هكذا أقنعت واشنطن تل أبيب بعدم ضرب منشآت النفط في إيران

حجم الخط
0

بالفارسية: “أن أغتسمد أهمدانا أست”، هذه ترجمة لعبارة “إنه الاقتصاد، يا غبي” التي حفرت في الذاكرة من انتخابات 1992 في الولايات المتحدة، والتي فاز فيها بل كلينتون. في السياق الحالي للمواجهة مع طهران، يدور الحديث عن السلاح الاقتصادي الذي يمكن من خلاله إلحاق ضرر شديد بل وربما إسقاط رأس الأفعى، النظام الإرهابي – الإسلامي في إيران.

 ثمة افتراض أن تنتهي الحرب في لبنان باتفاق يشبه 1701، إضافة إلى تعزيزات دولية وتواجد إسرائيلي طفيف. بعد تصفية السنوار، قصر الطريق إلى التسوية في قطاع غزة، لكن كل الاتفاقات ستكون في فترة محدودة فقط، لأن إيران ستبقى من خلف معظم منظمات الإرهاب في الشرق الأوسط. إسقاط النظام هناك هدف استراتيجي لإسرائيل والعالم الحر، والطريق إلى الهدف يمر عبر خنق الاقتصاد المحلي في الدولة.

 منذ سنين وأنا أتابع معطيات الاقتصاد والتجارة التي تأثيرها على إسرائيل وعلى الشرق الأوسط هائل ويبشر بالمستقبل الذي سيتحقق. هذه المعطيات تتعلق بتصدير النفط الإيراني، الذي تؤثر مداخيله بشكل مباشر وفوري على تقوية أو ضعف قوى الإرهاب في المنطقة. وعقوبات العالم على إيران بسبب برنامجها النووي قللت التحويلات المالية لحزب الله في النصف الثاني من العقد الماضي. بعد الاتفاق النووي، وتحرير الأموال وإزالة بعض من العقوبات، ارتفعت مداخيل إيران من النفط إلى نحو 50 مليار دولار في السنة، وبما يتناسب مع ذلك – منذ 2016 تعاظمت قوة منظمات الإرهاب التي تعتمد عليها: حزب الله، والميليشيات في العراق، والحوثيين في اليمن، وكذا المنظمات الإسلامية الفلسطينية.

انعطافة استثنائية

 بعد خروج ترامب من الاتفاق النووي وتشديد العقوبات، وجدت إيران صعوبة في مواصلة تمويل برامجها العسكرية ومنظمات الوكالة، لكن صعود الديمقراطيين إلى الحكم في الولايات المتحدة في 2020 جلب معه تخفيفاً كبيراً في العقوبات. وصلت مبيعات النفط الإيرانية هذه السنة إلى مستويات قصوى، بوتيرة نحو 50 مليار دولار، والصين هي الزبون الأساس وشبه الحصري، التي تتمتع بأسعار زهيدة على نحو خاص. هنا في “إسرائيل اليوم” بلغنا عن ذلك، غير أن انعطافة استثنائية وقعت في الشهر الأخير.

 وزارة المالية الأمريكية أعلنت عن سلسلة عقوبات جديدة على اقتصاد النفط الإيراني، فيما كان التركيز هذه المرة على شركات النقل البحري للنفط التي تساعد إيران على تجاوز العقوبات. ويتم التجاوز من خلال نقل النفط في قلب البحر من ناقلات إيرانية تخضع للملاحقة والعقوبات إلى ناقلات “شرعية” تعود للشركات الدولية هذه، وهكذا يبيض الذهب الأسود الإيراني.

 إن إنفاذ العقوبات السابقة، والعقوبات الجديدة التي تسببت شركات النقل البحري ومنها شركة روسية وشركات من الشرق الأقصى، بوقف شبه فوري لنقل النفط بهذه الطريقة إلى الصين. في السطر الأخير، حسب تقديرات منظمات تتابع التجارة العالمية للنفط، انخفض التصدير الإيراني إلى الصين بنحو 4 مليار دولار في آب إلى نحو 1.5 مليار دولار في أيلول، وثمة تقدير بأنه سينخفض إلى دون المليار في أكتوبر. بمعنى، خسارة مداخيل بنحو 40 مليار دولار على الأقل بتعابير سنوية على الاقتصاد الإيراني. والمعنى هائل؛ فإذا ما استمر هذا الميل فإيران كفيلة بتقليص دعمها لمنظمات الإرهاب الإقليمية، ومن شأنها أن تنهار اقتصادياً.

 حسب مصادر إسرائيلية وأمريكية، فإن هذه الخطوة الاقتصادية، بما فيها إنفاذ العقوبات التي تشددت مؤخراً، تمت بالتنسيق مع إسرائيل. وقد عرضت المعطيات في المداولات مع “القدس” [تل أبيب]، فيما أن الأمريكيين ينقلون رسالة تفيد بأنه لا داعي للهجوم على منشآت النفط. وثمة توجهات من دول خليجية وعلى رأسها السعودية، انضمت إلى رؤية الأمريكيين بالامتناع عن الهجوم على منشآت النفط الإيرانية بسبب الخوف من ضربة إيرانية لمثل هذه المنشآت في دول الخليج. وإسرائيل، بقدر ما هو معروف، استجابت.

 ولكن بالتوازي، وبشكل متضارب، نقلت الولايات المتحدة رسائل لإيران عن مبادرتها لاستئناف المفاوضات على اتفاق نووي متجدد. فالسياسة التي بدأت في عهد أوباما، وبموجبها يمكن “تقريب” إيران من الغرب ومنع تحولها إلى قوة عظمى نووية بوسائل دبلوماسية، استيقظت من جديد. والمدهش أن هذا يحصل رغم تقرب إيران من روسيا والصين. وشرح دبلوماسي أمريكي لـ “إسرائيل اليوم” بأن هذا أحد طرق العمل التي تدرس وأنه لن يتحقق إذا ظهرت البدائل الأخرى أكثر نجاحاً. كما أن دول الخليج قلقة من هذه الإمكانية. وحسب تقرير في شبكة “الحرة” الأمريكية باللغة العربية، فقد أعربت دول الخليج عن تأييدها لرد إسرائيلي قاسٍ على الهجوم الإيراني، باستثناء منشآت النفط.

ما يعقد الصورة هي انتخابات الولايات المتحدة؛ فكل رد خصوصاً من إسرائيل، يدرس من هذا المنظور. 

داني زاكن

 إسرائيل اليوم 22/10/2024

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية