الملوثة بأكاسيد ونويدات انحلال اليورانيوم المنضّب بتراكيز عالية تعتبر مصادر تلوث مستمرة لأنها تصبح عالقة في الجو مع كل عاصفة رملية في المنطقة، مما يعرض السكان والبيئة الاحيائية لجرعات اشعاعية اضافية ترفع من مستويات معاملات الخطورة، للاصابة بالأمراض الناجمة عن مثل هذا النوع من التلوث.
واذا كان ما أطلقه حريق «غرينفيل تاور» من سموم، قد سبب أعراضا مرضية للسكان وهو مبنى واحد، فماذا عن قصف المدن (الفلوجة والموصل مثلا) و حرق قوات الاحتلال لمخلفاتها في حفر مكشوفة في 52 قاعدة عسكرية (بضمنها كردستان وكربلاء)؟ لم يعر المحتل اية اهمية للسموم التي نثرها الى ان ظهرت نتائجها على قواته. وكان لوفاة ابن جو بايدن، نائب الرئيس الأمريكي السابق، الذي كان ضمن قوات الاحتلال بالعراق، واصيب فيما بعد بسرطان دماغ من النوع النادر، تأثير اعلام، خاصة حين قال جو بايدن في مقابلة تلفزيونية مع «بي بي أس نيوز أوار» الأمريكية، بانه يعتقد «أن السموم الموجودة في الدخان الناتجة عن حرق النفايات في المنشآت العسكرية الأمريكية في العراق، يمكن أن تلعب دورًا مهمًا في التسبب في سرطان قدامى المحاربين». وان «نسبة الإصابة بالسرطان الأعلى بكثير تأتي من العراق الآن ومن أفغانستان أكثر من الحروب الأخرى».
ومن يزور الموقع الحكومي للمحاربين القدامى الأمريكيين، سيجد معلومات مخيفة عن نوعية النفايات التي يحرقها المقاولون والجيش في حفر مفتوحة. من ضمنها: «المواد الكيميائية والطلاء والنفايات الطبية والبشرية وصناديق المعادن / الألومنيوم والذخائر وغيرها من الذخائر غير المنفجرة ومنتجات البترول ومواد التشحيم والبلاستيك والمطاط والخشب والأغذية الفاسدة. ويضاف الوقود النفاث كمعجل»، ويعتمد مدى انتشار الدخان على مواقع الحرق والرياح السائدة.
في أواخر صيف 2008، تم حرق 147 طنا من النفايات في اليوم، في قاعدة بلد لوحدها. وحسب الموقع الحكومي الأمريكي ان السموم المتصاعدة من الحرق تؤثر على الجلد والعينين والجهاز التنفسي والقلب والأوعية الدموية والجهاز الهضمي والأعضاء الداخلية. وفي نوفمبر 2018 نشرت قناة « فوكس نيوز»، نتيجة دراسة علمية، عنوانها «قدامى المحاربين يعانون من وفيات عالية بسبب السرطان نتيجة التعرض لحرق النفايات في الهواء الطلق»، أعدها باحثون في جامعة أوغوستا في جورجيا، خلصت الدراسة الى ازدياد احتمال وتطور سرطانات خطيرة وأمراض أخرى.
مقابل ذلك، ماذا عن ضحايا السموم والتلوث من العراقيين؟ هناك تعتيم حكومي شامل يتغذى على الفساد الأمريكي – العراقي المشترك، ويبقى الأمل الوحيد، حاليا، هو بعض المبادرات الفردية المعنية بتجميع المعلومات ونتائج البحوث واعداد الملفات لمقاضاة المسؤولين، على أمل النجاح، كما في فيتنام، مستقبلا.
كاتبة من العراق
*فعلا (إللي متغط بأمريكا..عريان)..؟!
سياسة أمريكا (الخارجية) ملوثة
ومشبعة بالسموم والحكيم من
يتجنبها ويبتعد عنها..
انهم بكل بساطة اعداء البشرية والكرة الارضية .